الراقصة والسياسي

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/marthamahdix1.jpg width=100 align=left border=0>


بقلم مهدي الزغديدي
#‏كيفما_اليوم



في مثل هذا اليوم 7 أوت 1876 ولدت أشهر جاسوسة في التاريخ ماتا هاري



لم يحدث أبدا أن اشتهر اسم راقصة وبائعة هوى كما حدث مع ماتا هاري، فقد كانت في حياتها مشهورة في أغلب أوروبا بالرقص والمجون وبعد موتها بالسياسة والجوسسة. وبقيت سيرتها تتداول إلى اليوم كإحدى أكثر النساء المثيرات للجدل في القرن العشرين.

ولدت مرغريتا غيرترودا تسللي في مثل هذا اليوم 7 أوت 1876 في هولندا. لم تكن شقراء كباقي الهولنديّات بل كان جمالها ميّالا للغجر، ممّا جعلها مميّزة في محيطها. تزوّجت في سن التاسعة عشر من الضابط الهولندي، رودولف ماكلويد، الذي يكبرها ب22 سنة، والذي اصطحبها معه إلى جزر الهند الهولندية المعروفة اليوم بأندونيسيا. هناك فتنت بالحضارة الشرقيّة وخصوصا منها الحياة الماجنة منها. واستهواها الرقص الشرقي حتى أصبحت تتقنه. لم تكن في وئام مع زوجها، ولم تكن سعيدة بانجابها لطفلين، فقد كانت تبحث عن المغامرات واطلاق عنانها لرغباتها ونزواتها، وسرعان ما سئمت مارغاريتا الحياة الزوجية ومتطلباتها، خصوصا أن السنوات التي عاشتها في الشرق فتحت ذهنها على الحياة والرقص والمغامرة... وهكذا ما ان عاد الزوجان إلى هولندا، بحكم عمل الزوج في الجيش، حتى تركت مرغريتا الحياة العائلية منصرفة إلى حياتها الخاصة.

انطلقت مارغريتا إلى باريس المدينة الصاخبة، وسمّت نفسها "ليدي ماكلويد"، لكنها لم تجد حظّها في الرقص فتحوّلت إلى بائعة هوى. لكن رحلتها الأولى إلى باريس لم ترضها... فعادت إلى هولندا محاولة أن تعثر على عمل هناك... لكن الزمن في هولندا لم يكن يتيح لأمثال مرغريتا عملا وعيشا هنيئا، فقد كانت أغلب المدن الأوروبيّة في بداية القرن العشرين مازالت تحافظ على بعض التقاليد، لذلك، وبعد عام امضته في وطنها عاطلة عن العمل، عادت إلى باريس، المدينة التي يمكن أن تمارس فيها أهواءها، مرة أخرى عام 1905. وتخلّت عن شخصيّتها الأوروبيّة واستغلّت جمالها الغجري لتدّعي أنها أميرة من الشرق سمّت نفسها "ماتا هاري" وهي كلمة ماليزيّة تعني "عين النهار". وبسرعة أصبح اسم ماتا هاري على ألسن سكّان أوروبا، وعشّاقها يقفون في الصفوف في انتظار دخولهم إلى الحانات لمشاهدة رقصها. كانت ماتا أوّل من استعمل الفنّ الاباحي، فقد كانت ترقص باغراء وشبه عارية أمام الجمهور. وتعدّدت الليالي الصاخبة، حتى صارت ماتا إحدى سيدات الليالي الباريسيّة. وكانت تبيع نفسها لمن يدفع أكثر، حتى أصبح لديها علاقات مع أصحاب المال والنفوذ. وتعرّفت على الضابط الألماني ألفريد كبرت الذي أحبّته وانتقلت معه إلى برلين بداية عام 1914. لكن ماتا لم تكن من النوع الذي يقدر على العيش مع رجل واحد فتركته.

