
كريم السليتي (*)
بعيدا عن العنتريات الفارغة والفخر الأجوف علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا لنتمكن من تحديد مواطن الخلل ونتلافاها، الهروب للأمام وادعاء الاسبقية لن يفيد في شيء. نحن برعنا في البكاء على الأطلال واستحضار الماضي لنغطي به على فشلنا منذ أكثر من نصف قرن.
بعيدا عن العنتريات الفارغة والفخر الأجوف علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا لنتمكن من تحديد مواطن الخلل ونتلافاها، الهروب للأمام وادعاء الاسبقية لن يفيد في شيء. نحن برعنا في البكاء على الأطلال واستحضار الماضي لنغطي به على فشلنا منذ أكثر من نصف قرن.
التركيز على بعض الانجازات الرياضية والفنية التافهة وتضخيمها هو دليل أننا لم نحقق أي انجاز حقيقي للمواطن يسهل عليه حياته ويجعله يفتخر بانتمائه لهذه الأرض.
من حقنا أن نسأل ونقارن لماذا حققت دول الخليج العربية هذه القفزة العملاقة خلال العشرين سنة الاخيرة ، قفزة ليست عمرانية وفي البنية التحتية فقط، بل أيضًا قفزة تكنولوجية حيث لا تحتاج هناك إلى التنقل إلى أي إدارة لقضاء شؤونك فكلها عبر تطبيقات الكترونية مؤمنة وسهلة الاستخدام.
بينما نحن لا نزال نراوح مكاننا إن لم نكن قد تأخرنا أكثر. فقد اهترأت البنية التحتية وأفلست المؤسسات والشركات العمومية وإزدادت الإجراءات الادارية تعقيدًا وصعوبة وتوترت العلاقة أكثر بين المواطن والمستثمر والإدارة العمومية الورقية القديمة.
لا تقل لي "قوة فلوس" أو "أموال النفط" فالدول الخليجية منذ الستينات دول غنية ولم تحصل فيها مثل هذه القفزة العملاقة ، هذا من جهة ومن جهة أخرى أنظروا حولنا إلى الجزائر وليبيا دولتان نفطيتان لكن لاشيء تحقق تقريبًا مقارنة بالانجازات التي حققها عرب الخليج.
أعتقد أن المسألة متعلقة أكثر بالعقلية الجماعية، في الخليج هناك اعتزاز كبير بالهوية العربية الاسلامية وما لمسته شخصيًا أنهم يريدون أنفسهم الأفضل على مستوى العالم، الشعوب الخليجية تسافر كثيرًا وتطلع على تجارب دول مختلفة ولهم تلك الرغبة في نقل أفضل التجارب لبلدانهم، ولا توجد لديهم دولة عميقة ترفض التجديد أو نقابات تعرقل الإصلاح.
بينما العقلية لدينا عقلية تبعية لا يوجد بها اعتزاز بالهوية بل عقليات انتهازية تقتل كل تجديد بالاضافة إلى الدولة العميقة التي ورثناها عن مؤسسات التجمع المنحل أو النقابات المتحكمة في كل شيء داخل الادارة والتي يخشى بطشها كل مجتهد أو مُجدد، كما أن الافتقار للمعرفة وللالمام بالتكنولوجيا والانغلاق والتحجر وعدم الاطلاع على التجارب الناجحة في دول أخرى أدى لما نحن فيه فنحن لا نرى للعالم الا بأعين فرنسية محدودة.
كل مسؤول عمومي عليه أن يُساءل ما التجديد الذي قام به وماهي المبادرات التطويرية التي أجراها، وفي نفس الوقت علينا التخلص من كل من يقف حجر عثرة أمام المبادرات وأمام التجديد لأن الأمور لا يمكن أن تبقى هكذا إلى الأبد.
لابد من ارادة قوية ومساءلة حقيقية ونظام صارم لتقييم الأداء، فالادارة العمومية ليست جمعية خيرية أو وسيلة للاحاطة الاجتماعية للذين لاكفاءة ولا انتاج ولا تجديد لهم ، بل هي أداة يجب أن تكون فاعلة في الإصلاح ودفع الاستثمار وتحقيق الرفاه للمواطن ومن ليست له الكفاءة اللازمة أو الارادة للعمل والتجديد فلا مكان له داخل الادارة.
* كريم السليتي
كاتب وباحث في الإصلاح الاداري
Commentaires
2 de 2 commentaires pour l'article 272217