استشراء الفساد دليل تدهور القيم الأخلاقية المجتمعية وفشل المنظومة التعليمية
كريم السليتي (*)
قد نكون نجحنا في تونس لحد ما في بناء منظومة تعليمية وانخراط أغلب فئات الشعب فيها واهتمامه الشديد بها، لكننا فشلنا في بناء منظومة تربوية أخلاقية تنطلق من ثوابت قيمنا.
قد نكون نجحنا في تونس لحد ما في بناء منظومة تعليمية وانخراط أغلب فئات الشعب فيها واهتمامه الشديد بها، لكننا فشلنا في بناء منظومة تربوية أخلاقية تنطلق من ثوابت قيمنا.
يجب أن نعترف بعد أكثر من نصف قرن من التجربة الوطنية في بناء منظومة تعليمية تونسية، أننا لم نوفق في تأسيس مجمتع قائم على العلم والأخلاق، وذلك حسب تقديري بسبب استراد هذه المنظومة التعليمية برمتها من الغرب وعدم ضبطها على واقعنا. إن الوعي الغربي بحكم التاريخ والجغرافيا والسياسة والدين يختلف تماما عن وعينا، لذلك ما ينجح في الغرب ليس بالضرورة سينجح عندنا.
لقد ركزنا خلال الخمسين سنة الماضية على الكم دون الكيف. كما ركزنا على النسب البراقة مثل نسبة تمثيل الإناث في المراحل الجامعية العليا ، ونسب التمدرس وغيرها، و أغفلنا جودة مخرجات المنظومة التعليمية. لقد كان تركيزنا فقط على "النجوم العلمية" من الخريجين الذين يتمتعون بذكاء فطري خارق لنقنع أنفسنا بأن منظومتنا التعليمية متميزة، وأغفلنا تماما الجانب التربوي والاخلاقي والقيمي المستمدة من ديننا وحضارتنا وعاداتنا وحاولنا تعويضها بمفاهيم غربية لا تناسب مجتمعنا ولا شخصيتنا .
إن شخصية الانسان التونسي تختلف تماما عن شخصية الانسان الغربي، وشئنا أم أبينا فإن شخصية الانسان التونسي بدون توفر رادع ديني أخلاقي قوي سيتحول على الأرجح لكائن إنتهازي وقد يصبح اذا ما توفرت الفرصة وظروف معينة إلى شخص قابل للانخراط في منظومات الفساد الاداري والمالي والأخلاقي.
لذلك من المهم جدا في اي عملية اصلاح أن تركز المنظومة التعليمية على الجوانب الدينية والأخلاقية المستمدة من حضارتنا، فما الفائدة أن تكون مهندسًا أو طبيبا أو صحفيا أو قاضيًا كفؤا علميا ولكن بدون مروءة ولا نزاهة ولا قيم وتحمل صفات أنانية وانتهازية فردانية شريرة.
السؤال الآن لماذا خريجوا الستينات والسبعينات هم أكثر أخلاقية إن جاز التعبير من خريجي الألفية. لماذا كان ذلك الجيل أكثر أخذا للمبادرات وأكثر إخلاصًا وتفانيًا في عمله من الأجيال اللاحقة.
الإجابة تكمن في حجم الجانب التربوي والديني الذي تلقوه في المدارس والمعاهد، الذي يزيد بأضعاف عما يتلقاه أبناؤنا اليوم، لقد كان ذلك الجيل يحفظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة والشعر ولهم فصاحة في الحديثث وثراء في المعاني.
ولنكن صريحين مع أنفسنا فقد قامت الدولة بإيعاز من الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي بتخريب الركن التربوي في المنظومة التعليمية لأسباب إيديولوجية سخيفة وذلك في بداية التسعينات وما بعدها وكان حرصه شديدًا على تجفيف منابع التعليم الديني والذي أدى فيما بعد إلى تصحر أخلاقي وثقافي وقيمي وتربوي وحضاري لدى فئة هامة من خريجي المنظومة التعليمية.
وللأسف فإن الدولة هي أولى ضحايا منتوج المنظومة التعليمية التي أرست هي دعائمها وذلك من خلال انتشار الفساد المالي والاداري داخلها، وانتشار عقلية التكاسل والتواكل وانعدام المبادة وعدم تحمل المسؤولية واللامبالاة والقصير والاهمال في اداء الواجبات الوظيفية، وعدم الاخلاص والاتقان في العمل، هذا ناهيك عن تسمم البيئة الاجتماعية داخل الهياكل العمومية والادارات.
أما على مستوى المجتمع فالنتائج كارثية، من حيث ارتفاع معدل الجريمة وسوء الاخلاق وممارسة العنف هذا ناهيك عن التفكك الاسري
بسبب ازدياد نسب الطلاق نتيجة سوء الأخلاق.
إنه من المهم جدا أن نعي أن محاربة الفساد يجب أن تكون منظومة شاملة تعالج جذور المشكلة ، ونحن في تونس لم يعد لدينا خيار مع استشراء الفساد بهذا الحجم إلا أن نرسي استراتيجية وطنية شاملة لمكافحة الفساد الاداري والمالي والأخلاقي من أهم ركائزها اصلاح المنظومة التعليمية والاعلامية بحيث تكون هناك جرعات مركزة وقوية لتثبيت الجوانب الأخلاقية والقيمية المستمدة بالضرورة من ديننا الاسلامي ومن حضارتنا العربية وليس بالاكتفاء بتقليد المنظومات الغربية في هذا المجال.
* كاتب وباحث في الاصلاح الاداري
Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 280423