القصرين: شركة "الإخلاص" .. تجربة تعاونية رائدة في مجال تقشير وتكسير اللوز والفستق من قلب ماجل بلعباس

(وات - تحرير لطيفة مدوخي) - وسط سهول معتمدية ماجل بلعباس الخصبة بولاية القصرين، اين تمتزج رائحة اللوز والفستق بنبض الأرض المعطاء، شرع 20 شخصا (18 امرأة ورجلان) في بناء مشروع غير مسبوق بالمنطقة وهي الشركة التعاونية للخدمات الفلاحية "الإخلاص"، مبادرة ولدت من رحم الحاجة، ونمت على أمل التغيير، لتتحول في ظرف وجيز إلى تجربة نموذجية تراهن على تحسين واقع الفلاحين ودعم الإقتصاد الإجتماعي المحلي.
تعود هذه المبادرة إلى سنة 2023، حين فاز أصحاب المبادرة في مناظرة جهوية نظمتها منظمة العمل الدولية بالشراكة مع المندوبية الجهوية للفلاحة وهياكل رسمية اخرى، ضمن مشروع "Jeunesse" المموّل من الاتحاد الأوروبي، والذي يهدف إلى تعزيز الإقتصاد الإجتماعي والتضامني وتوفير فرص عمل لائقة لشباب المناطق الداخلية.
تعود هذه المبادرة إلى سنة 2023، حين فاز أصحاب المبادرة في مناظرة جهوية نظمتها منظمة العمل الدولية بالشراكة مع المندوبية الجهوية للفلاحة وهياكل رسمية اخرى، ضمن مشروع "Jeunesse" المموّل من الاتحاد الأوروبي، والذي يهدف إلى تعزيز الإقتصاد الإجتماعي والتضامني وتوفير فرص عمل لائقة لشباب المناطق الداخلية.
حصل الفريق، بفضل هذا الدعم، على تمويل قدره 90 ألف دينار من المنظمة، ضاعفوه بمبلغ مماثل من مدخراتهم الخاصة، ليبلغ إجمالي الاستثمار 180 ألف دينار، وانطلقت الشركة رسميا في العمل يوم 24 جويلية 2025، حاملة معها تطلعات فلاحي الجهة نحو تثمين منتوجاتهم محليا.
تشتهر ماجل بلعباس، بإنتاجها الوفير من اللوز والفستق، الذي لُقّب بـ"الذهب الأخضر"، وتوصف محاصيلها البيولوجية بـ"ثمار المستقبل"، بفضل جودة مناخها ونقاوة تربتها، وقد شهد الموسم الفلاحي الحالي (2024 -2025)، صابة قياسية من الفستق تجاوزت 800 طن بمعتمدية ماجل بلعباس وحدها، في تطور ملحوظ يعكس مكانتها كمركز وطني للإنتاج، كما سجّلت المنطقة إنتاجًا متميزًا من اللوز بلغ 6 آلاف طن، من مجموع 35 ألف طن تمثل الإنتاج الجهوي بولاية القصرين، ما يؤكد ريادة ماجل بلعباس في هذا المجال.
وعلى مستوى الولاية، تغطي غراسات الفستق مساحة تتجاوز 8 آلاف هكتار بإنتاج بلغ هذا الموسم 1650 طناً، بينما تمتد غابات اللوز على مساحة تُفوق 23 ألف هكتار، مع تسجيل إنتاج يُقدّر بـ35 ألف طن، وهي صابة تعد الأفضل خلال السنوات الأخيرة.
ورغم هذا الزخم الإنتاجي، ظلت ماجل بلعباس تفتقر لسنوات إلى وحدة محلية لتقشير وتكسير اللوز والفستق، ما أجبر الفلاحين على التنقل إلى ولايات أخرى، بما يحمله ذلك من أعباء مالية ولوجستية.
ومع تأسيس شركة "الإخلاص"، تغيّر المشهد ، فقد تم إنشاء وحدة تقشير حديثة بطاقة يومية تصل إلى 5 أطنان، مجهزة بآلات عصرية تشمل آلتين لتقشير اللوز وآلتين لتقشير الفستق وآلتين لتكسير واستخراج حبات الفستق واللوز.
