الربيع التونسي في ألمانيا

أيمن عبيد
ألمانيا
ألمانيا
إنحبست أنفاس التونسيين يوم الاربعاء 6 سبتمبر، تاريخ الإعلان عن التحوير الوزاري الأخير ، أملا منها في أن يضع هذا الحسم نهايةً لما سبقه من تجاذبات و حوارات و مفاوضات طوال بين جلّ مكونات الطّيف السياسي و القوى المجتمعية الوازنة ، عساه يكون بدايةً لشيء من الإستقرار بحكم تعديل التوازنات الذي صار ، تتولّد عنه بالضرورة إنفراجة و نهضة و إصلاح، مازال أبناء الخضراء ينتظرونها منذ قيام ثورة أربعتاش.
و لكن هيهات ، إذ أنّ هذه العمليّة الكيميائية و حرب التموقع و التدافع ، لن تجد ضالتها في حالة الإتّزان او التوازن ، الا بانعكاس عادل للمواد المتفاعلة و الناتجة على حدّ سواء، يراعي حقيقة الواقع في توزّع القوى بين الصلب و الناعم ، المجتمع و الدولة ، القديم و الجديد ، النخبوي و الشعبيّ ، الذي يمتاز به كل طرف على الآخر.
و لإن أفلح عقلاء القوم في فكّ رموز هذه المعادلة ، فسيكون لنا عندئذ باستحقاق شرف إدّعاء قيام إستثناء تونسي..
بل و سيحسب لأرض الزيتونة سابقة في التاريخ ، بأنّها حلّت لغزا حيّر النّخب و المفكرين ، من محمد عبده و الأفغاني و خير الدين و السّابقين و اللّاحقين ، و أنّها أجابت سؤال النّهضة العربية الإشكالي، الذي تبلور منذ صدمة غزو نابليون لأراضي المسلمين .
لماذا تأخّر العرب و تقدّم غيرهم؟
إنّ البحث الحثيث عن جواب لهذا السؤال و ما صاحبه من تنكيل و تكبيل لكل عقل ساولته نيّة التفكير ، بقيود القمع و الإقصاء، ولّد راديكاليّةً صمّاء بنفس القوّة و في الاتجاه المعاكس. و من ذلك أن أُخْتصِر الصراع أوّل الأمر في الجانب العقدي منه ، فنحن قوم أعزّهم الله بالإسلام فإن إبتغينا العزّة في غير ذلك أذلّنا الله، إذا فصراعنا صراع كفر و إيمان لا غير.
إلّا أنّ الحركة الإصلاحية في تونس تفطّنت مبكّرا إلى هذا الخلل و النقصان في التصوّر، فعالجته بإقتباس مفاهيم الصراع الطبقي بين البروليتاريا و البورجوازية، و أنزلتها في إطارها الإسلامي كمستضعفين و مستكبرين و حثّت الخطى في التأصيل لمبادئ العدالة الإجتماعية فقهيّا و فكريّا.
و من ثمّ وقع تبني مفاهيم عصر التنوير من تعددية و حرية للرأي و المعتقد و التعبير و حقّ الإنسان المقدّس في الكرامة.
و قد أتت ثورة الياسمين بعد ذلك لتكشّر عن ناب جديد لليثٍ رهيص حامل لكلّ تلك الأوجه من الصراع ، لتعبّر عن محور جديد ، ألا وهو صراع الأجيال الذي ربّما يكون الرقم الرئيسي و الحاضر المغيّب في المعادلة.
أجل لقد كانت ثورة الياسمين ثورة الشباب في سنة الشباب ضدّ جيل الشّيّاب الذي أحكم قبضته على مواسير الدولة و المجتمع و أوصد في وجوه الفتيان الأبواب.
لقد كانت ثورة جانفي ثورة القرن الواحد والعشرين بإمتياز التي كان قوامها الباندية و أصحاب الشهائد الجامعية و شباب الراب و الفيراج و المدوّنون، كلّ هؤولاء و الذين تكالبت عليهم حملات الترويض و التطويع من سجن (كريم قويدر) و تخدير (قانون الزطلة) و تهجير عبر قوارب الموت و منع من المهرجانات و العروض (كلاي بي بي جي) و تتعدد في ذلك الأمثلة...
