مؤسسات سبر الآراء في الخضم الانتخابي: مشاريع قوانين في الرفوف ومخاوف من التلاعب بالمعلومات

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/5d03df05d42507.87910750_nhgolmfeijpqk.jpg width=100 align=left border=0>


وات - ( تحرير أيمن الزمالي) - مازال بامكان مؤسسات سبر الاراء التي لا ينظم عملها قانون واضح، نشر أعمالها بخصوص نوايا التصويت خلال الانتخابات القادمة وتقصي اتجاهات الناخبين الى غاية تاريخ 16 جويلية 2019، موعد انطلاق الفترة الانتخابية الخاصة باستحقاقي التشريعية والرئاسية.

فحسب توضيحات رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات نبيل بفون لوكالة تونس افريقيا للانباء ، لايوجد قانون يسمح لهيئة الانتخابات التدخل في عمل هذه المؤسسات، ويقتصر دورها في تطبيق الفصل 70 من القانون الانتخابي الذي ينص على أنه " يمنع خلال الحملة الانتخابية أو حملة الاستفتاء وخلال فترة الصمت الانتخابي، بث ونشر نتائج سبر الآراء التي لها صلة مباشرة أو غير مباشرة بالانتخابات والاستفتاء والدراسات والتعاليق الصحفيّة المتعلقة بها عبر مختلف وسائل الإعلام.
وفي السياق نفسه، يؤكد عضو الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري(الهايكا) هشام السنوسي ل"وات"، بأن القانون لا يسمح للهيئة بالتدخل في نشر وسائل الاعلام المسموعة والمرئية لسبر الآراء والتطرق لنوايا التصويت.
...


أسئلة عديدة وأجوبة شحيحة، حول هذه الظاهرة التي تزدهر في الديمقراطيات، فان لم يكن المشهد السياسي في تونس أيام الحكم الواحد والحزب الواحد معنيا بسبر آراء المواطنين حول العملية الانتخابية، لأن المنافسة لم تكن مسموحة حول السلطة ونوايا التصويت كانت جميعها في اتجاه واحد، فإن 25 مؤسسة تعمل اليوم في مجال سبر الآراء ، حسب احصائيات الغرفة الوطنية لمكاتب استطلاع الرأي اليوم، وتمثل نقطة استفهام في مسار تطور المشهد السياسي التونسي بعد 14 جانفي 2011.

مشاريع قوانين في رفوف البرلمان
رغم تحذير رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي من عمليات سبر الاراء ونتائجها المنشورة، خلال كلمته المقتضبة التي توجه بها للتونسيين بمناسبة حلول شهر رمضان المنقضي، وصدور بيانين متتاليين من قيادة حركة النهضة بخصوص هذا الموضوع بداية شهر ماي الفارط، اضافة الى اصدار الحزب الجمهوري لبيان يؤكد امتلاك عدد من منخرطيه لاثباتات دامغة تشكك في عملية سبر الاراء ،وتتالي تصريحات مختلف الفاعلين السياسيين من كل المشارب وباختلاف المواقع، بخصوص هذا الموضوع الذي لم يطرح للنقاش لتنظيمه.
وظلت مبادرتان تشريعيتان لتنظيم هذا القطاع في رفوف مكاتب البرلمان ، الأولى صادرة عن نواب من الكتلة الديمقراطية وحركة الشعب والجبهة الشعبية بتاريخ 3ماي 2016 بمقتضى "مقترح قانون أساسي عدد21 لسنة 2016 ومؤرخ في 3 ماي 2016 ومتعلق بسبر الآراء" والثانية من طرف كتلة الحرة لحركة مشروع تونس بتاريخ 15 فيفري 2017 ، تتعلـق بمقتـرح قـانون ل" تنظيم سبر الآراء والإستطلاعات ".
والأغرب من ذلك، فان الغرفة الوطنية لمكاتب استطلاع الرأي انتهت من صياغة مشروع قانون ينظم عمل مؤسسات سبر الاراء، تم عرضه على الحكومة منذ شهر ونصف، الا أنه ما زال لم يطرح للنقاش بالقصبة، كما أكد ذلك رئيس الغرفة نبيل بالعم ل"وات".
وان يخضع القانون الاساسي المتعلق بالانتخابات والاستفتاء للتنقيح خلال هذه الأيام بمجلس نواب الشعب في عدد من فصوله المتعلقة بمواضيع تخص استعمال العمل المدني ووسائل الاعلام وتوظيفها خلال العملية الانتخابية ، فان المسائل المتعلقة بسبر الاراء غير مطروحة على جدول عمل نواب المجلس، ليقتصر تطرق هذا القانون المنظم للعملية الانتخابية ، لسبر الاراء في بعض فصوله، ومنها الفصل 172، الذي ينص على أنه "إلى حين صدور قانون ينظم سبر الآراء، يحجر خلال الفترة الانتخابية بثّ ونشر نتائج سبر الآراء التي لها صلة مباشرة أو غير مباشرة بالانتخابات والاستفتاء والدراسات والتعاليق الصحفيّة المتعلقة بها عبر مختلف وسائل الإعلام".


