تعديل القانون الاساسي للانتخابات.. بين التحيّل على القانون والتحيّل بالقانون

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/5d096206a563e2.17641935_kejoqimpfhnlg.jpg width=100 align=left border=0>


بقلم: شكري بن عيسى (*)

من تابع مسلسل تعديل القانون الاساسي للانتخابات، وتلك الفضائح الشنيعة على امتداد الجلسات العامة السابقة، وآخرها الاسبوع المنقضي والاتهامات الصارخة المتبادلة بالابتزاز والسمسرة والصفقات، قبل أن تنتهي "التسوية" الثلاثاء 18 جوان 2019، بحضور غير مسبوق فاق 172 نائبا، ومصادقة كاملة على حزمة التعديلات المتبنات من الائتلاف الحاكم، من تابع الأمر يقف على عمق الانهيار السياسي والقيمي والاخلاقي، الذي أصبح يطبع المشهد السياسي العام بالبلاد، على اعتاب المسار الانتخابي، يذكرنا بحرب قراصنة مدمرة بين طرفي هيمنة كل يدعي الأحقية، ويدعي الشرعية وامتلاك الحق، وتجعلنا نستحضر بقوة فترات التاريخ الطاحنة، التي ميزتها معايير القوة والعنف.







المواجهة صارت معلنة ومباشرة بين الشقين، بعد "طبول" استبيانات الرأي التي انطلقت بعد تنفيذ قرار تعليق نشاط قناة نسمة، بين نبيل القروي وألفة تراس (عيش تونسي) وعبير موسي في الصف الاول، والشاهد والغنوشي ومحسن مرزوق في الصف الثاني، والصعود المدوي لعناصر الصف الاول في الاستبيانات المتتالية، قابله تشكيك وتنديد بالفبركة قبل الانتقال مباشرة للرد الحيني، عبر الالة التشريعية باقتراح تعديلات على القياس لمنع الاطراف الصاعدة، تحوّلت الثلاثاء الى مصادقة فعلية بأغلبية 128 صوت.



مما لا شك فيه أن القروي وتراس تحيلوا على القانون، ووظفوا العمل الجمعياتي والاشهار السياسي والمنصات الاعلامية لاشخاصهم وهياكلهم الهادفة للوصول للحكم، واستثمروا كما عبير موسي مالا سياسيا عظيما، جعلهم يصعدون بشكل ضارب، زلزل التشكّل السياسي السائد، حيث تدحرجت النهضة وفق الاستبيانات المتواترة كما الشاهد، ما جعل الاستنفار يكون شديدا، ويوحّد الطرفين ومعهم مرزوق، لمواجهة الطوفان القادم (ولو انه اثاره مازلت على الورق فقط)، وكان لا بد من اخراج سياسي، باستدعاء حجة "التحيّل" على القانون، واردافه بفزاعة ضاربة برفع يافطة "تهديد الديمقراطية"، واشتغلت الماكينة الاعلامية حتى صار عامة الشعب أسرى مواجهة، وبحث في المسوغات لهذا التوجه أو ذاك، تبعته اصطفافات وتمترس، انعكس على شبكات التواصل الاجتماعي، بين من يعتبر مقترحات التعديل اقصاء على المقاس لخصوم سياسيين، وبين من يعتبر الامر ضرورة وحتمية لتحصين الديمقراطية.



والحقيقة أنه بالتقصي حول مسوغات استصدار قانون للتصدي للظاهرة، أو المسوغات المضادة من حيث الشكل (التوقيت والشكل التشريعي..) أو المضمون لرفض التدخل التشريعي الاقصائي، ستجد ما يزن ثقيلا لفائدة هذه الكفة أو تلك، خاصة تهديد المسار الديمقراطي وتكريس اللامساواة ودوس النزاهة وضرب السيادة الوطنية والاختراق الاجنبي بالنسبة للصف الاول، أو تغيير قواعد اللعبة غداة المسار الانتخابي واستهداف اشخاص بعينهم والتوقيت والعجلة ورجعية القوانين واستعمال عقاب عبر الالة التشريعية عوض القضاء، ستجد لهذا الطرف ما يكفي من الحجج وللطرف الثاني ايضا ما يكفي من الحجج، ولكن بالرجوع لعمق المسألة سنجد أن الصراع في أصله تحيّل بين الطرفين، وقع الزج بالشعب الرازح تحت مشاكل الطبقة السياسية في استقطاب جديد، في الواقع يفتقد لكل مشروعية ومبدئية في الجوهر.



فلا مالك "نسمة" وجمعية "خليل تونس" أو مالكة "عيش تونسي" ووريثة نظام بن علي الفاسد بماكيناتهم المالية المشبوهة الجبارة، ولا الحاكمين اليوم في القصبة من نهضة وحزب الشاهد وحزب مرزوق الذين رذلوا الحياة السياسية، لهم الشرعية في الدفاع عن الديمقراطية والنزاهة ولا حتى الشعب، فلئن استغل الثلاثي الاول المال لجعل البلاد حالة من التسوّل والاستجداء الشامل وشراء الذمم بشكل مقرف، فان الثلاثي الثاني الذي يمتلك جهاز السلطة، هو من أوصل البلاد لهذه الحالة من البؤس العارم، وزادوا في هشاشة الشعب على كل المستويات، بل أنهم هم المسؤولون على تسرب المال الملوث الخارجي بوجودهم في السلطة، زيادة على انهم فيما بينهم يتهمون بعضهم البعض باستعمال المال السياسي الممنوع، وساهموا بشكل أو بآخر في استشراء الظاهرة المقوضة للديمقراطية، التي بلغت ارذل مستوياتها، وظواهر الشعبوية والتطرف اليوم هي بالاساس دليل فشل السلطة في كل البلدان، واستشراء مناخات الفشل واليأس والاحباط.



