واشنطن بوست: بمعدّل 30 اضرابا وتحرّكا أسبوعيا..هكذا أصبح الإحتجاج روتينا في تونس

باب نات -
طارق عمراني - نشرت صحيفة واشنطون بوست الأمريكية بتاريخ 19 جانفي 2018 مقالا تحليليا عن الإحتجاجات في تونس و الأسباب وراءها وذلك تحت عنوان Why do Tunisians keep protesting?
وهذا نص المقال :
وهذا نص المقال :
شهدت تونس في بداية جانفي موجة اخری من الإحتجاجات ضد سياسة التقشف التي تضمنتها ميزانية 2018 وقد راوحت الإحتجاجات بين
السلمية والإنفلات الذي استهدف الممتلكات العمومية والخاصة قابلتها الحكومة بحملة اعتقالات واسعة ،وفي نهاية الاسبوع الماضي اعلن الرئيس الباجي قايد السبسي عن زيادة في المعونات والجرايات الموجهة للطبقات الفقيرة وتحسين أنظمة التقاعد والرعاية الصحية التي مازالت متردية في تونس.
لقد رأينا هذا من قبل ربما اكثر من الديمقراطية الإنتخابية في تونس الثورة، وهو إقتصاد الإحتجاج،و أمام هذا الإنتقال المضطرب والسلم الإجتماعي المتدهور عبّر التونسيون عن غضبهم من خلال مظاهرات واحتجاجات عارمة.
علی مدی السنوات الماضية قمنا بجمع بيانات عن الإحتجاجات وردود المسؤولين في حوارات مع الصحف المحلية التونسية ،وحسب صحيفة الشروق وهي يومية تونسية فإن تونس تشهد منذ جانفي 2011 معدل 30 احتجاج واضراب أسبوعي ومع تراجع الإحتجاجات والاضرابات في سنة 2014 بتحالف العلمانيين والاسلاميين فإنها ارتفعت بنسبة 87% سنة 2016 كما يبينه الرسم البياني وذلك لاسباب مختلفة اجتماعية واقتصادية