استطلاعات الرأي والتلاعب بالمعلومات
يفسر الأكاديمي الباحث في الميديا الصادق الحمامي في مقال نشره بتاريخ 20 مارس 2019، أن مخاطر استطلاعات الرأي في تونس تتمثل في إمكانات التلاعب بالمعلومات التي تتضمنها وطرق تقديمها وذلك في غياب قوانين أو آليات تنظيمية ذاتية تنظم عملية نشر استطلاعات الرأي.
ويعتبر الحمامي، أن تأثير سبر الاراء المستتر على تنظيم الحياة الديمقراطية ، يمكن أن تؤدي إلى استبدال الشرعية الديمقراطية القائمة على الانتخاب بشرعية أخرى.
فيتحول إرضاء الجمهور إلى غاية يبحث عنها السياسي والمقياس الذي يقيم به أداؤه، كما تتحول السياسة من إدارة الشأن العام بما يخدم المصلحة العامة إلى إدارة أهواء الجمهور بواسطة إدارة الصورة.


في المقابل يرى في نفس المقال، أن غياب أو محدودية الدلائل العلمية الثابتة على التأثيرات العملية المباشرة لاستطلاعات الرأي على الناخبين، أرست الدول الديمقراطية، من باب درء الأخطار الممكنة، آليات لتنظيم استخدامها ووضعت تشريعات وآليات رقابية على المؤسّسات التي تقوم بعمليات استطلاعات الرأي حماية للمسار السياسي السابق للعملية الانتخابية بما في ذلك حملات المرشحين والأحزاب السياسية.


التجارب الديمقراطية واستطلاعات الرأي
تؤكد الغرفة الوطنية لمكاتب استطلاع الرأي، على أن قطاع سبر الآراء يجب أن يخضع للتعديل الذاتي، نافية كل مرة ما يحوم من تشكيكات في نزاهة عمل هذه المؤسسات.
في المقابل، نجد انه قد تم إحداث هيئات وأطر تعنى بمؤسسات سبر الاراء في التجارب الديمقراطية العريقة، لتنظيم هذا القطاع "المؤثر" في العملية الانتخابية، اذ أحدثت الولايات المتحدة الأمريكية المجلس الوطني لاستطلاع الرأي، الذي تنشط مكاتب استطلاع الرأي ضمنه، وقد وضعت هذه المنظمة ميثاقًا مهنيًا تلتزم به المؤسسات تلزم مكاتب استطلاعات الرأي، الاعلان عن الجهات الممولة لكل سبر اراء تنشر نتائجه وطرق إنجازه (بالهاتف أو بطرق أخرى)، وطرق تصميم العينة وحجمها إضافة إلى معلومات أخرى.
وفي بريطانيا، تشرف جمعية مهنية باسم "المجلس البريطاني للتصويت و شركات استطلاعات الرأي " على تنظيم هذا القطاع.
أما في فرنسا، فقد تدخلت الدولة لتنظيم عملية نشر نتائج استطلاعات الرأي ذات العلاقة بالانتخابات عبر إنشاء هيئة عمومية بموجب قانون، تراقب هذه العملية وتسمّى "الهيئة الوطنية للاستطلاعات" حتى لا تؤثر هذه الاستطلاعات في القرار الانتخابي الحر للمواطنين المقترعين.


الجدل متواصل
وقد استأثر موضوع مؤسسات سبر الآراء باهتمام المجتمع المدني التونسي منذ العام الأول من الثورة وقبيل الانتخابات الحرة الأولى التي نظمت سنة 2011، اذ دعا الخبير الفرنسي في الميدان ورئيس قسم استراتيجيات الرأي بمعهد دراسات التسويق وسبر الاراء بفرنسا إيمانويل ريفيير في 23 نوفمبر 2011 عند تنظيم جمعية خريجي المدارس الكبرى للنقاش حول اشكالية عمليات سبر الآراء ومختلف القضايا ذات الصلة ، دعا في مداخلة بعنوان "عمليات سبر الأراء والديمقراطية" إلى تكريس مشروعية عمليات سبر آراء باعتبارها وسيلة لفهم توجهات الرأي العام وتقصي نوايا التصويت خلال المحطات السياسية على غرار الانتخابات ، مشددا في نفس الوقت على ضرورة وضع شروط لصناعة عمليات سبر الاراء وبثها واستغلالها.
والى حد اليوم، لم يتغير الكثير في هذا المجال، فكلما نشرت احدى مؤسسات سبر آراء نتائج عملها حول المشهد السياسي ونوايا التصويت في الانتخابات، الا واحتدم الجدل وارتفعت أصوات المشكيكين، وعادت الأسئلة الكثيرة ، التي تحوم حول هذه الظاهرة.
وفي هذا السياق مثل نشر مؤسسة سيغما كونساي لسبر للآراء حول اتجاهات الناخبين التونسيين وحظوظ عدد من الأحزاب في الانتخابات التشريعية ونوايا التصويت لعدد من المرشحين المفترضين للانتخابات الرئاسية ، موعدا جديدا للجدل والتشكيك والمخاوف من التوظيف، كما كان لهذه النتائج دور بشكل من الأشكال في عودة مشروع تنقيح القانون الانتخابي لأولويات العمل البرلماني هذه الأيام وفق ما ذهب اليه عدد من الناشطين السياسيين.
ومن هذا المنطلق توجد أسئلة ملحة تنتظر الاجابة عليها في القريب لتوضيح أدوار مؤسسات سبر الاراء واليات اشتغالها، فما الذي يُفسّر التباين في النتائج بين مؤسسة سبر للآراء وأخرى؟ وماهي معايير اختيار شخصيات بعينها دون غيرها في سباق التنافس الذي تفترضه هذه المؤسسات؟ وما مدى تأثرها بالفاعلين السياسيين والماليين بالبلاد؟ وهل يمكن أن يؤثر قيس نوايا التصويت في العملية الإنتخابية؟ ولمصلحة من لم يتم وضع إطار قانوني ينظم عمل هذه المؤسسات إلى اليوم؟.



   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 183960


babnet
All Radio in One    
*.*.*