كل هؤولاء هبّوا هبّة واحدة، ليذودوا عن آخر حصون ثورتهم فيما سمّاه بعض الكتّاب ب"غزوة ألمانيا "، إذ أُعلن النفير و عمّ هدير تلاطم أمواجهم و علت أصوات الصّهيل و أصبح لكلّ منهم في الغارة ناقة و بعير .
ولكنّهم على عكس ما نجح فيه جمع الفاعلين من إرساء قواعد الحوار و التوافق فقد تفرّقوا و ما نجحوا في إيجاد سقف واحد يقيهم الزوابع و العواصف.
و إن واصلوا في هذا ليكوننّ من النادمين ، إذا فوّتوا عليهم فرصة تمريغ أنف قوّى الردة في أديم أرض الألمان ، وليحقّنّ فيهم عندئذ قول الصالحين : صبرنا على الضرّاء و لم نصبر على السرّاء.
إذ انّه لا يحول بينهم و بين النصر ، الّا وحدتهم و إجتماع كلمتهم ، فألمانيا كانت عصيّة على الثورة المضادة في كلّ المحطات الانتخابية و لم تخسر مقعدها في 2014 إلّا بسبب العنتريات المتعنتة لمن اقتطع قرابة 500 صوت من رحم الثورة فكانت الهزيمة، و لو لم تكن لكُفينا كل هذا اللغو و اللغط.
و على فكرة فإنّ كلّ ما تابعناه منذ أسابيع في الفضاء الأزرق ، ان لم يتجاوز ميقاته المرقوم و حدّه الزماني المسموح ، فإنّه لا يمكن أن يكون إلّا ظاهرة صحيّة عوّضت تقصير الهيئة العليا و المؤسسات الإعلامية الرسمية في الاعلان عن الخطر الداهم و التحسيس بعواقبه و تحشيد حشود الأحرار من الناخبين.
فهل سيبرهن شباب 14 مرة أخرى عن حنكتهم و دهائهم الفطري ليفاجئوا به العالم كما فعلوا في 2011.؟؟؟
فإن حصل ذلك ليكوننّ حدثا عزيما يستحقّ البحث و التمحيص في أكبر مراكز الأبحاث و الجامعات.
و ختاما فإني كشاب بسيط، لم يفقد يوما الثّقة في الحسّ السياسي المرهف لخلّانه ، فربما يكونون شبابا لم يقرأ لابن خلدون و لا لمالك بن نبي و لم يعرف فولتير و لا جون جاك روسو، إلّا أنه خرّيج مدارس "الحوم الشعبي" و الثقافة البديلة ، يمتاز بسرعة التعلّم و البديهة ، و بإختصار فهو جيل العصر و ثقافة "تيك تاك حطّ في الساك".
و إنّه لمن الصواب أن يأخذوا بعين الحكمة و الاعتبار خصائص الأقليّة التونسية في الألمان من حيث الكمّ و الكيف ، تركيبتها العمرية و توزّعها الجغرافي الخ...
فمواصفات ممثّلنا الذي نحبّ و نرضى يجب ان ترتكز على ذلك و تكون حاملة لكلّ معاني الثورة :
-صراع الاجيال: لا يمثّله إلّا شاب
-الصراع الطبقي: شاب من الطبقة الكادحة الشغّيلة و خاصة و أنّ العمّال هم الأقدم هجرة و الأكثر عددا.
-الصراع الايديولوجي: شاب من الطبقة الكادحة متحرّر من أثقال صراع وهمي أكل عليه الدهر و شرب ، فيكون إمرءً بين الأصالة و المعاصرة.
-صراع التعدّدية : لا يمثله الا شاب كادح بين الأصالة و المعاصرة تشهد له مواقفه و تاريخه بنصرة مطالب الحرية و الايمان بالديموقراطية.
و كما سلف و ذكرنا و هذا محلّ إجماع من جلّ النخب و مكونات المجتمع المدني و رجال الميدان هنا، فيا حبذا لو يكون مقيما بإحدى مناطق الكثافة السكّانية للأقلية التونسية ، و خاصة مقاطعة شمال الراين و لكن المهمّ بل الأهمّ أن يكون مقيما على الأراضي الألمانية، فمن المفارقات العجيبة أن نجد جموعا غفيرة من المرشّحين لدائرة لا يحقّ لهم الإقتراع فيها.
فاستقيموا و حاذوا بين المناكب و الأقدام يرحمكم الله.
Comments
2 de 2 commentaires pour l'article 149375