أحلام ريفية

<img src=http://www.babnet.net/images/5/bentrifaya.jpg width=100 align=left border=0>


غدا سأقصد العاصمة التي طالما حدثنني قريباتي عنها.. هكذا قرر أبي بعد تفكير طويل.. اقترح عليه أحد أقاربنا إرسالي للعمل كمعينة منزلية.. رفض بشدة في البداية فرغم فقرنا المدقع كان أبي يرفض عمل أمي في المنازل المجاورة لقريتنا فكانت تعد خبز"الطابونة" ليبيعه إخوتي بالطريق العام في أوقات الفراغ والعطل وأبيعه بنفسي في غير ذلك.. أما أبي فكان عامل فلاحي وكنا نرافقه أنا وأخواتي في مواسم الجلبانه" أو جني الزيتون.. انقطعت عن الدراسة منذ الفصل الخامس نظرا لرسوبي المتكرر.. لم أكن أحب المدرسة ولا المدرسين أولئك الذين يحاولون الانتقام من وزارة التعليم لأنها قامت بنفيهم للأرياف التي تفتقد لأبسط متطلبات الحياة الكريمة.. ذات يوم قرر أبي أن أعمل كمعينة منزلية خاصة بعد أن لاحظ أن أسرا كثيرة تحسنت أحوالهم بعد أن أرسلوا بناتهم للعاصمة.. ونصحه أحدهم بأن لا يلتجأ "للقشار" عفوا "السمسار" عفوا صاحب مكتب التشغيل الخاص بالمعينات لأنه يستغلهن أبشع استغلال.. ووعده بأن يشغلني لدى إحدى الأسر معارف الأسرة التي تعمل لديهم ابنته.. تملكني إحساس غريب وأنا أودع بيتي وأهلي وقريتي والصنوبر.. ليس حزنا ولا فرحا.. إنما وحشة وخوف من المجهول.. من تجربة جديدة بعيدا عن حضن أمي.. مشغلتي امرأة جميلة وأنيقة.. مطلقة ولها طفلان.. انقبض قلبي أول ما رأتها عيني.. تبدو متكبرة وجدية.. تحاورت مع أبي ثم تركني وانصرف بعد أن أوصاني بأن أطيع سيدتي طاعة عمياء.. وأن أحفظ بيتها كأنه بيتي وأن اعتبر أبناءها إخوتي الصغار.. حبست أنفاسي ودموعي.. وكأن أحدا يحاول خنقي.. أحسست بغربة ووحدة قاتلين.. أحسست باليتم .. وكأن ظلم العالم سلّط علي حتى أني شعرت بالآم في المعدة ورغبة في الغثيان.. تملكتني رغبة شديدة في البكاء.. كبتها.. تجاوزت السادسة عشر لن ابكي كالأطفال.. طلبت مني أن أحلام ريفيةاتبعها.. أرتني مكان نومي وخزانة ملابسي وطلبت مني الاستحمام.. الحق يقال ظروف المعيشة هنا أطيب بكثير من بيتنا الريفي الصغير الذي لا يتوفر فيه لا الكهرباء ولا الماء الصالح للشراب.. ليتنا نمتلك بيتا مثل هذا البيت ويرتدي إخوتي الصغار ملابس جديدة ونظيفة كهذه.. ليت يدا أمي تتحول إلى أيد ناعمة كمشغلتي.. في المساء تناولنا العشاء سويا أنا وهي والأطفال الذين كانوا ينظرون إليّ ويتهامسون.. مدتني بلائحة من الأعمال التي يجب أن أقوم بها وعلى رأسها طلبت مني أن أستبدل لهجتي بلهجة أهل العاصمة حتى لا يتأثر طفلها الصغير الذي لم يتم سنته الثالثة باللهجة الريفية.. وأخبرتني أنه بإمكاني مغادرة المنزل يوم الأحد للترفيه عن نفسي.. كما عرفتني على المعينة التي تعمل بالمنزل المجاور وطلبت منها أن تصحبني خلال الأيام الأولى إلى حيث ابتاع مستلزمات المطبخ والأطفال بما أن سيدتي مشغولة..
يا الله ما أكبر شوارع العاصمة وما أكثر أنوارها وسياراتها.. كل ما تشتهيه النفس متوفر.. ما أسهل حياة سكانها.. كل المرافق متوفرة.. كل مستلزمات الحياة الكريمة موجودة.. أحدث المستشفيات.. أفضل الأطباء والمدارس والمدرسين.. الكهرباء.. الماء يصل لكل البيوت المتراصة التي تشعرك بالأمان حقا.. الكل يعمل.. ترى الشوارع صباحا كمملكة النمل.. لماذا ترتكز المصانع وكل موارد الرزق في العاصمة والمدن الكبرى على حساب الريف؟؟.. فما أصعب حياتنا هناك في الظل.. بطالة.. ظلام.. فقر.. جهل.. تشدد.. تعصب وقيود.. مجتمع ذكوري ضيق.. خانق.. وكأننا نبتعد آلاف الكيلومترات عن العاصمة في حينا أن المسافة بيننا لا تتجاوز الثلاث ساعات..
حتى أحلام العاصمة تختلف عن أحلام الريف.. فأنا أحلم كأي فتاة ريفية فقيرة أن أعمل لأساعد أبي وادخر القليل من المال لجهازي والزواج من أحد أقاربي الذي لا يختلف مستواه الاجتماعي عني ولكنه يجعلني أميرة النساء فيطلب مني أن لا أعمل.. أحلم بالسكنى ببيت صغير يحفظ كرامتي.. بيت تتوفر فيه الكهرباء فأستطيع شراء تلفزيون صغير ويتوفر به الماء الصالح للشراب وأستطيع إلى ذلك الاستحمام متى شئت.. أحلم بإنجاب أطفال يكون حظّهم في الحياة أفضل من حظّي وأقصى طموحي أن نستطيع شراء بقرة أو بضعة خرفان حتى نحسن مستوانا المادي..

