في غفلة من الجميع...عين الغنوشي تقع على 415 مليار أورو، يسعى وراءها الإتحاد الأوروبي

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/rachedddeu.jpg width=100 align=left border=0>


أيمن عبيد
ألمانيا


مع إشراف الحملات الانتخابية على نهايتها، ضجت منصات التواصل الاجتماعي تفاعلا مع مبادرة "الويفي بلاش" التي أعلن عنها الغنوشي قبل أيام، مسجلا بذلك نجاحا آخر لسياسة حركة النهضة التواصلية بقدرتها على مواصلة إختطاف الأضواء من منافسيها، لتتصدر مرة أخرى مشاغل الرأي العام، الذي إنقسم بين مستحسن و مستهزئ.
...


و لا شك أن السخرية و التهكّم و التتفيه، مثلت أهم محركات المصعد الخطابي الذي أعاد المنظومة القديمة إلى واجهة المشهد في 2014. فقد لعبت دور السّوس في نخر الرصيد النضالي لأحزاب الترويكا، نازعة عنه هالة القداسة من نفوس الجماهير، ليسهل بعد ذلك إذا تحولوا إلى محور للتندّر، تقزيم الثورة برمّتها و شيطنة كل مخرجاتها، فينقطع أمل الناس في الجديد و ما يعد به من مستقبل، و يرتدّ جمع منهم إلى القديم و ماضيه.

إلا أن عجلة التاريخ لا تعود إلى الوراء، فقد إكتسب التونسي في السنوات السبع الأخيرة من الوعي السياسي و أدوات التحليل، ما يخول له التمحيص في المضامين بعيدا عن التسطيح و الإسقاط.

فهل أن مبادرة " بلدية كونكتي " مجرّد قنبلة دعائية، لا تخرج عن خانة صناعة "البوز" و الدّجل؟ أم أنها خطوة جادة و مدروسة و جزء من رؤية إستراتيجية هي مفتاح الحلّ، لتركيز المكاسب السياسية و تخطي التحديات الإجتماعية و الإقتصادية؟

في الحقيقة لو جلنا بأبصارنا في العالم الغربي، بِنيّة الإقتباس و البحث عن حكمة سياسية هي ضالتنا، لما وجدنا مثل هاته المبادرات بغريبة عن الحملات الإنتخابية، بل إنها نالت حيزا هامّا من برامج جل الأحزاب الألمانية مثلا، في إستحقاق 2017 التشريعي، لتندرج في محور " الأجندة الرقمية". فهي كلها تتفق على أن تطوير البنية التحتية الرقمية، ممكّن أساسي لنمو الأنشطة الصناعية و التجارية الذكية و لتحسين تنافسية السوق.

فهذا الحزب الإجتماعي الديموقراطي يرفع شعار "موجات النطاق العريض للجميع" و يعد بإعتماد تقنية الألياف الزجاجية و تركيز محطات بث، بشكل يمكّن كل البنايات و الفضاءات العامة من "ويفي" عمومي، مفتوح و مجاني. و أما الحزب الديموقراطي الحر، فقد طرح مفهوم " مجتمع الغيغابايت" في دلالة على السرعة المرجوة من الإنترنت، التي يجب أن تغطّي كل المنشآت و الساحات العامة بالإضافة إلى وسائل النقل العمومية، و إقترح خوصصة بعض أسهم شركات الاتصالات، كحلّ لتغطية التكاليف. و كذلك حزب اليساريين، الذي إنتقد شبكة الإنترنت الموجودة من منظور إجتماعي، و إعتبر أن الحق في إستعمال الإنترنت السريعة يجب ضمانه لكل الفئات الطبقية.

و حتى في مباحثات التوافق، لتشكيل الإئتلاف الحاكم، نالت هذه القضايا نصيبها، و من ثمة نوقشت في لجان البرلمان، لتشريع الأطر القانونية اللازمة لتفعيلها و تنظيم إستخدامها.

و ليست ألمانيا في هذا التمشي بمعزل عن محيطها القارّي، بل أن ذلك يتنزل في سياق سياسة عامة للإتحاد الأوروبي، تبلورت منذ 2016 في إطار مبادرة Wifi4Eu، و هو المشروع الذي تعتبره المفوضية الأوروبية حاليا، ابرز اولوياتها، فقد خصصت له ميزانية قدرها 120 مليون اورو، لتزويد كل المدن و القرى الأوروبية بخدمة إنترنت لاسلكية مجانية في كل المراكز الرئيسية للحياة العامة.

و قد إعتبر "أندروس أنسيب"، مفوض الشؤون الرقمية في الإتحاد، أن توزيع إيصالات بقيمة 15 ألف أورو الواحد، على قرابة 8000 بلدية أوروبية، لمساعدتها على تطبيق المشروع، هو خطوة مهمة و أساسية في إزالة عقبات الجغرافيا لبناء السوق الرقمية الأوروبية الموحدة. إذ أن ربط الشركات و المستهلكين حيثما كانوا، سيكرس حرية حركة الأشخاص و رأس المال و الخدمات و السلع الرقمية، و سيوفر التكاليف على الطرفين، مما سيزيد في حجم و سرعة المبادلات أضعافا، بشكل غير مسبوق، من المنتظر أن يضيف 415 مليار أورو إلى مجمل النمو في أوروبا و مئات آلاف فرص العمل.

