هل المحاسبة من أجل التعذيب فرض كفاية اقتصرت على عبد الله القلال أم تمس الباجي قايد السبسي أيضا و الأخرون ؟

بقلم د.لمياء بنت عبد الله القلال
عجيب هو تصريح السيد الباجي قايد السبسي مدير الأمن الوطني و وزير الداخلية الأسبق و ابن وزارة الداخلية لمدة تفوق ال14سنة. عجبب و غريب ما صدر على لسانه حول قضايا التعذيب المرفوعة ضده التي تعود أفعالها إلى الستينات بأن لا فائدة في إحياء مسائل قديمة لا تدفع إلى الأمام , غريب بأن يرى قايد السبسي اليوم في فتح هذه الملفات مجرد إرادة لتحويل وجهة اهتمام الرأي العام و قد ورد هذا التصريح في جريدة المغرب يوم 11 مارس 2012 عن صحيفة جون أفريك.
عجيب هو تصريح السيد الباجي قايد السبسي مدير الأمن الوطني و وزير الداخلية الأسبق و ابن وزارة الداخلية لمدة تفوق ال14سنة. عجبب و غريب ما صدر على لسانه حول قضايا التعذيب المرفوعة ضده التي تعود أفعالها إلى الستينات بأن لا فائدة في إحياء مسائل قديمة لا تدفع إلى الأمام , غريب بأن يرى قايد السبسي اليوم في فتح هذه الملفات مجرد إرادة لتحويل وجهة اهتمام الرأي العام و قد ورد هذا التصريح في جريدة المغرب يوم 11 مارس 2012 عن صحيفة جون أفريك.
لا يختلف اثنان في بشاعة منظومة التعذيب و لا يشكك أحد في هول ما تعرض له أبناء شعبنا و عائلاتهم من تنكيل طيلة عقود مضت ؟ أفليس لليوسفيين الحق مثل غيرهم في معرفة الحقيقة؟ أليس لهم الحق و ذويهم في الإنصاف و طي صفحة الماضي في سلام بعد المسائلة و تحديد المسؤوليات؟ كيف لقايد السبسي أن ينعت ما عاشوه بالمسائل القديمة ثم ما أدراه بأن كشفها قد لا يدفع إلى الأمام؟
عجبي أن يصدر ذلك عن قايد السبسي بينما هو من كان أذن بإيقاف عبد الله القلال ثم بتتبعه و إدانته في قضايا تعذيب تعود أفعالها إلى عشرون سنة و رغم عدم توفر قرائن الإدانة ؟ ألم يكن ذلك إذا في سبيل إنصاف المظلومين؟ ما الفرق بين هذا و ذاك؟ أم أن المحاسبة من أجل التعذيب فرض كفاية؟
الحقيقة أن السيد قايد السبسي قد يكون فرط في فرصة تاريخية كبرى و لفتة رائعة في مشواره السياسي, فباعتباره وزير الداخلية الأسبق الأكبر سنا, من بين 24 وزيرا للداخلية لتونس و الذي لا يزال على قيد الحياة فهو فوت فرصة مصارحة شعبنا بحقيقة منظومة التعذيب البشعة و بفظاعتها و الاعتذار رسميا باسم الوطن لكل من ذاق ويلاتها و رفض بذلك فرصة للمصالحة مع ذاكرتنا و تاريخنا.

لا لم تكن للأستاذ قايد السبسي الشجاعة الكافية للاعتذار, لا بل هو أذن بطمس الحقائق وأقدم على مغالطة كبرى لتاريخ بلادنا عندما خير انتقاء عبد الله القلال لتقديمه ككبش فداء لمنظومة التعذيب فوقع التنكيل به إعلاميا لإدانته أمام الرأي العام قبل أن يقول القضاء كلمته ثم جاء الحكم جائرا و بدون أدنى دليل إدانة جزائية. و المريع في كل هذا أن اختيار عبد الله القلال و ما فعله به و بعائلته كان فيه الكثير من التشفي و الإنتقام.
