الحلقة 8: لا دِين، لا عقَل، لا لُغة: أيّ ساسة؟

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/62d055934ad9b0.28407214_lfioqnjpgkemh.jpg width=100 align=left border=0>




الإسلام والسياسة والحَوَل العقلي






كي نرجعو للخلل الأصلي، الخطيئة الأصلية اللي متسببة في التّيه الفكري والخُمول الروحي والفقر الاستراتيجي والفوضى السياسية، كي نرجعو لأصل الداء، للعِلّة وبِنت العِلّة، نلقاوه في سوء الرؤية للإسلام. وهالرؤية السيئة ما هيش رؤية المُلحدين، ماهيش رؤية الماأدريين، إنما هي رؤية المؤمنين أنفسهم. و الرؤية هاذي، المِحور متاعها هو التكرار و الإعادة والعودة إلى الوراء و المحافظة والاتّباع و التقليد.

القضيّة ما عادش يِلزمها تكون متعلقة بشكون يصَلي وشكون يصوم وعلاش الواحد يزَكي و لواش ماشي للحج، وإنما القضية يلزمها تكون متعلقة بشنوة يلزمني نعمل كمُصَلي، وشنوة يلزمني نقاوم بصيفتي مُزَكي، وشنِية بؤَر الخطر في حياة الإنسان المعاصر اللي يِلزمني نَقضي عليها بصيفتي حاج بيت ربي. في عُوض هذا وغيرو، ترى المسلمين راجعين بالتّوَالي بإتجاه الاستحمار والاستقراد والببغاىية. ما ثماش كان الحوَل متاع العينين آما هكة يكونو المسلمين حوِل متاع عقَل.
مِثال على الحوَل العقلي، اللي نسَمّيه بالفرانسوية stradisme mental وإلا esprit tordu:كي نشوفو اليوم (أسبوعين تُفصلنا على الاستفتاء على دستور 25 جويلية) الحراك اللي يحدث بين مُناصر لدستور قيس سعَيّد وبين رافض لنفس الدستور، نلاحْظو اللي الكُتل والأحزاب اللي يْنادِيو بدَسترة آليات محاسبة رئيس الجمهورية في ظِل نظام رئاسي (وهي حاجة باهية)، ماهُمش مُكونات باهية (نظرا لمواقفهم السابقة لـ25 جويلية المتسببة في برشة خًوَر، ونظرا لتحَالفهُم مع حزب النهضة اللي غالبية التوانسة زَعفُو منهُم، يعني نظرا اللي عندهُم برشة تخلويض). ونلاحْظو في المُقابل اللي الكُتل والأحزاب اللي يعتبرهُم مُعظم الناس باهين (لأنهم مع 25 جويلية) ساكتين على النقطة المَفصلية هاذي ( والسّكوت ماهوش حاجة باهية).
فبِحيثُ مُكونات سيئة تنادي بحاجة باهية، ومُكونات أبرِك من غِيرها ما تناديش بنفس الحاجة الباهية. الواحد ماعادش يِفهِم آش بيه الباهي يتصرّف هكة وآش بيه الخايب يتصرّف هَكة. وكأني بيهُم كلّ واحد يتصَرّف بالمقلوب، على عكس الطبيعة متاعو. الواحد ما عادش يِفهِم الباهي شنُوة اللي عندُو أفضل من الخايب، عدا تزكية سعيّد بلا قيد ولا شرط.
الحاصل، "حوِّس تِفهِم.