في جويلية 1914 اندلعت الحرب العالميّة الأولى فعادت ماتا إلى بلدها الأصلي هولندا بما أنها اختارت الحياد وعدم المشاركة في الحرب. لكن بقيت حياة المجون الباريسيّة وأموالها تداعبها. إلى أن حدث وزارها قنصل ألمانيا في أمستردام، والذي لم يكن في الحقيقة سوى ضابط في المكتب الثالث التابع للجيش الألماني (مكتب التجسس). كان هذا الضابط يعلم نقاط ضعف ماتا، فأعلمها أنه يمكن أن يحقّق حلمها بأن يعيدها الى باريس وأن يغدق عليها الأموال إن هي ساعدت ألمانيا باستغلال علاقتها المهمّة في باريس لجمع معلومات تجسّسية عن فرنسا، فقبلت بلا تردّد مقابل تحقيق أمنيتها فالمهم بالنسبة لها هي العودة إلى باريس وفي جيبها مبلغ من المال كبير ولها من يحميها. وبدأت في إقامة علاقات مع شخصيّات فرنسيّة مهمّة وفي تزويد الألمان بالمعلومات. شكّت السلطات الفرنسيّة فيها واعتقلتها سنة 1916، لكنّ ماتا نفت كلّيا ارتباطها بألمانيا ولم يستطع القضاء إدانتها لأنها كانت تتبادل مع ألمانيا في رسائل مشفّرة ومعقّدة لم يقدر الفرنسيّون من فكّ تشفيرها، فتمّ الحكم عليها بالبراءة، واقترحوا عليها في المقابل العمل لصالح فرنسا ضدّ الألمان فوافقت، وهكذا تحوّلت الراقصة المومس إلى عميل مزدوج. تفطّن الألمان لخيانة ماتا فقرّروا معاقبتها والتخلّص منها، فبعثوا لها عديد الرسائل السهل تفكيك رموزها لتقع بين أيدي الشرطة الفرنسيّة وهو ما حدث سنة 1917. ممّا أدان ماتا هاري بالخيانة المثبتة. في محاكمتها أعلنت ماتا أن كلّ ما قامت به كان من أجل جمع المال وإشباع النزوات، ولم تكن توالي أحدا أو تحمل أي فكر سياسي أو أيديولوجي. ورغم ذلك، ونظرا لأن فرنسا كانت في حالة حرب مع ألمانيا تقرّر حكم الإعدام فيها.

قبل ليلة من تنفيذ حكم الإعدام أدخلت عليها راهبتين للتحدّث معها. تقول إحداهما عن الزيارة: " لقد خلعت ملابسها ورقصت أمامنا عارية تماما.. لقد شاهدتُ شيطاناً يرقص ويتلوى. إن ماتا هاري ليست إلا شيطاناً في جسد امرأة". وفي اليوم الموالي الموافق لـ15 أكتوبر 1917 تمّ اقتيادها إلى ساحة السجن لاعدامها. رفضت ماتا أن تعصّب عيناها قبل أن يتمّ رميها بالرصاص. وهكذا كانت ضحيّة شغفها بالمال والسعادة والجنس والرقص.

يعتقد بعض المؤرخين أن ماتا هاري كانت جاسوسة حقيقية، وأنها أرسلت معلومات خطيرة إلى الألمان من طريق جمع الأسرار من عشّاقها السياسيين والضباط الفرنسيين. هناك فريق آخر من المؤرخين يعتقد أن ماتا هاري كانت في الحقيقة امرأة ساذجة وقعت ضحية لعبة الأمم. يبقى السؤال: لماذا لم يعتقلها الحلفاء مع علمهم بتجسسها لمصلحة الألمان، ولماذا سلّمها الألمان للحلفاء؟ هذه أسرار ربما ستبقى طيّ الكتمان عاما آخر أي حتى نهاية عام 2017، تاريخ الإفراج عن وثائق محاكمة ماتا هاري التي لا يمكن الاطلاع عليها إلا بعد مرور قرن من الزمان، وفق القانون الفرنسي.


Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 146170


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female