اخبروهم حتّى و لو أسقطوا صندوق الزكاة.. فإن الزكاة لم تسقط

حياة بن يادم
خلال جلسة البرلمان ليوم الثلاثاء 10 ديسمبر 2019، المخصصة للنظر في حزمة مقترحات لمشروع قانون المالية لسنة 2020، تم رفض مقترح جديد يقضي بإحداث صندوق خاص للزكاة و التبرعات. متحصلا على 74 صوتا فقط. على الرغم من تأكيد رئيس كتلة حزب حركة النهضة أن المقترح سيمر نظرا لوجود توافقات حوله.
خلال جلسة البرلمان ليوم الثلاثاء 10 ديسمبر 2019، المخصصة للنظر في حزمة مقترحات لمشروع قانون المالية لسنة 2020، تم رفض مقترح جديد يقضي بإحداث صندوق خاص للزكاة و التبرعات. متحصلا على 74 صوتا فقط. على الرغم من تأكيد رئيس كتلة حزب حركة النهضة أن المقترح سيمر نظرا لوجود توافقات حوله.
يتّضح أن الذين صوتوا لمقترح إحداث صندوق الزكاة، هما كتلتي النهضة و ائتلاف الكرامة، مع العلم و أن إحداث صندوق خاص للزكاة كانت من بين النقاط المضمّنة لبرامجهما خلال الحملة الانتخابية الأخيرة.
يجب هنا أن نفرّق بين الزكاة و صندوق الزكاة، الزكاة ركن من أركان الإسلام يتمثل في إخراج جزء من المال الزائد عن حاجة المسلم لمستحقيه من الفقراء و المساكين و غيرهم. أما صندوق الزكاة هي فكرة نشأت لمساعدة الفقراء و المساكين من خلال تجميع الأموال في صندوق تشرف عليه الدولة، مثلما هو معمول به في جلّ الدول الإسلامية. و يتم صرفها في أصولها الثمانية التي بيّنها الدين الاسلامي و هي الفقراء، و المساكين، و العاملون عليها، و المؤلفة قلوبهم، وفي فك الرقاب والعبيد والإماء المكاتبين، و الغارمون الذين تراكمت عليه الديون، و في سبيل الله والمجاهدين المتطوّعين، وابن السبيل وهو المسافر الذي نفد ماله.
يتبين و أن مقترح صندوق الزكاة وقع فريسة التجاذبات السياسية، في حين يروّج أصحاب الفكرة للحاجة الاجتماعية لهذا الصندوق لمساعدة الفقراء، يصطدم بالرفض من طرف منتسبي التقدّمية والحداثة في تونس معتبرينه تقويض للدولة المدنية. على غير ما هو معمول به في العالم، إذ أن صندوق الزكاة لم يرتبط فقط بالدول الإسلامية، بل نجده في عديد الدول الغير مسلمة المدنية، حيث أحدثت مؤخرا المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين " صندوق الزكاة للاجئين".
على إثر هذا الرفض لإحداث صندوق خاص للزكاة، انقسم الشعب التونسي بين مؤيد و رافض. لكن الملاحظ أن المؤيدين لإحداث الصندوق المذكور، اعتبروا النواب الذين رفضوا التصويت لصالحه، أنهم ينكرون ركنا من أركان الإسلام، و هو أمر نسبيا مغلوط.
أما الرافضين لفكرة الصندوق، سببه تجربتهم المريرة مع الصناديق و نخص بالذكر صندوق 26 26 سيء الذكر. كما يرى البعض أنها مناورة سياسية من طرف النهضة لإحراج خصومها أمام الشعب، و لو أرادت تمريره لفعلت مثلما فعلت في تمرير رئيس حزبها لترؤس مجلس النواب.
أما عنّي، فإني لست ضد إحداث صندوق الزكاة. لكن عندما يقول رئيس كتلة حركة النهضة: "مقترح “صندوق الزكاة” يأتي بهدف تلبية حاجيات الطبقات الفقيرة في ظل عجز الدولة عن تغطية احتياجات الطبقات الضعيفة". و النائب عن حركة النهضة و عضو لجنة المالية معز بلحاح رحومة "ان هذا الصندوق سيدعم الدولة في العمل الاجتماعي ..إلى جانب المساهمة في احداث وتطوير المنشاَت بقطاعات الصحة والتعليم والبحث العلمي والمؤسسات الدينية"، فالأمر مختلف.