يتبع





مديحة بن محمود






Comments


16 de 16 commentaires pour l'article 30997

3ayed  (Tunisia)  |Lundi 29 Novembre 2010 à 17:55           
أغلب المتدخلين في انتظار تتمة القصة وهو قدرنا إنتظار ما هو آت دون حراك و دون أن نكون فاعلين و أصحاب مبادرة. فهل من يساهم في إيقاظ هذه الأمة من سباتها

Elhedi  (Tunisia)  |Lundi 29 Novembre 2010 à 17:53           
كلام خطير الي قلته بخصوص مستوى التعليم في الارياف بالعكس كي تجي تشوف تو تلقى الي اهم الكفاءات التونسية اصلهم من الريف والمعلم ماعندوش علاش بش ينتقم من تلامذة الريف كونشي الريف الي تحكي عليه هو الريف متاع الريف

SMA  (Tunisia)  |Lundi 29 Novembre 2010 à 17:06           
Le sujet est souvent traité par les médias mais sans apporté de nouveauté la dessus. faut-il sensibiliser de plus en plus les responsables des organismes de l'etat à faire mieux pour résoudre le problème soulevé.

Aya  (Tunisia)  |Lundi 29 Novembre 2010 à 16:15           
Bien dit mme ben mahmoud vous avez mis, comme d'habitude et avec intelligence, la main sur les failles dans différentes pôlitiques causant ce type de problème. en avant...

TT  (Tunisia)  |Lundi 29 Novembre 2010 à 15:38           
المقال ثري بالمعاني فإلى جانب الفكرة الأساسية و هي معالجة ظاهرة المعينات المنزلية نجد الكاتبة تثير جملة من المواضيع الفرعية مثل المقارنة بين الحياة الريفية و الحياة في المدن و كذلك المرافق المتوفرة و مستوى التدريس.

Sonia  (Tunisia)  |Lundi 29 Novembre 2010 à 14:29           
علاش ديما نغزروا للعائلة الي عندهم معينة بنية صغيرة من الريف الي هم اشرار ويستغلوا فيها ويعذبوها ويتحرشوا بها ساعت هوما يكونوا ارحم من عائلتها الحقيقية

Riad  (Belgium)  |Lundi 29 Novembre 2010 à 12:52           
Le sujet est tabou et on prefère l'ignorer parcequ'il arrange ceux qui en profitent: une classe de decideurs -profiteurs-feodaux.en effet c'est une sorte d'esclavagisme,vu la façon dont ces mineures sont traitées.

