هل تصادمت الثورة مع القانون في جمنة ؟

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/jemna2.jpg width=100 align=left border=0>


أبو مــــــــازن

الثورة رياح عاصفة تهزّ كيان المستبد وتلقي به الى مزبلة التاريخ بعد أن قلّمت أظافره التي كان يبطش بها فاسترجع العباد حرياتهم واختاروا نمطا مدنيا منظما يسوسهم و يحميهم من مستبد جديد قد تحمله الأقدار الى أرضهم. الثورة لا تدار كما اتفق مهما كان نوعها حتى لا تتحول الى فوضى فهي تعتمد على نصوص الدستور أو المراسيم أو القانون أو الأعراف الدولية أو ما شاع من العادات والتقاليد فلا تضطرب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية و الثقافية في البلد كي يحافظ على كيانه و ادارته وأرشيفه وقواته المسلحة وهوامش حدوده و بحره وهوائه فلا يطمع فيها الطامعون ولا يتربص بها الأعداء.





عشنا مثل هذه الفترة ابان هروب المخلوع حيث استعمل الفصل السادس والخمسون فالسابع والخمسون ثم حلّ مجلس نواب المخلوع نفسه لتصدر مراسيم تنظيم السلطة والانتخابات والدعوة الى التأسيس. لم يهرع غالبية التونسيين الى الانتقام و الاستيلاء على ما يملك أهل الفساد و الافساد بل طرحت مجمل هاته القضايا على مجامع القضاء و الهيئات المركزة ولولا الارهاب الذي هبت رياحه بما لا يشتهيه التونسيين لقطعنا أشواطا هامة في رد الاعتبار للدولة المدنية الديمقراطية ذات الهيبة التي تمارسها على ترابها فتضرب على يد الجاني و ترأف بمواطنيها. لم يكن التونسيون ميّالون للفوضى في أحلك فترات الثورة بل كانوا متضامنين متآزرين في الخير يحمون أحياءهم و يوفّرون أقوات عيالهم في كنف مطلبين أساسيين : الحرية والكرامة.
ما حدث في جمنة صيحة ثورية أمام الفساد و "التكمبين " و القوائم التي لم و لن تكشف حيث يعرف المزاد صاحبه فيصيبه وان لم يحضر وتعرف المناقصة صاحبها ولو لم يمضي. ما حدث في جمنة يحدث في أغلب ضيعات الدولة التي تنتج التمر والزيتون و القوراص و غيرها قبل الثورة وبعدها اذ أنّ نفوذ الفائزين بهذه الخيرات قوي لم تقاومه الدولة في أوج قوتها فكيف لها به بعد ثورة عطلت هياكل الدولة و جعلتها مفتقدة للقرار ولآليات تنفيذه. لكن هذه السنة كان الأمر مختلفا اذ حضر نواب الشعب لمراقبة الوضع عن كثب و كشف ملابسات الاستغلال ثم تحول الأمر الى بتة يبيع فيها من لا يملك ما لا يملك و يقبض سعرا أفضل بكثير قد لا يرجع الى الدولة. هنا تصادمت القوانين بالحراك الثوري الذي أتى بالنواب و حرّك المتساكنين والعاملين في هذه الضيعة فكشف حقيقة الانتاج وحجم الفساد ولكن بأي طريقة؟

