رجال الأعمال بين مطرقة الظروف العالمية وسندان الضغوط الداخلية... سُبل الإصلاح والتطوير

<img src=http://www.babnet.net/images/3b/68285e6cc3ef59.13037456_pmgnjofilqkhe.jpg width=100 align=left border=0>



بقلم: ريم بالخذيري


خلّفت وفاة رجل الأعمال رفيق منصور بطلق ناري حزنًا كبيرًا مؤخرًا في قطاع المال والأعمال، كما فتحت باب التأويلات واسعًا، إذ يُرجّح انتحاره بسبب الظروف الصعبة التي يمر بها قطاع زيت الزيتون هذا العام، خاصة على مستوى التصدير وتدنّي الأسعار.




هذه الحادثة لا بد أن تطلق صافرات الإنذار حول ما يعانيه رجال الأعمال في تونس منذ جائحة كورونا، حيث ازدادت الوضعية سوءًا بسبب شيطنتهم الشعبية، والضغوط، والملاحقات القضائية، والتحقيقات.

ورغم أنه لا يمكن تبرير الفساد أو الدفاع عن بعض رجال الأعمال الفاسدين، إلا أنه ليس من الصواب جمع الجميع في سلّة واحدة، حتى كادت صفة "رجل أعمال" في تونس أن تتحول إلى تهمة.

هذه الوضعية السريالية (ضغوط داخلية وظروف عالمية صعبة) دفعت بعدد من رجال الأعمال إلى نقل استثماراتهم إلى دول أخرى كـ الجزائر والمغرب وبعض الدول الإفريقية، وهو ما أضرّ كثيرًا بـ الاستثمار الداخلي والخارجي.

وبالتالي، لا بدّ من خطاب سياسي مطمئن يعطي رسائل إيجابية للمستثمرين، مع ضرورة مصالحة حقيقية مع رجال الأعمال، عبر حوار وطني تقوده منظمة الأعراف.

فرجال الأعمال أعمدة أي اقتصاد، ولا يمكن خلق الثروة ورفع نسب النمو في ظل خوفهم وتكبيلهم، وإرهاقهم بالجباية، وتضييق أفق ولوجهم للأسواق الخارجية.


مطرقة الظروف العالمية

في تونس، يبلغ عدد الشركات المصدّرة حوالي 4,000 شركة، منها أكثر من %90 مصدّرة كليًا، وفقًا لبيانات مركز النهوض بالصادرات (CEPEX) لعام 2022.

وتتنوع القطاعات التي تنشط فيها هذه الشركات، مع أفضليّة لـ الصناعات التحويلية والخدمات. فعلى سبيل المثال، في القطاع الصناعي، يوجد حوالي 2,600 شركة مصدّرة كليًا من جملة 6,000 شركة صناعية، ما يُؤكّد أهمية هذا القطاع في الاقتصاد التونسي.

ورغم هذه الأرقام، تواجه الشركات المصدّرة تحديات كبيرة، خاصة بعد جائحة كوفيد-19.

تشير تقارير إلى أن حوالي 240 شركة مصدّرة كليًا غادرت تونس نحو دول مثل تركيا والمغرب، بسبب التحديات الاقتصادية والإصلاحات الضريبية.

وغالبية هذه الشركات مملوكة لـ رجال أعمال تونسيين يعانون ضغوطًا يومية عند ولوجهم الأسواق الخارجية، ويواجهون صعوبات هيكلية وتقلبات السوق والسياسات.