وتستقبل الوحدة المحاصيل مباشرة من الفلاحين المحليين، وتمرّ بعمليات دقيقة في التقشير والتكسير تمكّن من الحفاظ على جودة الثمار ونظافتها، لتُعبّأ الحبوب لاحقًا في ظروف صحية، وتُوجَّه بعد ذلك للبيع أو التحويل.
عبّرت رئيسة مجلس إدارة الشركة نجوى صولة، في تصريح لصحفية وكالة تونس إفريقيا للأنباء، عن سعادتها بما تحقق قائلة: "نشتغل مع الفلاحين يوميًا، نلمس ارتياحهم واعتزازهم بأن ثمارهم لم تعد تُنقل بعيدًا، بل تُعالج وتُثمّن في قلب ماجل بلعباس، وهذه الشراكة هي أساس نجاحنا."
وبينت أن الشركة تعتمد، في انسجام مع مبدأ الإقتصاد الدائري، سياسة "صفر فواضل"، حيث يتم تحويل قشور اللوز والفستق إلى سماد عضوي عالي الجودة، يُستخدم في تسميد الأشجار والخضروات، بدل استعمالها التقليدي كعلف حيواني، وتقول صولة في هذا الصدّد "نُثمّن كل مكوّن فلاحي، لا نلقي شيئًا، بل نعيد تدويره ليُصبح موردًا إضافيا" ، مشيرة إلى أن الشركة تعمل على تطوير آلات متخصصة لتحويل القشور إلى سماد عضوي بشكل أنجع.
وكشفت صولة أن أنشطة الشركة التعاونية لا تقتصر على موسم جني ثمار اللوز والفستق، بل هي متواصلة طيلة العام، وتشمل تعليب اللوز والفستق وزيت الزيتون البيولوجي والأعشاب المجففة وتحويل القمح والشعير إلى عولة (كسكسي، وبسيسة، ومحمص ومرمز..)، مشيرة إلى أن الشركة تعمل حاليًا في فضاء للإنتاج وآخر للبيع، وهي تطمح للتوسع عبر إضافة آلات لإستخراج عجائن اللوز والفستق وزيت اللوز المطلوب كثيرا.
ولفتت بالمناسبة الى أن شركة "الإخلاص" تحذو حذو التعاونية الأولى التي تأسست بمعتمدية ماجل بلعباس سنة 1999، والتي تُعد من أبرز المصدرين نحو الأسواق الأوروبية للمنتوجات الفلاحية البيولوجية، وتسعى بدورها للحصول على شهادة المصادقة البيولوجية، ما سيمكنها من دخول الأسواق الوطنية بالمنتوجات النظيفة.
واشارت الى أنه ورغم هذا النجاح، فان الشركة تواجه تحديات، أبرزها، العمل في فضاء مؤجر، ودعت بالمناسبة السلطات الجهوية والمصالح الفلاحية المعنية إلى تمكينهم من مقر دائم أو محل بديل بمعلوم رمزي، لضمان استمرارية المشروع وتوسيع نشاطه مستقبلاً.
وأعرب عدد من فلاحي معتمدية ماجل بلعباس، في تصريحات متطابقة لصحفية "وات"، عن ارتياحهم العميق لإحداث الشركة التعاونية "الإخلاص"، واعتبروها نقلة نوعية في القطاع الفلاحي بالجهة، خاصة وانها ساهمت في تخفيف أعباء التنقل إلى المناطق البعيدة، ووفّرت فضاءً محلياً لتثمين محاصيلهم، وخاصة مادتي اللوز والفستق، ما مكّنهم من رفع القيمة المضافة لإنتاجهم.
ووصف المتحدثون الشركة بـ"القصة الملهمة" في مجال التمكين الإقتصادي للفلاحين، والنهوض بالإقتصاد الإجتماعي والتضامني، وأشادوا بما تمثله من نموذج ناجح في العمل التشاركي والريادة النسائية، حيث كانت المرأة الريفية في صلب المبادرة وصانعة لتحول تنموي ملموس في المنطقة.
Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 313189