مدنين: صيد الإسفنج بجرجيس .. تراث طبيعي استثنائي يوظّف مهارات محلية عريقة تتطلّع إلى إدراجه في قائمة اليونسكو للتراث العالمي

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/6454eafadbed20.83535933_mnglkofjpeqhi.jpg width=100 align=left border=0>


منذ ما لا يقل عن قرن من الزمن، عُرفت جرجيس بصيد الاسفنج ليقترن اسمها به وأصبحت تعرف بأنّها عاصمته، حيث أتقن بحارتها مهارات متفرّدة في صيده، وابتكروا تقنيات بديعة في جمعه نقلوها عبر الازمان من عائلة إلى أخرى وإلى البحارة خارج جرجيس.
ويمثّل الاسفنج لأهالي جرجيس مصدر دخل هام وجزءا من تراث ثقافي للمدينة تعمل مكوّنات المجتمع المدني بها على تثمينه والمحافظة عليه، والى الدفع نحو الاعتراف بقيمته الاستثنائية والفريدة ليس محليا او وطنيا فقط بل دوليا من خلال العمل على ادراجه بقائمة اليونسكو للتراث العالمي، فأطلقت مبادرتها في المجال وانطلقت في ندوة في موفى الأسبوع المنقضي حول الاسفنج كموروث ثقافي قابل للتثمين من أجل الاعداد لتكوين تنسيقية يبدأ العمل والبحث منها.
وشارك في أشغال الندوة باحثون ومؤرخون وبحارة من أصحاب الخبرة والمهارةـ وعائلات تربّت على قيمة الاسفنج وعلى علاقة متينة بهذا التراث الطبيعي الحاضر بقوّة في المخيال الشعبي.
وللاسفنج بمدينة جرجيس تاريخ عريق، حيث استقطبت المنطقة بحارة أجانب منذ 1875 مثل المالطيين والايطاليين ونقل العكارة طرق صيد الاسفنج الى جهات أخرى كانوا يرحلون إليها بحثا عن الاسفنج ومنها قرقنة بصفاقس وطرابلس وزوارة بليبيا، حسب مواسم صيده وأماكن تواجده شتاء او صيفا.
...

ووفق بحارة جرجيس، فإن صيد الاسفنج ينقسم الى موسمين، موسم أول يمتد من شهر نوفمبر الى شهر مارس، ويقوم خلاله البحارة قديما بصيد الاسفنج على سواحل جرجيس وطرابلس، وهو موسم مهمّ من حيث الانتاج تنتزع النباتات البحرية التي تغطي الاسفنج في الاعماق وتطفو على السطح بفعل عواصف فصل الشتاء ويبقى الاسفنج واضحا داخل الاعماق يسهل على الصيادين جمعه والتقاطه.
أما الموسم الثاني لصيد الاسفنج، فيمتد كامل فصل الصيف من جوان الى شهر سبتمبر، وتتجه فيه مراكب بحارة جرجيس قديما مجموعات الى سواحل جزر قرقنة عندما تصل النباتات البحرية، التي يستدل بها البحارة على وجود الاسفنج، الى اوج نموها.
ويصنّف بحارة جرجيس أنواع الاسفنج إلى حجامي وقرقني وجربي والكماكي الجرجيسي ذو الجذور البيضاء، أما طرق صيده فهي تقليدية تتمثل في الغوص بدون التزود بالهواء، ويكون الغواص مثقلا بقطعة حديدية في الماء لمدة تتراوح بين دقيقتين وثلاث دقائق فاكثر بعمق يتجاوز 30 متر ثم يطفو على السطح حاملا معه الاسفنج.
أما أدوات الصيد فتقتصر على بعض الوسائل التقليدية المتمثلة في طريقة الشوكة الثلاثية او الكاكوشلة وهي عمود أو قضيب فيه 3 شوكات ومرآة قطرها 30 صم وطولها 40 صم، ويتم صيد الاسفنج باستعمال مراكب شراعية طولها 7 أمتار تنقل البحارة إلى أماكن صيد الاسفنج أو النشاف بالمرآة التي تكشف قاع البحر ويمسك بها احد البحارة، فيما يتولى بحار آخر الامساك بالقضيب او الكاكوشلة وطولها 15 مترا وفي طرفها 3 أنياب حديدية يقوم باقتلاع الاسفنج بواسطتها.
واستعمل عكارة طريقة صيد الاسفنج بالغوص بالهواء المضغوط او بالنارجيلة في سنة 1960، وتتمثل في الغوص في أعماق البحر لاستخراج الاسفنج إثر عملية بحث وتحديد مكانه ثم قطعه بسكين ووضعه في قفص، ما يستوجب مركبا بمحرك يتراوح طوله بين 9 و13 مترا على متنه جهاز يزوّد الغواص بالهواء المضغوط، ولباس غوص يمكن الغواص من البقاء في أعماق البحر الى ساعتين في عمق يصل الى 40 متر.
ولصيد الاسفنج بجرجيس قيمة اجتماعية وروحية، حيث تغنى به العكارة وقالوا عنه الكثير كـ"نشافة الربيد يا مملاحة يا معلية الغطاس عالفلاحة ونشافة الربيد يا مرخية يا معلية الغطاس عالبحرية"، وقالوا ايضا "اني العكارية قلت ملحي ذهب ابيض مثالي من اجود نوعية ونشافي ذهب اصفر يضوي يجيبوه البحرية"، والمقصود بالنشاف هو الاسفنج اما الربيد فهو أحد أجود انواع الاسفنج إلى جانب الكماكي الجرجيسي.
ويكاد لا يخلو بيت عائلة بجرجيس من قطعة اسفنج تزينه، كما كانت قطعة النشاف الطبيعية (دون مدخلات) قديما هدية قيمة للمواليد الجدد وتستعمل في غسل جسم المولود.
أما ثقافيا، فيعتبر الاسفنج منتجا ثقافيا مهما من خلال المهرجان الدولي للاسفنج الذي يحتفل هذه السنة بدورته 52 في تأكيد لعراقة هذا التراث وقيمته بمدينة جرجيس عاصمة الاسفنج والزياتين، حيث يجدد المهرجان حضور الاسفنج بامتياز في كل فقراته من خرجة بحرية تجسد عملية صيد الاسفنج، الى معرض للاسفنج، وندوات فكرية لم تبحث فقط في الجانب التاريخي لصيد الاسفنج بل ايضا تستشرف وتحفز على تثمين الاسفنج اقتصاديا من خلال البحث في استعمالاته وقيمته طبيا وتجميليا وغيرها من الاستعمالات عبر صناعات تحويلية في مجالات عدة.
انطلقت مكونات المجتمع المدني بجرجيس في الاهتمام بالاسفنج للعمل على ادراجه في التراث الوطني وفي قائمة اليونسكو للتراث العالمي، كما تحمل عدة افكار أخرى لممتلكات يزخر بها تراث جرجيس وقادرة بخصوصياتها وتفردها ان تكون تراثا انسانيا، على غرار بحيرة البيبان او نماذج من اللباس التقليدي والاكلات التقليدية العكارية.



   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 287597


babnet
All Radio in One    
*.*.*