وتقوم العديد من الاحتجاجات في وجه المسؤولين المحليين أمام الفشل الذي اصبح روتينيا في الحوكمة الإجتماعية حيث تفشل البلدية في تعبيد طريق أو صيانته مثلا أو معمل لم يقم بصرف جرايات عماله لسبب مقنع والمدرسون مضربون عن العمل في المدارس لأسباب مادية.
في حوالي 15% من الحالات يتفاوض المحتجون عبر منظمات اجتماعية مع الحكومة ويتوصلون إلی حلول تنهي الخلافات في ذلك اليوم،ومع غياب دولة قوية ومتجاوبة ومعتنية أصبحت الإحتجاجات وسيلة روتينية ومجدية في بعض الأحيان خاصة اذا توفرت اطراف اجتماعية متفاوضة تكون واسطة بين المحتج والدولة.
كيف نفسّر عودة الإحتجاجات الإجتماعية في تونس؟
يری علماء الإجتماع أن التحول الديمقراطي كان فرصة لتحقيق العدالة الاجتماعية ونظريا فإن المشاركين في الإنتخابات سيصوتون للأحزاب التي تعدهم بتخفيض الاسعار ودعم المقدرة الشرائية وبالتالي فإن الطبقة السياسية مطالبة بأن تعيش اللحظة بمحاولة تلبية مطالب المحتجين للحفاظ علی مراكزهم السياسية في الدورة الانتخابية القادمة .
في تونس اين اندلعت الثورة في 2011 بسبب العدالة الإجتماعية ،مازال الشعب يعاني من التفاوتات الكبيرة وانعدام التكافؤ في الفرص حيث فشلت المفاوضات الإجتماعية الوطنية ،بما في ذلك التي جمعت الاتحاد التونسي للشغل ومنظمة الأعراف فلم يتواصلا إلی إصلاحات هيكلية ،كما زاد غضب الشارع بعد مصادقة البرلمان علی قانون مصالحة يكرس لإفلات المتورطين في الفساد في عهد النظام السابق من العقاب وهو قانون ينظر اليه شعبيا بأنه قانون يخدم رجال الاعمال علی حساب الفقراء والطبقة المتوسطة كما افشلت جهات حزبية وأخری رسمية مقترحات تنموية للنهوض بالمناطق المهمشة في تونس مثل برنامج في سنة 2011 لإعادة إستثمار وتوزيع عائدات الفسفاط في الحوض المنجمي بقفصة.
وأمام هذا الفشل يواصل المواطنون في الاحتجاج مع تنازلات غريبة من السلط المحلية لفتح الطرقات المغلقة من قبل المحتجين واعادة المصالح الإقتصادية للعمل ومع ذلك تظهر احصائيات أن احتجاجات 2011 اكثر تعنّتا وصمودا ورفضا للتنازل من تلك التي كانت تحدث في عهد بن علي لذلك تعاني تونس من ازمة اجتماعية وصلت طريقا مسدودا بين الحكومة والشعب.
ولذلك فمن المنطقي أن تحقق الإحتجاجات التي تقوم بالتعطيل الإقتصادي أهدافها أكثر ب75% من الإحتجاجات الأخری ويتمثل التعطيل الإقتصادي في إغلاق الطرقات وإحتلال المصانع بالإعتصامات وتعطيل المصالح العمومية و الادارات بالإضرابات أو تعطيل إنتاج المواد الطاقية والمنجمية حيث ادی غلق سكك قطارات شحن الفسفاط في قفصة إلی تراجع الإنتاج ب40 % مقارنة بفترة ما قبل الثروة ليتم انتداب عدد هام من المحتجين في الوظيفة العمومية... فإمّا التشغيل وإمّا تعطيل الإنتاج.. وكذلك كان الحال في الإحتجاجات التي حاصرت مراكز انتاج النفط في ولاية تطاوين جنوبا لأكثر من شهر في 2017 حيث تلقی المحتجون وعودا بتشغيل 3500 شابا من المدينة وتخصيص 80 مليون دينار لتنمية الجهة
وعن توزيع الإحتجاجات حسب الجهات المحتجة (منظمات،مجتمع مدني...) يبين الرسم البياني اسفله وجود توجّها كبيرا بعد الثورة للإحتجاجات غير المنظمة والتلقائية التي لا تنضوي تحت اي لواء من الوية المجتمع المدني وهو ما ترسخ مع الفراغ الأمني ومن بين هذه الاحتجاجات احتجاجات العاطلين عن العمل والذين منعوا تاريخيا من النشاط النقابي المنظم والغريب ايضا ان هذه الاحتجاجات العشوائية وصلت حتی الوظيفة العمومية فبعض القطاعات تحتج دون تبنّ نقابي لمطالبها ،وكانت الإحتجاجات التي تقودها اطراف اجتماعية تفاوضية قوية علی غرار النقابات العمالية صلب الاتحاد التونسي للشغل اكثر فاعلية وجدوی فيزداد احتمال تجاوب الدولة وتحقيقها لمطالب المحتجين بنسبة 40% عندما يكون الاتحاد وراء التحرك

من المؤكد أن الضغوطات المالية التي يعيشها الإنتقال التونسي مفهومة نظرا لارتفاع كتلة الأجور وضغوطات الجهات الدولية المانحة وهو ماتسبب في غياب منهجية اقتصادية واجتماعية واضحة لكن هذا لا ينفي دور الطبقة السياسية التونسية في الازمة فهي محكومة بالحسابات السياسية وتأثير جماعات الضغط واللوبيات المتحكمة في خيوط اللعبة و القادرة علی اسقاط اي حكومة بتوظيف الازمات وبالتالي فالساسة يسعون إلی كسب ود هذه الجماعات وهو مايفسر تنازلاتهم المؤلمة لشراء السلم الاجتماعية ومهادنة اتحاد الشغل
قد تدين الحكومة هذه المظاهرات التي تعطل الانتاج وتهدد الامن العام كما فعلت مع احتجاجات الاسابيع الفارطة لكنها مسؤولة بشكل او بآخر في التسبب في هذه الاحتجاجات فقد اعتبر المتفاوضون الاجتماعيون ان اجراءات الحكومة غير كافية ومن هنا يمكن لنا ان نتوقع موجة احتجاجات جديدة قريبا.
Comments
8 de 8 commentaires pour l'article 154839