أمّا التشهير بما وقع ولا زال يقع من فساد لرزق "البيليك" فهو أمر محمود فمثل هذه الحادثة قد تحرك المنتفيعين دون غيرهم بفواكه و منتجات الأراضي الدولية الى رفع الأثمان و تقديرها تقديرا جيدا لا لبس فيه فتنتفع خزينة الدولة. وقد تحرك أيضا السلط التشريعية بحضور النواب فيسعون الى ضبط تحيين قوانين ادراة و استغلال هذه الأراضي و من ثم تحديد أسعار مقبولة لمنتجاتها. مثل هذه الحادثة قد تروج لاقتصاد اجتماعي تضامني تراقبه الدولة فلا يصبو الى تكوين أباطرة فساد جدد بل مستفيدين يشغلون يدا عاملة و يُربحون الدولة أموالا كانت ضائعة في حسابات بالخارج. أمّا أن تتحول تحت تأثير العاطفة الثورية والتفكير البسيط و المتحامق الى بيع فعلي يرفع فيه المشتري بضاعته ويقبض البائع (الذي لا يملك) أموالا فذاك عين الفوضى و عين الفساد و أكل اموال الشعب بالباطل دون وجه حق. انّ السكوت على مثل هذا الصنيع قد يجرّ قطاعات عدّة الى اتباعه فيستقل أهل الفسفاط بفسفاطهم وأهل البترول ببترولهم وأهل الملح بملحهم و يضيع البلد بأسره فلا تقوم له قائمة بعد ذلك ويدخل في طيّات عصور الظلمات و ما فيها من اغارة و ثأر و انتقام و جهل و تقاتل.
لا يفلح الثورجيين ان سلكوا هذا المنحى الذي قد يعبّر ظاهريا عن كشف للفساد ولكنه يرمي بنا في أحضان فساد أكبر و فوضى تهوي بما صنعت الثورة الى أسفل المراتب. لقد وصلت الرسالة بمثل هذه الحادثة لتراجع الدولة قوائم أملاكها و كيفية التصرف فيها ولكن البيع الذي صار يعتبر لاغيا لا يُعتمد فلا تتلوه محاولات ثانية تسير على خطى ما حدث في جمنة. أما النواب الذين حضروا البتة و هللوا لها لمّا اعتبروها انجازا فقد بحثوا عن شعبوية يقتاتون منها أصواتا على عجل اذ أنّ المطلوب آنيا هو كشف الفساد و تحصين أموال الدولة تحت رعاية أجهزتها وفي ظل قوانينها حتى لا ينخرم الأمر فنربح بتة التمر ونخسر بتّات و بتاّت ثم نخسر البلد بأسره.


Comments


10 de 10 commentaires pour l'article 132215

Mandhouj  (France)  |Mercredi 12 Octobre 2016 à 22:21           
@ Hassine Hamza (Tunisia)

تحية إليك ، و لكل المبحرين ،

عتقد أنك قرأت كل ما كتبت عن هذه التجربة التي اتابعها منذ قرابة العامين .. وهي معروفة للكثير خارج أرض الوطن و حتى لفاعلين دوليين .. لكن مع الأسف ليست إختراع تونسي ، لها تاريخ عريق (genese )، من عهود طويلة في العديد من المجتمعات . لكن الذي فكر فيه الكثيرين أيام الثورة و كان يكمن أن يكون بداية رسم منوال تنموي لا يتأثر بمنوال القروض و المديونية، و يتكامل مع المنوال التنموي للدولة (الذي هو مفقود في الحقيقة ) ، و كان يمكن أن يكون منظم ، و بعد كل
عام يرقى لتنظم أكثر ، و يخلق آلاف مواطن الشغل في كامل البلاد ، و في عدة قطاعات من الاقتصادية ، الفلاحة ، التحويل ... دون مس من هيبة الدولة ... لكن كما ترى مع الأسف التونسي إنقلب على قيم ثورته من اليوم الأول بعد هروب السارق و المعتدي الأكبر على ملك المجموعة الوطنية... أما الأحزان (الأحزاب ) فهي إهتمت بجانب المواقع و ليس حتى بالجانب السياسي في أرقى مفاهيمه ، أما الجانب الاجتماعي ، الاقتصادي ، فأنت ترى بعينك ... جمنة يا سيدي ، نجاح ، نتيجة تجند
الطاقات ، و تناسق عملها و مساهمة كل فرد . الكل كان من أجل المواطن ، البيئة ، السلم الاجتماعي ، الذي كان على الدولة أن توفره ، عبر خلق المشاريع، توفير المناخ ، فرص العمل .. و أنظر ماذا قال سفير كوريا الجنوبية اليوم ، تفهم وحدك ... التونسي أو غيره لما يكون فردا أو مجموعة منغلقة ، يفكر في الاستلاء على الملك العام و على ملك الغير ، لكن لما تكون مجموعات تعمل في هكذا مشروع ، الشفافية تكون مضمونة لدرجة عالية ... ثم الرابح يكون المواطن و الدولة .
مواطن دولة = مجتمع .

