القصرين: تالة مدينة العيون الجارية .. تحتاج الى إرادة صادقة تعيد الحياة إلى منابعها وتحول ثرواتها المهدورة إلى محرّكات تنمية

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/5f6312029a6050.78307205_lfogienqmkhpj.jpg width=100 align=left border=0>


(وات - تحرير لطيفة مدوخي) - تزخر معتمدية تالة، الواقعة شمال ولاية القصرين، بكنز بيئي، يتمثل في عيون الماء الجارية التى تجاوز عددها ال25 عينًا، تنساب مياهها الصافية والعذبة بين التلال والمنحدرات، فالطبيعة بها تتحدث بلغة الماء من عين تالة الشهيرة، إلى عين أحمد وعين العرعارة وعين الحمادنة وعين القادرية وعين دار الجبل وعين الشار وعين أم الثعالب وعين المزود وعين بوزرقون، وغيرها من العيون الطبيعية المتدفقة، لكنها تجرى دون أن تعود بالنفع ودون مردود تنموي يذكر.
رغم وفرة هذه الموارد العذبة، فإنها تبقى غير مستغلة بيئيًا أو فلاحياً أو سياحياً أو حتى ترفيهيًا، إذ تذهب أغلب المياه المتدفقة نحو الأودية والمجاري الطبيعية، دون أن تمرّ عبر أيّة محطة تثمين أو تخزين، كما لا توجد ايّة فكرة للاستثمار والاستغلال.
وما يزيد من مفارقة الوضع، أن معتمدية تالة وأريافها، تعاني العطش ونقص التزود بالماء الصالح للشرب، في وقت تتدفّق فيه مئات الأمتار المكعبة من المياه العذبة من العيون يوميًا، لتضيع في المنحدرات نحو ولايات مجاورة، دون أن تُستغل في إقامة بحيرات جبلية أو سدود صغيرة أو حتى مناطق سقوية لفائدة الفلاحين المحليين.

وقد اعرب عضو المجلس المحلي للتنمية عن عمادة تالة الشرقية، محمد الأسعد بولعابي، في تصريح لصحفية وكالة تونس إفريقيا للأنباء، بهذا الخصوص، عن أسفه العميق من هذه الوضعية قائلًا "كل العيون الطبيعية الجارية بتالة غير مستغلة في أي مجال، ورغم معاناة المنطقة من شح المياه، فإن هذه الثروة تُهدر في الأودية، وهو ما يطرح ألف سؤال حول غياب رؤية واضحة لتثمين هذه الموارد"، واضاف متسائلا "لماذا لم يتم التفكير في إحداث مشاريع تنموية كإنشاء مناطق سقوية، أو بحيرات جبلية، أو سدود صغيرة، أو حتى مصانع لتعليب المياه المعدنية؟".



وأشار إلى أن إحداث مسبح بلدي في تالة، ظل حلمًا يراود شباب الجهة لعقود، دون أن يتحقق، رغم توفّر المياه الجارية التي يمكن أن توظّف لهذا الغرض الترفيهي والتكويني في نفس الوقت.
بعض العيون، مثل عين أحمد، وعين تالة وعين العرعارة ، تُستغل بشكل تقليدي من قبل بعض الفلاحين القريبين من مجاريها، لكن يبقى ذلك دون مستوى طاقة هذه العيون، ودون أية هيكلة أو منظومة حديثة، ممّا يجعل استغلالها محدودًا وضعيفًا.
ودعا بولعابي بالمناسبة السلط الجهوية والمركزية إلى عقد مجلس وزاري خاص بقطاع المياه في تالة، للبحث في سبل تثمين هذه الثروة المائية الجوفية، وتحويلها إلى مورد قارّ للتنمية الفلاحية والسياحية والاقتصادية، خاصّة في ظلّ التغيرات المناخية والتحدّيات البيئية التي تعيشها البلاد.
من جهته، عبّر النائب عن المجلس المحلي لعمادة تالة الغربية خالد عرنوني، في تصريح لصحفية "وات"، عن قلقه العميق إزاء الوضع الذي تعيشه المنابع الطبيعية بتالة، مطالبًا بتدخّل عاجل من قبل السلط المعنية للحدّ من هدر هذه الثروة الحيوية، وقال بهذا الخصوص: "تالة، واسمها المشتق لغويًا من الأمازيغية يعني ‘العين الجارية’، تحتوي على ما لا يقل عن 25 عينًا طبيعية، لكن للأسف لا يوجد بها أي متنفّس حقيقي للأطفال أو الشباب، لا مسبح بلدي ولا منتزهات تُقام قرب هذه العيون."
وأكد بدوره أنّ هذه العيون، رغم وفرتها، لا تُستغل لا فلاحياً ولا اقتصادياً ولا سياحياً، باستثناء بعض الإستخدامات التقليدية التي لم تعد تواكب متطلبات التنمية المحلية، وأضاف بنبرة حزينة "الثروة المائية تهدر منذ سنوات في التراب، في حين تتفاقم التهديدات بالشحّ المائي وتلوح في الأفق أزمة عطش خانقة."
ودعا عرنوني إلى حماية هذه الثروة الطبيعية واتخاذ الاجراءات الضرورية في أقرب الآجال، وتيسير سبل إستثمارها لفائدة الأجيال القادمة، كما طالب الإدارة الجهوية لأملاك الدولة ودائرة الغابات بالتدخل لتحديد الملكية العقارية للعيون، خاصة "عين أحمد"، التي تُعدّ أكبر منبع مائي في تالة، حيث يصل تدفقها إلى 30 لتراً في الثانية، لكنها عالقة وسط إشكاليات عقارية تعرقل أي مبادرة استثمارية أو مشروع تنموي
وأكد أن إحدى الجمعيات المدنية، كانت قد أبدت نيتها في تهيئة العين وإقامة مسبح قربها، غير أن المشروع تعطّل بسبب نزاع حول ملكية الأرض التي تقع فيها العين، ما يتطلب القيام بمسح عقاري دقيق لفضّ هذا الإشكال.
وكشف بالمناسبة، أنّ "عين أحمد"، سبق أن خضعت لأشغال تهيئة وترميم في فترة الاستعمار الفرنسي، وسجّلت لاحقًا تدخلات بسيطة من قبل المواطنين، مشيرًا إلى أن بلدية تالة برمجت تركيز 14 عمود إنارة على امتداد كيلومترين اثنين، إضافة إلى تعبيد المسلك المؤدي إليها، لما لها من رمزية ومكانة لدى الأهالي والزوار.
ولم تختلف آراء عدد من المواطنين الذين التقتهم صحفية "وات" في معتمدية تالة، حيث أجمعوا على الحاجة الملحّة لإصلاح منظومة إدارة الموارد المائية بالمنطقة، وتحويل العيون من نقاط مهدورة إلى مشاريع تنموية نابضة بالحياة، وقالت نوة العصيدي، وهي أصيلة مدينة تالة (مقيمة منذ 25 عامًا بصفاقس)، "كلما عدت إلى مسقط رأسي ورأيت العيون لا تزال تجري بلا هدف ولا فائدة، يبكي قلبي دماً، في حين تُعاني العديد من المناطق في تونس، بما فيها تالة نفسها، من العطش، تُترك هذه المياه العذبة لتتسرب في الأودية هباءً".


Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 310882


babnet
*.*.*
All Radio in One