القيروان: معلم "برّوطة" بالمدينة العتيقة.. وجهة فريدة جاذبة للتونسيين والسياح

وات -
منية تريمش - طلع "جمل بروطة" حوالي الساعة الثامنة والربع صباحا كعادته يوميا من حومة الباي بسوق الجلادين بالمدينة العتيقة بالقيروان يتبع مروضه ليعبر هذه السوق، ثم ينعطف يسارا ليمر قبالة سوق الزربية وبائع الفطائر ذات الرائحة الزكية، وبعدها يمينا نحو معلم جامع اللولب الأثري الملاصق لمعلم بروطة الأثري، أين يتوقف برهة قبالته، قبل أن يُشرفه وينطلق في صعود أدراجه بسهولة غاب معها ثقل وزنه.
وهلل بئر بروطة بمطلع الجمل، بأن قدم له البعض من الشعير، في حين تولى مدربه ربط معدات ناعورة الماء حول رقبته، وتزيينه بقطع من القماش التي مازالت تستعمل في بعض مناطق البلاد التونسية كغطاء رأس نسائي أو للرقص بها في الأفراح.
وهلل بئر بروطة بمطلع الجمل، بأن قدم له البعض من الشعير، في حين تولى مدربه ربط معدات ناعورة الماء حول رقبته، وتزيينه بقطع من القماش التي مازالت تستعمل في بعض مناطق البلاد التونسية كغطاء رأس نسائي أو للرقص بها في الأفراح.
وبدأ يوم عمل جديد بالنسبة إلى "جمل بروطة"، وهو من النوع "الفلاحي"، حسب التسمية المحلية. يوضح مروضه، منتصر الحميدي، أنه يتم استقدام الجمل من الاسطبل بحومة الباى إلى بروطة يوميا على الساعة الثامنة والنصف صباحا، على أن يغادرها على الساعة السادسة مساء.
ويلفظ منتصر كلمة سرية يفهمها فقط "جمل بروطة"، فينطلق في سير دائري حول البئر لتحريك ناعورة الماء التي شدت بها بعض القلال الفخارية (جرة فخارية متوسطة الحجم) تترقرق منها المياه مع كل حركة دوران في مشهد غابت عنه موسيقى الماء خلال انسيابها لقلة كمية الماء وعدد "القلال" المثبتة بالعجلة الخشبية للناعورة.
وتتميز هذه البئر، حسب متسوغ فضاء معلم البرّوطة منذ 25 سنة، جمال حسنات، بعذوبة مياهها ما يجعل الكثير من الزوار يعودون للمكان، خاصة بمناسبة المولد النبوي الشريف. ولذلك يحرص جمال على الصيانة الدورية لهذا المعلم، من ذلك انه قام خلال شهر رمضان الفارط بتغيير ناعورة الماء والجليز والجمل. وقال في هذا الصدد "لابّد من شراء جمل فلاحي جديد كلّ سنة، لأنّ هذا الجمل يناضل معنا من أجل كسب القوت"، حسب تعبيره.
وعبر جمال عن الاعتزاز بأنه استطاع إلى حدّ الآن، رغم الصعوبة البالغة للظرف الصعب، حماية معلم بروطة من الاندثار، موضحا أن البئر الواقعة بالمعلم حفرها هرثمة ابن الأعين سنة 180 هجري، الموافق لسنة 796 ميلادي، مبرزا الرمزية العالية لهذا المعلم لدى أهالي القيروان وغيرهم. وذكر أن أصل التسمية "بروطة" يعتبر، حسب الأسطورة المتداولة، نتاج دمج لكلمتي بئر واسم كلبة صيد "أوتا"، أمكن بفضلها لمعسكر استقر بالقيروان من اكتشاف البئر منذ 14 قرنا.
ويستقطب معلم بروطة وجملها يوميا العديد من الزائرين والسياح من مختلف الأصقاع لطلب الاستراحة أو شرب بعض الماء البارد للتبرك به أو لمحاولة لمس الجمل والتقاط صور تذكارية معه.
وقد يدس البعض منهم قطعا نقدية في حصالة أو صحن خزفي وضع فوق طاولة في أحد أركان قبة بروطة، التي أضيف قبالتها سنة 1997 مقهى.
وكلما توجه صالح عادل، أستاذ التعليمال أساسي بالسبيخة إلى القيروان لقضاء شؤون خاصة، إلاّ ومر بالبروطة، لأخذ قسط من الراحة، خاصة في الصيف، علاوة على أنّه ينظم لتلاميذه رحلات للتعرف على هذا المعلم. يقول "عندما كنا تلاميذ في التعليم الثانوي، كانوا يقولون لنا إن الجمل يدخل للبرّوطة صغيرا ولا يخرج إلاّ إلى الطوابن لذبحه، غير أننا اكتشفنا أنّ الجمل كبير ويهبط منذ زمان في المدارج ويصعدها".
Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 257266