ليلة سعيدة .

Hassine Hamza  (Tunisia)  |Mercredi 12 Octobre 2016 à 21:28           

Mandhouj  (France)  |Mercredi 12 Octobre 2016 à 12h 16m |           
واجبنا هو تدعيم النجاحات
…………………………..
تحية للأخ منضوج
...
كلامْ جميلْ إن كانتْ فِعْلا نجاحات
وتستحقُّ جائزة "نوبل" للإبداع إن كانت فعْلا نجاحات
ويجِب تعْميمها في جميع أنْحاء العالم العربي وتدْريسها في أعْرق الجامعات العالمية
ولكن لوْ أعْملْنا العٌقْل قليلا ،
هلْ نكْتفي بأن نسْمع أنّ الأهالي فرِِحين مسْرورين بِما "أنْجَزوه" لِنحْكُم عليْها بأنَّها نجاحات؟
ألم تسْمع بالمثل القائل : اللي يِحْسِبْ وحْدو يُفْضُلْلُو؟

Mandhouj  (France)  |Mercredi 12 Octobre 2016 à 12:16           
واجبنا هو تدعيم النجاحات ، ترشيدها ، دفع المشرع ليحتضن هكذا تجارب ... يجب أن نذهب إلى الإيجابي .. تونس في حاجة لكل ابداعات ابنائها ..
تلك هي أيضا تونس المساهمة الإيجابية .

Hassine Hamza  (Tunisia)  |Mercredi 12 Octobre 2016 à 12:13           
Mongi  (Tunisia)  |Mardi 11 Octobre 2016 à 11h 02m |           
السرقة ولاّت تجري في دمنا. والسرقات كثرت وكبرت حتّى أصبحت فيها برش اختصاصات
::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
صدقت ياأخي منجي
إسمح لي بهذه الإضافة
سرقة النواب من طرف الكتل و اﻷحزاب
سرقة الشقق قبل أن يتسلمها أصحابها من عمارات "السبرولس"
سرقة هناشير النخيل متاع الشعب وبيع محاصيلها بمساندة اﻷحزاب والمنظمات المدنية
سرقة الكهرباء من اﻷسلاك قبل عدادات" الستاغ"
سرقة أسلاك الكهرباء نفسها "والضو سارح فيها"
سرقة المياه من القنوات قبل عدادات "الصوناد"
سرقة اﻷغنام واﻷبقار بالجملة والتفصيل
سرقة الوقت من عمر المواطن الذي ينتظر الساعات أمام شباك اﻹدارة ثم يُقال له أرجع غدوة
سرقة أيام من عمر الطفل الذي يذهب إلى المدرسة ويُقال له سيدي أو سيدتي ماجاتش ، بره روّح
ولا أدري إن كان لهذه القائمة نهاية...
وكلنا في هذه القضية فاعل ومفعول به ، شاكي ومُشْتكى به
ولا يغير الله مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم

Hassine Hamza  (Tunisia)  |Mercredi 12 Octobre 2016 à 12:09           
الشعب التونسي الذي يعد 11مليون مواطن هو
أهل الفسفاط وأهل البترول وأهل الملح وأهل التمور
وأهل مقاطع الرخام ومعامل اﻹسمنت
وأهل حدائق العنب والبرتقال والزيتون والرمان وهناشيرالقمح والشعير
الشعب التونسي ليس قبيلة
الشعب التونسي ليس عشيرة
الشعب التونسي ليس طائفة
الشعب التونسي لايسمح ﻷحد أو جماعة أن يستولي على ممتلكاته
مهما كان الشعار الذي ترفعه الجماعة
ومهما كانت النوايا الخفية و المعلنة

