برلمان مشكل بالإسعاف لشعب أضاع البوصلة ... !!

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/tasisi.jpg width=100 align=left border=0>


بقلم:محمد كمال السخيري*

بعد الإقبال الضعيف للتونسيين على التصويت(%41.3) فقط من جملة الناخبين المسجلين مما يعني أن ثلاثة أخماس الشعب عزفوا عن القيام بواجبهم الانتخابي نظرا لما ساد المشهد السياسي من ضبابية وانعدام الثقة في البرلمان نتيجة فشل النواب السابقين في أداء أمانتهم وبالتالي خيانتهم لوعودهم الانتخابية ولأصوات ناخبيهم من خلال السياحة الحزبية وعدم الموافقة على أهم القوانين والهيئات الدستورية وخاصة المحكمة الدستورية وتعديل المجلة الانتخابية ، بعد كل هذا التردد تم "الانقلاب" الشعبي على الأحزاب والنواب وأجريت الانتخابات التشريعية في ظروف غير طبيعية بالمرة ولا تمت للديمقراطية الحقيقية بصلة حيث بدأت حملة انتخابية شابها تشويه الخصوم بكل السبل المتاحة وانتهت بتجاوزات انتخابية وصل بعضها إلى حد الخطورة مما أجبر هيئة الانتخابات على إقصاء بعض القائمات إلا أنها لم تكن "عادلة" بما يكفي حسب ما ورد بتقارير الملاحظين وألقت بالكرة في ملعب القضاء العدلي الذي لا يمكنه بالمرة البت فيها قبل الإعلان عن النتائج النهائية وتلك مسألة أخرى تعمق شكوك المواطن في نتائج الانتخابات في حد ذاتها.





وبعد قراءة متأنية في النتائج الأولية للانتخابات التشريعية وحتى يكون تحليلها من قبيل السهل الممتنع ليتسنى لكل مواطن تونسي مهما كانت درجة وعيه استيعاب مأساة نتائجها ودون التعمق كثيرا في تحليلها علميا واجتماعيا ونفسيا سأقتصر فقط على ذكر أهم الملاحظات والاستنتاجات الهامة وهي الأتية:

1-أول صدمة هي أن 54 فقط أي (24.88% ) من جملة 217 نائبا جديدا سيدخلون البرلمان التونسي بالحاصل الانتخابي بينما 163 نائبا أي (75.12%) "نجحوا" بالإسعاف وهذا ما يفسر عدم تخوف حزب النهضة من إعادة الانتخابات في حالة الفشل في تشكيل الحكومة بعد المرور بالمراحل الثلاثة للفصل 89 من الدستور.

2-من بين 31 قائمة انتخابية تحصلت على مقاعد بالبرلمان لم تتحصل إلا 6 قائمات فقط على مقاعد بالحاصل الانتخابي وبنسب متفاوتة ولا تعكس بالمرة حقيقة فوزها في الانتخابات وهي:
(النهضة 29 من بين 52 مقعدا) و(قلب تونس 18 من بين 38 مقعدا) و(الدستوري الحر 3 من بين 14 مقعدا) و(التيار الديمقراطي 2 من بين 20 مقعدا) و(ائتلاف الكرامة 1 من بين 20 مقعدا) و(حزب الشعب 1 من بين 15 مقعدا) والملاحظ أنه باستثناء حزبي النهضة وقلب تونس فإن نتائج القائمات الأربعة الأخرى تعتبر في الحقيقة مفزعة جدا ولا تعكس بتاتا ما يروج عن إشعاعها ومدى "قوتها" في المشهد السياسي.

3-الغريب والعجيب في نتائج الانتخابات التشريعية هو أن بقية القائمات الممثلة في البرلمان وعددها 25 قائمة تحصلت على مقاعدها بفضل القانون الانتخابي "الموجه" أي بأكبر البقايا وجملة مقاعدها مجتمعة (51 مقعدا) وهذه تعد فضيحة انتخابية كبرى.

4-من أبرز ما يستنتج أيضا أن حزب تحيا تونس المنشق عن حزب النداء لم يفز ولو بمقعد واحد بفضل الحاصل الانتخابي وكل المقاعد المتحصل عليها وعدد 13 مقعدا كانت بمزية أكبر البقايا وكذلك الأمر بالنسبة لحزب المشروع (5 مقاعد) والبديل (3 مقاعد) والنداء (3 مقاعد).

5-بعد قراءة متأنية للنتائج يلاحظ أن ما لا يقل عن 77 نائبا جديدا لهم مرجعية دستورية (الحزب الاشتراكي الدستوري أو التجمع الدستوري الديمقراطي أو حزب النداء سابقا) ولكنهم كانوا موزعين بين العديد من القائمات الانتخابية وهو ما يفسر النرجسية القيادية وحب الذات والأنانية وهي أهم العوامل لتفكك حزب النداء سابقا حتى تدميره أصلا.

6-من بين القائمات الممثلة في البرلمان نجد 17 قائمة كل منها تحصلت على مقعد وحيد وبفضل أكبر البقايا ومن بينها 10 قائمات مستقلة وهنا يطرح أكثر من سؤال حول مرجعيتها الفكرية ومواردها المالية وخاصة تأثير العمق العشائري في الانتخابات والمتأمل جيدا في أماكن وجودها يدرك وبسهولة تامة ذلك واحتراما لإرادة ممثليها وناخبيها سأتجاوز هذه المسألة الهامة التي تستوجب بحوثا معمقة جدا في سوسيولوجيا الانتخابات في تونس.

7-أهم استنتاج من الانتخابات التشريعية هو صعود القوى الثورية كالتيار الديمقراطي وحزب الشعب وائتلاف الكرامة مقابل قفزة نوعية كبرى للحزب الحر الدستوري ودخوله بقوة للبرلمان عبر صناديق الاقتراع ومن "مزايا" هذه الانتخابات رغم علاتها وشوائبها أنه ولأول مرة ومنذ 63 سنة من الاستقلال سيكون الدستوريون في المعارضة بعد أن كانوا ولعقود طويلة في الحكم وهو مؤشر جيد عن تركيبة الشعب التونسي الذي قد يختلف إلى حد العداء فكريا ولكنه يقبل بالآخر في النهاية وتلك هي الممارسة الديمقراطية الحقيقية.

وحتى لا أطيل أكثر وجبت الإشارة إلى أنه بات من الضروري جدا وفي أقرب وقت ممكن تنقيح المجلة الانتخابية بداية من شروط الترشح ووصولا إلى الترفيع في العتبة وتحديد القائمات الفائزة لأن مثل هذه النتائج للانتخابات التشريعية غير مطمئنة بالمرة حيث أننا وجدنا أنفسنا أمام برلمان فسيفسائي من الصعب أن يعمل في أريحية بين الحاكمين والمعارضة ولا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يشكل الحزب الفائز بمفرده الحكومة مما يجبره على بعض التنازلات مما سيؤثر حتما على تنفيذ مشروعه الانتخابي و"خيانة" ناخبيه وهو ما لا تحذبه كل الأحزاب بدون استثناء ...عاشت تونس...انتهــــــــى. !!.

*كاتب تونسي.




Comments


1 de 1 commentaires pour l'article 190855

MOUSALIM  (Tunisia)  |Samedi 12 Octobre 2019 à 11:59           
مقال ممتاز وصادم عن تركيبة البرلمان الجديد وهو ما يستوجب تنقيح القانون الإنتخابي حتى نتفادى مثل هذه الفضائح المخجلة والتي لا تليق بتونس الجديدة .


babnet
*.*.*
All Radio in One