من أبرز التحديات:

* البيروقراطية وتعقيد الإجراءات الإدارية، وكثرة الوثائق المطلوبة (أكثر من 10 وثائق لتصدير شحنة واحدة).
* بطء المعاملات الجمركية وتعدد المتدخلين (ديوانة، مراقبة فنية...).
* صعوبة النفاذ إلى التمويل، خاصة بالنسبة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، مع شروط قاسية وأسعار فائدة مرتفعة.
* المنافسة الدولية الشرسة وغير المتكافئة مع دول كـ تركيا والمغرب وفيتنام ذات تكلفة إنتاج منخفضة.
* مشاكل النقل واللوجستيك تؤدي إلى تأخير السلع، غرامات مالية، أو حتى فقدان الأسواق.
* عدم استقرار التشريعات، والتغييرات المفاجئة في القوانين، وضعف التنسيق بين الهياكل الحكومية.
* ضعف التمثيل التجاري في الخارج، وغياب الترويج الفاعل للمنتجات التونسية.
* مشاكل التحويلات المالية، خصوصًا مع بعض الدول الإفريقية.
* اتفاقيات تجارية غير متوازنة (مثل اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي أو تركيا).
* نقص الكفاءات في التجارة الخارجية، والتفاوض الدولي، وإدارة التصدير.


سندان الضغوط الداخلية...

يُعدّ رجال الأعمال في تونس من أكثر الفئات تعرّضًا للضغوط منذ الثورة، حيث تعرّضوا لاستهداف مباشر من الأحزاب الحاكمة، ودُفع كثير منهم إلى الدخول في ولاءات سياسية للحفاظ على مصالحهم.

نتيجة لذلك، تورط عدد منهم في قضايا فساد ورشوة وتضارب مصالح.

وخلال السنوات الثلاث الماضية، تعرض معظم رجال الأعمال إلى ضغوط شعبية رهيبة ومحاكمات شعبية فيسبوكية دون أدلة، ما أثر سلبًا على الاستثمار وزاد في نسب البطالة نتيجة إغلاق وتفليس الشركات.

وأسهم القانون الجديد للشيكات، إضافة إلى الرقابة الصارمة على البنوك، في خلق مناخ من الخوف، وتراجع روح المجازفة في قطاع المال والأعمال.

كما أن فوبيا المحاسبة أصبحت سائدة بعد الإطاحة بعدد من رجال الأعمال الذين لم يكونوا في متناول القضاء سابقًا.

هذه الفوبيا لا بد من معالجتها عبر:

* بثّ الطمأنة في صفوف رجال الأعمال عبر خطاب هادئ ومحفّز.
* تنظيم مؤتمر وطني ودولي للاستثمار، وتقديم حوافز تنافسية.
* تنقيح القوانين المكبّلة، ودعوة منظمة الأعراف للقيام بدورها في الإحاطة برجال الأعمال.
* إنقاذ الآلاف من المؤسسات الصغرى والمتوسطة المهددة بالإفلاس.
* تكريس عدالة قضائية شفافة وسريعة في قضايا رجال الأعمال.


أرقام تعكس الدور الحيوي لرجال الأعمال

تشير الإحصائيات العالمية إلى أن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تمثل نحو %90 من مجموع الشركات، وتوفر ما بين %60 و%70 من فرص العمل في معظم الاقتصاديات.

وفي تونس، تمثل هذه المؤسسات حوالي %90 من الشركات، وتؤمن أكثر من %60 من مواطن الشغل.

وفقًا لـ بارومتر "ميكيس" لسنة 2023:

* %64.1 من المؤسسات حققت أرباحًا.
* ساهمت في خلق حوالي 27 ألف موطن شغل جديد.
* %80 من رجال الأعمال يعتبرون أن النفاذ إلى القروض البنكية بالغ الصعوبة.
* حوالي %48.6 منهم امتنعوا عن طلب التمويل بسبب تجارب سلبية سابقة.


ضرورة استراتيجية لا خيار اقتصادي

إن دعم رجال الأعمال وتهيئة المناخ لهم ليس مجرد خيار اقتصادي، بل هو ضرورة استراتيجية لضمان الاستقرار الاقتصادي وتحقيق تنمية وطنية شاملة.

ويبقى الاستقرار السياسي هو الضامن الأساسي لكل ما تقدّم، فهو الشرط الأول للاستثمار الداخلي، والمحفّز الأكبر لجلب الاستثمار الخارجي.


Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 308370


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female