Abstract1  (Tunisia)  |Mercredi 12 Octobre 2016 à 10:53           
في ظل الحيف و اللامبالاة التي تمارسها الدولة مع المناطق الداخلية : فهي تتغاضى عن مشاغلهم و مطالبهم و في المقابل تنهب ثرواتهم، منتهجة عقلية استعمارية ضد أبناء الوطن الواحد. في ضل هذه الممارسات و في ضعف الدولة و عجزها عن إدارة شئون البلاد، فإن هذه المبادرات المنفردة من بعض أهالينا في المناطق الداخلية ستتواصل و تتكاثر. الدولة اليوم عبارة على مكّاس أو ملاّك يتمعش من الضرائب و الجباية و يقبض الكراء و هو راقد، دون القيام بأي مجهود لدعم التنمية و لإعطاء
الدفع للإنتاجية. وظيفة الدولة الحقيقية هي أن تسهر على تنظيم الشأن العام و أن تسهل للمواطنين إدارة مشاريعهم في إطار التعايش بين المواطنين، لا أن تتدخل في مشاريعهم و تقسم معهم أرزاقهم. إذا واصلت الدولة انحرافها عن دورها الحقيقي و لم تتصالح مع مواطنيها، فإننا سنشهد غياب الدولة في الفترة القادمة و ظهور أقاليم ذاتية الحكم ، تدير اقتصادها بنفسها.

Mongi  (Tunisia)  |Mercredi 12 Octobre 2016 à 10:44           
أنا أخالف أبا مازن الرأي. ثمّة فرق كبير بين شركة فسفاط قفصة وهنشير جمنة. وثمّة فرق كبير بين الثوريين والمستكرشين المجرمين الذين يتنكرون في زي الثوريين. ووظيفة المجتمع المدني أن يراقب ما يدور حوله. وأن يتدخّل لتوجيه الحراك الشعبي إلى العمل الصالح وأن يتدخّل لفرض العمل التشاركي على الدولة. في رأيي لو وجد أهل جمنة دولة تنصفهم ومسؤولين يتخذون قرارات تنصفهم لما باعوا المحصول بأنفسهم. فالثورة لم تنتصر بعد ومازالت في خطواتها الأولى وفي هذه الحال لابد
للمجتمع المدني أن يقوم بدوره لكي يقوّم سلوك المسؤولين الجدد وإلاّ خسرنا ما أنجزناه إلى حد الآن.

Srettop  (France)  |Mercredi 12 Octobre 2016 à 09:04           
لقد أصاب الكاتب في تحليله إذ تفطن إلى الأبعاد السلبية لهذا الحدث وتجنب اللجوء إلى الحجج الشعبوية التي حاول استغلالها بعض النواب وبعض الأطراف السياسية.

Moezz  (Tunisia)  |Mercredi 12 Octobre 2016 à 09:02           
ما وقع في جمنة خطأ خطير
ان تكون الدولة قد اخطأت في اسناد الصابات السابقة لا يمكن باي حال ان يكون تبريرا لما يقع
هذه الواحات والهناشير هي ملك الدولة وبالتالي ملك كل التونسيين وليس هنالك سارق انظف من سارق فالسرقة صفة لا تخضع للمسروق
كل السياسيين الذين ساندوا هذا التصرف تصرفوا بمراهقة وغباء وقد يكونوا ساهموا في سقوط الدولة و سايروا
الفضاويين

Ra7ala  (Saudi Arabia)  |Mercredi 12 Octobre 2016 à 08:31           
لماذا الصمت على استعحواذ بعض الشركات ورجال الأعمال على الثروات الطبيعية للبلاد أما عند بيع المحصول لواحة قام بتشغيلها والإهتمام بها أهالي جمنة قامت القيامة ولم تقعد، أين أنتم عندما كان الرجال يعملون ويصلحون ما أفسده من كان قبلهم، أم أنه سال لعابكم عندما عرفتم أن سعر التمور فاق المليون دينار فتذكرتم حينها هيبة الدولة؟
أين هيبة الدولة من الملح الذي يُنهب منذ الإحتلال الفرنسي ولازال؟
أين هيبة الدولة من الإسمت الذي يُنهب من طرف الأجانب؟
أين هيبة الدولة من البترول والغاز الذي يُنهب قبل من الشركات الأجنبية؟


babnet
*.*.*
All Radio in One