وزارة الثقافة التونسية بين المحلية والعالمية: رؤية لتعزيز التبادل الثقافي واستقطاب الإبداع العالمي

بقلم: ريم بالخذيري
في مشهد يعكس ديناميكية جديدة تنهجها وزارة الثقافة، شهدنا خطوة مهمة تمثلت في افتتاح وزيرة الشؤون الثقافية، أمينة الصرارفي، معرضًا أثريًا بارزًا في روما، تحديدًا عند الكولوسيوم، أحد أبرز رموز الحضارة الغربية.
في مشهد يعكس ديناميكية جديدة تنهجها وزارة الثقافة، شهدنا خطوة مهمة تمثلت في افتتاح وزيرة الشؤون الثقافية، أمينة الصرارفي، معرضًا أثريًا بارزًا في روما، تحديدًا عند الكولوسيوم، أحد أبرز رموز الحضارة الغربية.
المعرض، الذي حمل عنوان "مانيا ماتر: من روما إلى زاما"، ضم ثلاثين قطعة أثرية تونسية نادرة استخرجت من موقع زاما التاريخي بولاية سليانة، وتمت عمليات ترميمها بدقة في إيطاليا.
هذا الحدث لم يكن مجرد مناسبة فنية أو دبلوماسية تقليدية، بل رسالة واضحة مفادها أن تونس تسعى إلى إعادة تثبيت نفسها كفاعل في الساحة الثقافية المتوسطية، وإعادة الاعتبار لتراثها الذي ظل لقرون شاهداً على تلاقح حضارات البحر المتوسط.

زيارة الوزيرة، من وجهة نظرنا، تؤكد توجهًا طالما انتظره المثقفون والمهتمون بالتراث التونسي، فالانتقال من مجرد عرض التراث المحلي إلى الانخراط الحقيقي في الدينامكية الثقافية العالمية، عبر شراكات استراتيجية وتبادل ثقافي متنوع يعيد تعريف الحضور التونسي في المشهد الدولي. إذ باتت الثقافة في عصرنا هذا لا تقتصر على الأبعاد التقليدية للتاريخ والفنون، بل أصبحت رافعة أساسية لـ"السيادة الناعمة" التي تتيح للدول التأثير وتوطيد مكانتها بين الأمم.
اتفاقيات توأمة وشراكات استراتيجية
من بين أبرز نتائج الزيارة توقيع اتفاقية توأمة بين موقع الجم الأثري، الذي يُعد واحداً من أعظم الآثار الرومانية في شمال أفريقيا، والكولوسيوم في روما، هذه القلعة التاريخية التي استقطبت عبر قرون الملايين من الزوار من كل أنحاء العالم.لا يمكن التقليل من دلالة هذه الشراكة، فهي أكثر من مجرد رمزية تاريخية، بل هي نقطة انطلاق لتعاون معمّق في مجالات عدة، من بينها:
* تبادل الخبرات في الترميم
* تحديث طرق إدارة المتاحف
* تنمية الكفاءات الثقافية عبر التكوين والتدريب
تجارب دول مثل إيطاليا وفرنسا وسويسرا تُظهر أن مثل هذه التوأمات يمكن أن تتحول إلى محركات حقيقية للتنمية الثقافية والسياحية، إذ يتم العمل على مشاريع مشتركة، ورشات عمل، وبرامج تبادل فني بين الفرق المتخصصة.
وتونس، التي تمتلك إرثًا حضاريًا غنياً يربطها بمدن مثل روما، يمكنها الاستفادة بشكل كبير من هذه الشراكات.
لكن، وفي ضوء تجربتنا المحلية، يبقى السؤال الأهم:
هل ستتمكن وزارة الثقافة من تحويل هذه التفاهمات إلى مشاريع ملموسة ومستمرة؟
التحدي لا يكمن فقط في توقيع الاتفاقيات، بل في بناء مؤسسات متينة وفعالة تتولى إدارة هذه الشراكات بما يضمن استدامتها وقياس أثرها بشكل موضوعي.
من الترويج إلى التفاعل
في ضوء التطورات العالمية، نعتقد أن السياسة الثقافية التونسية تقف اليوم أمام تحدٍ حقيقي. حيث لم يعد مجرد الترويج للتراث المحلي كافيًا لمواجهة تحديات العولمة والتغيرات السريعة في صناعة الثقافة.من هنا تبرز الحاجة الملحة إلى:
* فتح أبواب تونس أمام المبدعين العالميين
* توفير بيئة فنية وحضارية تحفّز على الإبداع المشترك
* تحويل البلاد إلى مركز للتلاقح الثقافي والحوار الحضاري
من المبادرات الممكنة:
* برامج إقامة فنية (Art Residencies) في مواقع مثل قرطاج، الجم، وتوزر
* استضافة فنانين عالميين لإنتاج أعمال فنية تعبّر عن التلاقح الحضاري
* تنظيم معارض دولية دورية تجمع فنانين من مختلف القارات
* إطلاق "أسبوع الفنون العالمية" يشمل عروضًا مسرحية، موسيقية، وفنية من بلدان مختلفة
التكوين والترويج
لا يمكن الحديث عن التدويل الثقافي دون التركيز على ركيزتين أساسيتين:* التكوين
* الترويج
الوزارة مطالبة بـ:
* الاستثمار في التكوين الثقافي المتخصص
* فتح برامج تعليمية باللغات الأجنبية، خاصة الإنجليزية والفرنسية
* إدماج المهارات الرقمية في التكوين والإبداع وصناعة الثقافة
* تمكين الإطارات من إدارة مشاريع ثقافية رقمية وعالمية
أما في الترويج، فإن إشراك القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني هو مفتاح النجاح.
رعاية الشركات للمهرجانات والمعارض الدولية يمكن أن:
* تحوّل الثقافة إلى رافعة اقتصادية
* تفتح الباب لاستثمارات جديدة
* تعزز استدامة المبادرات الثقافية
الحلم ممكن
تبقى هذه الخطوات الرمزية التي بدأت في روما، نقطة انطلاق مهمة في طريق طويل نحو إعادة تونس إلى مكانتها الحضارية والثقافية.فالتحول من قطاع ثقافي تقليدي إلى رافعة استراتيجية للهوية الوطنية والدبلوماسية الثقافية يتطلب:
* رؤية واضحة
* إرادة سياسية قوية
* تضافر جهود كل الأطراف المعنية
تونس اليوم أمام فرصة استثنائية لإعادة تعريف موقعها في العالم، واستثمار ثروتها الثقافية في بناء جسور تواصل حضاري تؤدي إلى مزيد من التنمية والازدهار، وتُعرّف الجمهور التونسي بـمنابع الإبداع العالمي في شتى الفنون.
Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 311382