سادتي نواب النهضة،
إن المنهجية المتبعة في طرح مقترح إحداث صندوق زكاة كانت مسقطة و خاطئة، بدءا بالاسم لعدة اعتبارات، و انتهاء بالإطار القانوني المنظم للزكاة. حيث لم يتم تحديد مصارف الزكاة الثمانية بدقة. بل تم إدراج مصارف بعيدة عن الثمانية المذكورة آنفا مثل تطوير المنشآت. كما لم يحدد كيفية خلاص الهيئة المشرفة لترك الباب مفتوحا لتصبح محلّ مزايدات حول الامتيازات.
سادتي نواب النهضة،
لست مستعدة لوضعي قيمة الزكاة في هذا الصندوق، لأنه أصلا مدّخراتي في الأحمر، و لأنه حسب رأيكم هدف الصندوق مجعول لدعم الدولة نظرا لعجزها. لماذا سادتي الدولة عاجزة؟؟، لماذا الصناديق الاجتماعية "فالسة"؟؟ لماذا اكبر البنوك كانت "فالسة" و قمتم بالموافقة على ضخّ أموال فيها لترجع من جديد "فالسة"؟؟، كيف تريدونني أن أثق في دولة لم تحقق بعد في نهب و إفلاس المؤسسات العمومية ؟؟.
سادتي نواب النهضة،
طبّقوا القوانين وكافحوا الفساد فستتحسن الأمور. لأن من دون مقاومة الفساد فسيصبح صندوق الزكاة رقما آخرا يضاف للمؤسسات المنهوبة.
سادتي نواب النهضة،
أعلمكم أن السّواد الأعظم من الشعب التونسي فقراء و مساكين، و ليس هناك زكاة لكي يخرجها، و إن كان هناك زكاة فليس له الثقة في هذه الهيئة مادمتم لم تشنون حربا بلا هوادة على الفساد و المفسدين، كما أنه يعرف جيدا مستحقيها لأن "ما يشعر بالزوّالي كان الزوّالي".
سادتي نواب النهضة،
بما أن الزكاة قائمة على التطوع و أنها فرض فهل سيتوقف الناس عن إخراجها سواء كان هناك صندوق أم لا؟، ومن لا يعترف بالزكاة ولا يقوم بإخراجها، هل سيتغير عندما يكون هناك صندوق زكاة ؟ أيهما أنفع تخرج زكاتك لمن يحتاجها وتتحرّى بنفسك؟ ام تعطي زكاتك لدولة جميع هياكلها ومؤسساتها عليهم شبهات فساد و ليس هناك إرادة واضحة في محاربته؟
سادتي نواب النهضة،
في كندا الأوقاف ثلاثة أنواع: أوقاف خاصة، وأوقاف عمومية، وجمعيات خيرية، تؤدي نفس المهمة. إن لم يمرّ صندوق الزكاة ليصبح هيئة عمومية، فإن هناك جمعيات خيرية قادرة على لعب هذا الدور، لحين اتباع سياسة واضحة في مكافحة الفساد يتم على اثرها استعادة ثقة المواطن في دولته و هياكلها.
سادتي نواب النهضة،
اطمئنوا إن الزكاة هي حق للفقير وضعها الله في مال الغني ليست صدقة و لا حسنة هي فرض و حق. حيث سئل الإمام علي كرّم الله وجهه من أحقر الناس؟ فقال من ازدهرت أحوالهم يوم جاعت أوطانهم. اخبروا زملاؤكم رافضي صندوق الزكاة، إن الخير في بلادي مازال قائما إلى يوم الدين، و لن تجوع أوطاننا، فإن السّواد الأعظم من شعبنا ليس بحقير، بل يخرج زكاته وفوقها صدقات و حسنات ويؤثرون على أنفسهم و لو كانت بهم خصاصة رغم كيد الكائدين، و حتى و لو أسقطوا صندوق الزكاة فإن الزكاة لم تسقط .
Comments
1 de 1 commentaires pour l'article 194166