''كفاءة استثنائية جدا''.. في الطريق الى قرطاج

بقلم: شكري بن عيسى (*)
الحقيقة كنت انتظر أن يكون "كفاءة استثنائية"، لكنني أخفقت التقدير في أن تكون استثنائية بشكل فارق، فلم أكن أتصوّر أنّ من وصفوه بالعاجز عن التعبير كانوا صادقين، كما لم أكن أتصوّر أن رأسه يجتاحه بوليس من اكثر الانظمة شمولية.
الحقيقة كنت انتظر أن يكون "كفاءة استثنائية"، لكنني أخفقت التقدير في أن تكون استثنائية بشكل فارق، فلم أكن أتصوّر أنّ من وصفوه بالعاجز عن التعبير كانوا صادقين، كما لم أكن أتصوّر أن رأسه يجتاحه بوليس من اكثر الانظمة شمولية.
وبالفعل فقد صدقوا من وصفوه بتلك الصفات، ففي بعض دقائق فقط ظهرت "القدرات" الكامنة، وبالفعل فقد كانت استثنائية "جدا"، مترشّح للرئاسة وراءه عشرات النواب والسياسيين والمفكرين، عاجز عن الكلام والتعبير، وعاجز ايضا عن التواصل مع الاعلام.
أو ليست هذه "استثناءات عالية" في الرجوع نحو الوراء، بعد قرابة تسع سنوات لثورة نشدت الجدارة والاستحقاق، كما نشدت الديمقراطية والحقوق والحريات، فاذا بنا نعيش القهقري، فالمترشح القريب من الدوائر الامريكية عجز في أوّل جملة نطق بها، ولم يحذق ما تمّ تلقينه له لعدّة أيام، فكان لا بد من مشيرة على يساره لتلقنه في كل مرة ما يقول.
وهذا "الاستثناء الخارق" اليوم لم يقف عند حد العجز عن التعبير وتكوين جمل مفيدة، فالواقفين عن يمين وشمال المترشح يمارسون صنوف القمع المعنوي على الصحفيين، ليجبروهم على عدم القاء الاسئلة، ويستعملون اشارات بوليسية استخباراتية للغرض، ووصل بالمرافق الايمن بالاشارة بيده، تلك الاشارة الحادة التي يستعملها المتعجرفون لاسكات غيرهم، اما السيدة الاخرى فلم تترع في استعمال "اششششش"...

الصور بالفعل كانت معبّرة جدا عن هذا "الاستثناء" الذي لا مثيل له، كما أن الفيديو الذي نشرته اذاعة "موزاييك" على امتداد ما يزيد قليلا عن ثمان (8) دقائق وثّق هذا "الابداع"، والامر لم يقف في هذا الحدّ، فالمترشّح "الاستثنائي جدا" كشّر من اللحظة الاولى عن انيابه، مشيرا لوجود "حملة تشويه ضدّه" وصفها بابشع الاوصاف التي لا تليق بمترشح للرئاسة.
وطبعا الرسالة واضحة، فالانظمة الشمولية تعتبر كل نقد ومعارضة "تشويه"، لترتقي بالامر في مرحلة ثانية الى اعتباره جريمة، ويبدو ان الرسالة الضمنية هي تهديدية بالاساس، لشخصية عاطلة عن الكلام، وعاجزة عن التواصل الطبيعي، ستمارس محاصرة الكلمة الحرة للتغطية عن العيوب، ان وصلت للسلطة.
لا ندري الحقيقة كيف ظهرت هذه الشخصية وما هي انجازاتها، لتلقى كل هذه الحفاوة المشبوهة، فماذا أضافت لمؤسسة عسكرية طوال اشرافها عليها؟! او ليست المؤسسة العسكرية محصنة ملتزمة بالدستور وبالقانون وبالدفاع عن الوطن بطبيعتها!!؟؟ فلماذا تمّ استثمار عنصر الثقة والتقدير العالي للاستأثار به!!؟؟
هل مجرّد تنظيم جنازة يعتبر انجازا يوصل شخصا ما لقرطاج!!؟؟ او ليس هذا الامر من الوظائف الاساسية لكل قوات مسلحة عسكرية وامنية؟! وهل الجنازة نظمها وزير الدفاع حتى يحوز كل المغنم!؟ وهل الجنازة لم تخلو من عديد الهنات التي سجلها الجميع، نتحفّظ احتراما لقداسة الموت ولقواتنا المسلحة عن ذكرها!!
وهل مجرّد الالتقاء بالقائد الاعلى للقوات المسلحة قبل وفاته، يمنح المعني شرعية الارتقاء للوظيفة الاعلى في البلاد!؟ وهل مجرّد الظهور بجانب جثمان الرئيس في المستشفى العسكري يمنح صاحبه اهلية قيادة البلاد!؟ ولنعد الى مسألة احباط الانقلاب، فهذه النقطة التي الصقت بالمعني اسطورة كبرى، لا بد اليوم من تفكيكها وحل طلاسمها.
فان كان بالفعل يوجد انقلاب او حتى محاولة، فهذه من بين الخيانات العظمى في حق الوطن والديمقراطية، فالشعب من حقه ان يعرف، والقضاء العسكري وجب ان يتكفل بالامر، والذي أُسنِد له وسام "الانقاذ" مطالب بتبليغ القضاء، والا اصبح متسترا عن جريمة كبرى، ويصبح هو ذاته مشاركا، وان كان استثمر في الامر وهو في حقيقته غير موجود، فهذه جريمة سياسية اعتبارية اخلاقية عالية، لا تقل عن جريمة الخيانة.
لم اقدر الحقيقة على تعداد "الخصال الاستثنائية" لهذه "الكفاءة"، وهي التي صرحت بأنّ بلادنا لا تمتلك رادارا قيمته 16 مليون دولار، لكشف الطائرة التي اخترقت حدودنا وسيادتنا لعشرات الكليمترات، وهي التي صرّحت بلقائها رئيس البلاد قبل وفاته، بانه في حالة حسنة، قبل ان تعود وتتراجع بعد الوفاة، لتستدعي الغيبيات وتصرّح بأن الرئيس حينها كان يعلم انه مفارق.
والمهم ركوب موجة العاطفيات مادامت عالية الموارد، قبل نسيان صاحب الفضل وعدم ذكر اسمه والترحّم على روحه قبل اطلاق الحملة التي قامت على "جنازته"، والدوس على الثورة التي احيت العظام وهي رميم ليتم هي الاخرى التنكّر لها وعدم ذكرها بما يليق، من "كفاءة" ظهرت انها استثنائية جدا، حاولنا الالمام بكل مناقبها فلم نقدر لتعددها وتنوعها، والحمد لله أنّ الاساطير لازلت معششة في هذا البلد، بعد اكثر من ستين سنة على خروج المستعمر، لتلقى هذه "الكفاءة" ما تستحق من الانبهار!!
(*) باحث في القانون وفي الفلسفة
Comments
17 de 17 commentaires pour l'article 187125