فلو فرضنا أن عين الغنوشي قد وقعت على هذه الودائع الضخمة المتمورة بين حنايا المستقبل الرقمي، فقد نجد تفسيرا أكثر عمقا لعرض "الويفي"، فولعه بالتجربتين الماليزية و السنغافورية الرائدة في هذا المجال، بالإضافة إلى حظوره في منتدى دافوس الذي كانت الرقمنة في علاقتها بإضفاء الرخاء على الحياة الإنسانية إحدى أبرز محاوره، يجعله على قدر لابأس به من الإلمام بالتحولات الكبرى التي يشهدها الإقتصاد العالمي او ما أصبح يعرف بالثورة الصناعية الرابعة.

بل أن الأمر يتكشّف أكثر، إن تمعّنّا فيما ستحدثه تغطية آلاف مؤلفة من الأمتار المربعة من ربوع البلاد بالإنترنت اللاسلكية، و تمددها على المناطق المهمشة في الجنوب، بإعتبارها حاضنة النهضة الشعبية، من وثبة نوعية في البنية التحتية الرقمية في تونس، من حيث الحجم و الإنتشار، إذ أن تطبيق المشروع يتصاحب لزاما بتركيز نقاط بث جديدة و توسع أكثر لشبكات الألياف الناقلة.

و بذلك لا يمكننا تناول هذا المشروع في معزل عن ال50 ألف موطن شغل، المنتظر أن تتمخض عنها رؤية تونس الرقمية 2020، الذي يمثل تطوير البنية التحتية الرقمية أول محاوره الأربعة، خاصة و أن المشرف عليه المباشر، وزير من نفس الحزب. بل هي خطوة جبارة في إتجاهه.

هذا بالنسبة للإقتصاد، أما من المنظورين السياسي و الإجتماعي، فلا يجب أن نغفل المفاهيم الحديثة التي أصبحت شغل الباحثين في المستقبليات الشاغل، كدمقرطة البنى التحتية التكنلوجية و تعويض العامودية الهرمية في هيكليات اتخاذ القرار بالأفقية التشابكية.
و مفادها أن الإنترنت قد تحولت من مجرّد خدمة، إلى مساحة للتمكين و مصدر لإستيعاب جميع حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في حرية التعبير و الحصول على المعلومة و حرية التجمع الافتراضي، و الحق في التعليم و الثقافة و العمل بالإضافة إلى المشاركة بحرية في إدارة الشأن العام...
و بذلك أضحى تكريس مبدأ حقوق الإنسان، يقضي بضرورة سهر الدول على تساوي الفرص بين مواطنيها في الوصول إلى الشبكة العنكبوتية و ضمان حق الفئات المهمشة محدودة الدخل في ذلك.
و هكذا يكون توفير الويفي المجاني، تماشيا مع قرارات كل الهيئات الدولية التي دعت إلى تبني سياسات و تشريعات تشجع على الوصول إلى الإنترنت بشكل غير مقيد و غير تمييزي لجميع قطاعات المجتمع.

إذا فهذه المبادرة على بساطتها تحمل بين خباياها منافع جمة للبلاد و تمثل خطوة مدروسة ضمن رؤية إستراتيجية متكاملة، في إتجاه "تونس الذكية" و الديموقراطية. إلا أن هذا لا يخلو من عقبات كثيرة ليس آخرها التمويل، أو توفير فرص و دورات التكوين لاكتساب المهارات التكنلوجية و نشر وعي عام بين الناشئة بكيفية التعامل الحضاري معها. فالسعي إلى بعث لبنة لسوق رقمية في تونس و الحلم بجعلها منصة وصل بين أوروبا و إفريقيا و الشرق الأوسط مشروع، لكنه مشروط أيضا بتشريع حزمة من القانوانين التي تنظم التجارة الإلكترونية و تؤسس للأمن السايبري لحماية البيانات الشخصية للافراد، إذ أن تواصل مجموعات كبيرة من المواطنين عبر نفس الويفي يجعلهم أكثر عرضة للقرصنة و الاختراق. و هو ما يستدعي تشارك كل النخب السياسية و الإنتليجانسيا التونسية في الدفع بهذا المشروع الواعد الى الأمام، فلإن كان للنهضة فضل السبق فيه، فمازال شرف الصدق و الإجتهاد و الإبداع مفتوحا أمام الجميع لإستكماله، و في ذلك فل يتنافس المتنافسون.



   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments


7 de 7 commentaires pour l'article 161261

MOUSALIM  (Tunisia)  |Samedi 05 Mai 2018 à 11h 15m |           
الأحد 6 ماي 2018 .. التونسيون يقررون عدد البلديات بالويفي أو بلا ويفي .