Mamita  (Tunisia)  |Lundi 29 Novembre 2010 à 12:18           
Un sujet intéressant à détailler en se mettant à la place de la fille, de ses parents et aussi des personnes chez lesquels travaille la fille.
primo, je demande à madiha de corriger les fautes de la langue arabe commises dans son texte, et je lui demande de prendre en considération ses remarques.
secundo, le language est parfois un peu fort par rapport à une fille d'une niveau d'étude limité, mais intéressant.
pour muslim qui veut qu'on applique la loi de l'âge minimum, je lui dis que ce n'est pas faisable dans notre société, parce que ce travail est une source de revenu de ces familles pauvres, d'accord un travail difficile mais qui rapporte, et je parle en connaissance de cause, certaines filles demandent 300 dinars de salaire, les filles avec 80 et 100 dinars n'existent plus, elle vit dans un cadre plaisant, comme le dit la fille du texte, mais
malheureusement c'est un travail difficile.
l'année dernière, le sujet a été traité sur hannibal tv, et un journaliste disait qu'on doit erradiquer ce travail de la société, j'ai trouvé sa demande illogique et irréalisable, c'est un secteur qui rapporte pour une tranche de la société sans aucune qualification, mais certains débordements doivent être punis par la loi, et l'etat est en train de prendre des mesures, tel que la sécurité sociale, mais ces filles refusent la sécurité par
ignorance, et préfèrent ajouter ce petit montant à leurs salaires...
un grand sujet, et on attend la suite.

BIN  (Germany)  |Lundi 29 Novembre 2010 à 12:05           
@mme ben mahmoud,
عندما قرأت العنوان فتعجلت لقراءته لأنه حساس و مفيد وتمنيت لو الإخوة الإعلاميين يتطرقون إليه لأنه فيه تجاوزات كثيرة من طرف الطبقة التي تحس بنفسها ميسورة فتبحث عن معينة منزلية و أكثرهم لا يحسنون معاملتهم و يستغلونهم مع معاملتهم الغير حضارية . أما يا أختي مديحة نصك هذا عادي جداً فأعتبره قصة من القصص للأطفال . اتمنى لو تطرقت إلى معاملات هذه الفئة من الناس التي أصبحت قلوبهم صلبة ، شعارهم وهدفهم في هذه القضية إستغلال المعينات ، سوء معاملتهم ،
تعذيبهم في بعض الأحيان و سلب حقوقهم مع تحسيسهم بأن مكانهم دائماً في الزاوية الحالكة ( أقصد أنت خادمة وتبق دائماً هكذا ).الفئة التي أحكي عنها هي الأكثرية في بلادنا مع 2 أو 3 في المئة العادلة.

Leila  (Tunisia)  |Lundi 29 Novembre 2010 à 11:32           
ملف كبير برشة ملف المعينة المنزلية وخاصة بنات الريف القاصرات يرسلن طمعا في المال دون التفكير في ما ينتظرهن في العاصمة
رائع وصف الحالة النفسية لهالطفلة الي اقتلعت من جذورها في انتظار يكون الجزء القادم بنفس المستوى

Mouna  (Tunisia)  |Lundi 29 Novembre 2010 à 11:25           
C touchant comme dab
j'attends 2 épisode

Sudois  (Tunisia)  |Lundi 29 Novembre 2010 à 11:25           
C'est bien ... to be continued

Mohamed  (Tunisia)  |Lundi 29 Novembre 2010 à 11:15           
يرحم فمك في كلمة المعامل موجودة في المدن ومش موجودة في الارياف لين تلزهم للنزوح وتبدا المشاكل حمد الله توا تحسنت الامور على قبل ماعادش مناطق الظل نقصت وولات فما معامل في المناطق الداخلية

Normaaaaaaaaal  (Tunisia)  |Lundi 29 Novembre 2010 à 11:03           
Normaaaaaaaaal !

Muslim  (Tunisia)  |Lundi 29 Novembre 2010 à 10:56           
Quand on doit applique cette loi

http://www.jurisitetunisie.com/tunisie/codes/ct/ct1045.htm

age min pour enfant est defini par la loi
c est malheureux ce qui ce passe chez nous je considéré la société est le premier responsable

Hajer tunisienn  (Tunisia)  |Lundi 29 Novembre 2010 à 09:48           
Tu m'as plu cette fois madi7a! mais j'aime pas trop la photo de la fille


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female