فلقد تم إيقاف القلال في 10 مارس 2011 بأمر من الباجي قايد السبسي أسبوعا واحدا بعد جلوسه على كرسي الوزارة. ثم و كأن ذلك لم يكن كافيا بل قام بمعية ابن خالته و مدير أمنه الأسبق فؤاد المبزع يوم 14 مارس 2011 بإضافة اسم القلال على قائمة الأشخاص المعنية بمصادرة الأملاك و الحال أن القائمة لم تكن تشمله في مشروع مرسوم المصادرة عندما صادق عليه مجلس الوزراء المنعقد في 25 فيفري 2011.
ثم زل لسان السبسي بعد ذلك فسقط العجب عندما صرح يوم 5 أفريل 2011 علنا بمناسبة خطابه الأول أمام الهيئة العليا لحماية وتحقيق أهداف الثورة برئاسة ابن أخته السيد عياض بن عاشور في مقر وزارة حقوق الإنسان (مجلس المستشارين سابقا), صرح بما يفيد وجود حسابات شخصية مع القلال فقال: و كانكم على عبد الله القلال, فما خلا ما عمل في, أما أش علينا فيه . و هذا الخطاب بث على المباشر وهو مسجل للتاريخ.
ثم صرح السبسي بصداقته الوطيدة مع كمال اللطيف و هو العدو السياسي اللدود لعبد الله القلال إذا ما عدنا إلى رسالته الصوتية الشهيرة التي كان بعث بها لصديقه الوفي بن علي و أيضا إلى تصريح الكاتب و الصحفي الشهير و الجريء نيكولا بو الملم بكواليس السياسة في بلادنا.
كان إذا أن انتقى الباجي قايد السبسي عبد الله القلال من بين 24 وزيرا للداخلية فأراد ضرب عصفورين بحجر واحد: طي ملف التعذيب من جهة و الانتقام من القلال من جهة أخرى. و إلا فأين القضايا في التعذيب المرفوعة في 2011 ضد الوزراء الآخرون؟ و لماذا حفظت النيابة العمومية القضيتين المرفوعتين ضده من طرف الأستاذ بشر الشابي حول اليوسفيين من جهة و قضية الوردانين السوداء من جهة أخرى أين اتهم مدير أمن سابق الباجي قايد السبسي بإسداء الأوامر بالتعذيب و القتل بصريح العبارة ؟
هذه مغالطة أولى لتاريخنا لا ريب فيها و لعل في تصريح الباجي قايد السبسي الأخير مغالطة ثانية في حق شعبنا الذي كان أعطاه في يوم ما ثقته العمياء. أفليس قايد السبسي اليوم بصدد مغالطة هذا الشعب حين يستغل شعبيته و ويساهم في تأجيج وتيرة الصراع المؤسف بين ما أضحى يسمى بالعلمانيين و الإسلاميين لأغراض شخصية مثل الإفلات من المسائلة و العقاب؟ ألم يكن من الأجدى به تقديم الاعتذار عوض المغالطة؟
ليس بوسعي إلا أن أقدم اعتذاري شخصيا و باسم كل أفراد عائلتي عن كل صرخة نبعت من صدور ضحايا التعذيب و عن كل دمعة ذرفتها أم أو زوجة أو ابنة من أجل ما تعرض له فلذات أكبادهن و قد لا يغني هذا الاعتذار و لا يسمن من جوع و لكنه أقل ما يمكن القيام به في حقهم و الأكيد أنه لا يجوز البتة التقليل من شأن ما كانوا قد عاشوه.
الحقيقة أن مغالطات السيد الباجي قايد السبسي السياسية سجلها التاريخ وها أن ملف التعذيب يوجد اليوم بين يدي المجموعة الوطنية و تحت إشراف أولائك الذين عاشوا هوله طيلة عقود مضت , وقد تكون لهؤلاء اليوم الفرصة للمبادرة بمثل ما كان صدر سابقا عن رئيس جنوب إفريقيا نالسن ماندلا إبان خروجه من السجن من لقطة تاريخية بالغة في الروعة بوضع يده في يد جلاديه و رفض الانتقام و الانتهاء إلى المصالحة والوفاق.
Comments
37 de 37 commentaires pour l'article 46956