Kamelwww  (France)  |Samedi 05 Mai 2018 à 10h 35m |           

يظهر الواقع "الجيوسياسي" أن الغنوشي هو الوحيد على الساحة القادر على الإبتكار والتجديد... ويبدو متقدما عن منافسيه "قيراتين" كاملين... وأصبح يكتسب كاريزما تعدت الحدود التونسية. وأعتقد أنه يجهز نفسه للإنتخابات الرئاسية للسنة القادمة.

طبعا، بما أن للغنوشي خلفية إسلامية، سيبدأ الضجيج والمؤامرات من الآن... وكالعادة سيبرع ويتألق العرب في المؤامرات عليه. وللتذكير ، التآمر أصبح جينا من جيناتنا العربية... فقد بدأ منذ الأمويين مرورا بالعباسيين وصولا إلى ملوك بني الأحمر في الأندلس، ومازال متواصلا إلى اليوم، ولنا في بعض دول الخليج أكبر دليل.


Bensa94  (France)  |Vendredi 04 Mai 2018 à 23h 08m |           
Le wifi Cest un projet de l'état , ça ne peut pas être une promesse d'un canditat pour des élections municipales,
Cette promesse est seulement pour les mairies ou ennahda gagne , pour les autres pas de wifi .
Le wifi pour tous oui , mais qui finance et qui paye .
Est ce que les citoyens sont prêt pour payer plus d'impôts pour avoir le wifi.
Il faut savoir que rien n'est gratuit , qui va payer ?

Mandhouj  (France)  |Vendredi 04 Mai 2018 à 21h 34m | Par           
Merci pour l'auteur d'avoir évoqué ce sujet avec des éléments de valeur.

Mandhouj  (France)  |Vendredi 04 Mai 2018 à 21h 29m | Par           
Il n'y a pas longtemps quand on parle de la justice sociale de l'égalité des chances, nous évoquons la question de la distribution des richesses. Aujourd'hui on parle de la distribution des richesses et du pouvoir et des savoirs. Gagner et conquérir la révolution numérique, c'est mettre des politiques publiques qui additionnant cette image 3D, cette réalité 3D, la redistribution des richesses, du pouvoir et des savoirs, le partage des richesses,du pouvoir et des savoirs. Sans ce partage des savoirs et des connaissances, le verbe avancer nous pourrons pas le conjuguer au pluriel, ensemble et pour nous toutes et tous. Si nos hommes et femmes politiques ne sont pas à ce niveau de comprendre les évolutions, nous reviendrons des sociétés déplacées, dégagées en dehors de l'ère du temps. Ceux et celles qui n'ont rien compris, ils n'ont qu'à dégager et laisser la société évoluer et innover. Sans la révolution numérique nous ne se placerons pas dans le temps humain. Le temps humain est un temps politique, Donc c'est une construction, une démarche, des choix à prendre et à réfléchir avant. Il nous est interdit de réfléchir notre avenir en dehors de la révolution numérique.

Mandhouj  (France)  |Vendredi 04 Mai 2018 à 20h 51m | Par           
La question de la gratuite, est une question d'investissement en amont. Qui peut ignorer ça !? Sauf un ignorant. Comme certains de chez nos politiques qui n'ont rien compris à l'évolution des sociétés. Nous sommes devant un choix de société. Une société qui se donne les moyens nécessaires pour combattre les fractures multiples qui frappent notre actuelle réalité.

Mandhouj  (France)  |Vendredi 04 Mai 2018 à 20h 45m | Par           
إما كفرد , كشعب , كدولۃ , كمجتمع (بمعنی شبكۃ علاقات و قيم) , إما أن تحتضن الثورۃ الصناعيۃ الرابعۃ في كل أبعادها , و تتمكن منها , أو أن تعزل نفس في كهف .. بمعنی تحشر كدولۃ نفسك و شعبك في غياهب التخلف و الردۃ للوراء .. التاريخ يصنع بآليات الحاضر و بالإستشراف.. نحن اليوم نعيش ال 4 G , غدا القريب ستدخل ال 5 G , حيز الإستعمال .. تخيل ماذا سيحدث عبر علاقاتنا حتی مع باقي آلات التكنلوجيا , حتی في المنزل ؟ كما يمكن أن نتفق بإختلاف إديلوجياتنا , بأنه لا ثورۃ صناعيۃ بدون ثورۃ إيكولوجيۃ , كذلك لا يمكن مواكبۃ الرقي و التقدم و محاربۃ الفوارق , في الوصول للمعلومۃ , في التمكن من الحقوق, بدون ثورۃ رقميۃ متمكنين منها .. Aujourd'hui la question de l' accessibilité ne peut être pensée en dehors de l'accès à un wifi de proximité et Aussi avec un wifi pour tous, nous serons devant des nouvelles fonctionnalités de l'espace public. Il y a beaucoup des choses à dire, ...


babnet
All Radio in One    
*.*.*