النهضة قبل أشهر ببيانات صريحة ضاربة، دعمت القروي في مخالفته القوانين عبر قناته نسمة، واعترضت على قرارات قانونية من هيئة دستورية (الهيكا)، بل أن قياداتها تحتل كل بلاطوات القناة الممنوعة من البث، اضافة الى ذلك فالاحزاب اليوم كلها تمتلك بشكل أو بآخر قنوات اعلامية، النهضة: "الزيتونة" و"المتوسط" وغالبية "قرطاج +"، وحزب الشاهد: "منشط ميدي شو" وغالبية "التاسعة" و"نشرة الثامنة للاخبار للوطنية الاولى"، وعديد وسائل الاعلام المكتوبة، التي تم تجنيدها عبر "الهبة البريطانية"، التي رفضت اغلب الاطراف المتورطة كشف حقيقتها، برغم ظهور آثارها المدمرة للحياة السياسية، في الوقت الذي ظهر فيه الشاهد على طريقة "في شعار الواعظين" يدعو لـ "أخلقة الحياة السياسية"، ولم نثر قضية استعمال التدشينات ووسائل الدولة للدعاية الحزبية التي اتهمه بها شركاؤه وخاصة النهضة، وآخرها تعيينات المعتمدين وانطلاق صرف اعتمادات الميزانية على الجهات بطريقة دعائية مفضوحة.



فلا أحد من الطرفين الحقيقة تهمه نزاهة الانتخابات وشفافيتها وتطبيق مبدأ المساواة، فالديدن للجميع هو الفوز والاستأثار بالسلطة في هذا الظرف الفارق، كما لا احد من الصفين تهمه الديمقراطية، فالجميع داسها وأوصلها الى القاع، وايضا لا احد معني بمصلحة الشعب الذي فقروه ورهنوه، واضافة لا احد من الشقين معني باختراق السيادة الوطنية، والجميع يلهث وراء الرضى الدولي والتعميد الاجنبي، وحتى من يقدم نفسه كوكيل يعوض بن علي بل المنافسة على اشدها لحصرية الوكالة بكل الاثمان، والخلفية المؤسسة للصراع والتطاحن الحاد بين الجانبين هي المصلحة الحزبية الضيقة، التي خلقت اليوم تضامنا عميقا داخل هذا الصف او ذاك، ودوما الشعب يقع احتجازه كرهينة، بعد ارتهان قوته اليوم يقع ارتهانه في صراعات على الكراسي، الكل يدعي فيها الطهورية والمبدئية والدفاع عن القيم، في انتخابات لن تقود الا لمزيد تردي الاوضاع، في ظل مناخات التعفّن والتحيل الحالية، لاحزاب وشخصيات افلست بالكامل.



مواجهة لا علاقة لها بالسيادة والمصلحة الوطنية والديمقراطية والاهداف التي كرستها الثورة، هي من أجل الهيمنة والسلطة، تزيد في دفع البلاد في مستنقع آسن جديد، ومشروع القانون الذي تم المصادقة عليه سواء تم سنه رسميا او سقط، والاغلب انه سيسقط (في خصوص الانتخابات القادمة) بين امكانيات كبرى للطعن في دستوريته، ورده من الرئيس او عرضه على الاستفتاء، فهو سيلقي باثقاله على مسار انتخابي، لفاعلين سياسيين رصيدهم القيمي وفي الكفاءة والمشروعية متآكل، وسيزيد في مزيد الانهيار، خاصة وانه وضعنا بين طرف "متحيّل على القانون" وطرف "متحيّل بالقانون"، في انتخابات ستكون حملاتها الدعائية على وقع التحيّل المزدوج، الذي لن تغنم منه البلاد سوى مزيد التقهقر على جميع المستويات، والواقع لو تم تطبيق تعديلات القانون لتم منع كل الاحزاب الحاكمة من الترشح، لتضاف للقروي وتراس وموسي!!

(*) باحث في القانون العام وفي الفلسفة السياسية


Comments


3 de 3 commentaires pour l'article 184183

Mongi  (Tunisia)  |Mercredi 19 Juin 2019 à 17:34           
قال الكاتب كلهم فاسدون وكلهم متهمون وفي نفس الخانة. وفي الحديث النبوي الشريف "من قال هلك الناس فهو أهلكهم"

AlHawa  (Germany)  |Mercredi 19 Juin 2019 à 11:43           
الحديث عن التعديل الإنتخابي ليس بجديد كما يريد الكاتب جعله بل هو مطلب قديم وقع تأجيله ككل شيئ يقع تأجيله في هته البلاد، و كل شيئ حتى يأتي الوقت! و اليوم أتى الوقت لتنفيذ هذا الأمر، و لكل سببه، و هنا إجتمعت الأسباب لتخرج بهته النتيجة! تبسيط الأمر كما قام الكاتب يعبر عن وجهة نظر واحدة ربما كانت أحد الأسباب التي إعتمدها البعض و لكن هناك أسباب أخرى كثيرة إعتمدها الآخرون، و هذا هو نقطة الإيجاب في هذا النظام، كل من إجتمع لإنجاح تمرير هذا القانون، كلهم
إجتمعوا على شيئ رغم منطلقاتهم و أهدافهم و أسبابهم و إيديولوجياتهم و اختلافاتهم.

Lazaro  (Tunisia)  |Mercredi 19 Juin 2019 à 11:28           
L'exclusion négative ou nocive ,est lorsque on exclu une catégorie quelconque du peuple mais l'exclusion positive et bénéfique c'est lorsque on neutralise ces rétrogrades du pouvoir .


babnet
*.*.*
All Radio in One