*
بُطئ الفكر الديني، و اللغة، والأفكار

ثَمة مرض ما اكتشِفُوش العبدولله. عليه إجماع الباحثين في تاريخ بلداننا العربية الإسلامية. المرض هو سرعة التاريخ بسبب صدمة الحداثة وفي المقابل بُطئ الفكر متاعنا. واللي يقول فكر يقول حاجتين: بطئ الفكر الإنساني الديني مع بطئ اللغة العربية في التعبير عن الحياة المعاصرة، بطئ يساوي التخلف لأنّ المتأخرين الاثنين (الفكر واللغة) موش قادرين على المَسك بناصية التاريخ وبالتالي موش قادرين على المسك بناصية العلوم.
هوني يبرز مشكل منهجي: لو ندَرّس الناشئة العلوم كِيما هي معروفة اليوم بدون اعتبار البُطئ المذكور، ماناش بش نوصْلو، ماناش بش نِتوَصّلو لإلحاق الثنائي فكر إنساني "ديني/ لغة" بالتاريخ. وإذا كان نحُطو نُصْب عِينينا اللّحاق، ما نجموش نكتَفيو بتدريس العلوم كما هي اليوم. آش يلزم؟ يلزم عِلم جديد، علم منهجي يكون الدَّور متاعو تكسير النسَق متاع هروب التاريخ عن الفكر الديني الإنساني واللغة.
في هذا المضمار، لازِم المجتمع الفكري، وطَبعا المجتمع السياسي، وخاصة أصحاب القرار السياسي في تونس المستقبل، تكون عَندهم آلية لتقريب المسافة شيئا فشيئا بين الهارب والمهروب بيه، بين السابق واللاحق. أكيد أنّ الحوَل العقلي و التخلويض السياسي بش يْفَرِّج علينا ربي منّو في صورة توَحدِت النُّخب المثقفة حول إيجاد الآلية هاذي.


*
تحالف المدرسة و الإعلام لإفشال السياسة


أمْر موش عادي في تونس أنّ اللي لاهين بالشأن السياسي في تونس موش السياسيين فقط وإنما عامة الناس أيضا. كيف ما عندنا 11 مليون مُدرب كرة قدم، عندنا 11 مليون سياسي. على عكس ما يتبادر للذهن، هاذي ماهيش سِمة إيجابية، ولا هي دالة لا على ذكاء التونسي ولا على وعي التونسي. هي دالة على انخراط التونسي في الاستلابaliénation ، أي أنّ العقل متاعو مْصُوبِر، مايِل بْعيد على نقطة التوازن، مِما يْلِزّو بش يلقى في الحديث في السياسة تعويض عن الرغبة في الحديث في مواضيع تهِمّو بِالحَق وبصفة مباشرة. والسبب في الاستلاب هذا أو التعويجة هاذي هو من غير شَك من الصنف التواصلي: الإخفاق في التعبير عن مو ضوع حياتي بلُغة طبيعية، بواسطة خطاب جِدّي لكِنو ماهوش مَشدود للرموز السياسية وللمُعجم اللي يعبّر عليها. وهاذي عينات من الرموز والعبارات: "رئيس" "وزير" "حكومة""برلمان" "حزب" "استقطاب" "توافق"؛ "انتخابات سابقة لأوانها" "إرساء محكمة دستورية" "كيفاش يكون العمل بالفصل 80" و هَلُمّ جرّا.
انتخابات سابقة لأوانها وإلا متأخرة عن أوانها، هذا أمر يهِمني ويهِمّ كل واحد لكن بصفة غير مباشرة موش بالمُباشَرَتية اللي يطرحو فيها بيها الناس العاديين. إرساء محكمة دستورية وإلا محكمة شرعية، هل هي من مشمولاتي ومشمولاتك يا مُوَظف ويا عامل ويا محترف كورة؟ كيفاش يكون العمل بالفصل 80، حكاية آنا ونتِ نجّمو نفسروها؟ هاذي أمور ومشاكل متاع سياسيين وخبراء في القانون، ماهُمش ينتظرو في العامل اليومي أو العَطار أو الخضار أو الحَماص أو البوليس أو الفِرمْلي أو حتى المعلم أو الأستاذ أو الأستاذ الجامعي، بش يحِلّهولهُم أو حتى بش يحكيوِ فيهم. ومازال الشعب مْواصل يخوض في موضوع 25 جويلية وفي 17 ديسمبر وما نعرفش آش بش يجي بعدو.
الحاصل، الخَوض في مثل هالمسائل بالحديث أو بالتفلسف والتخمين ما تهِزّش لبرّ الأمان، بل تهِز للحَرقة، للتيه، للضياع، للفقدان، للغرق، للفِينڨَة. تهِز للِّي أحنا فيه توة. يَعطيه الصحة المجتمع التونسي! خاض في هالمسائل وهَبِّط روحو في الهاوية!
هكة يكون المجتمع هو بنفسو طالب التغيير وهو بنفسو المُعرقِل للتغيير. نتيجة هالتشويش الدايِم على دوائر التخصص، نتيجة أنّ الناس الكل مادِّين لْسَاناتْهُم وهازِّين صوَابعهم و نافخين صْدوراتهم لنفس الشي ما هيش باهية. النتييجة أنْ يَهبِط على الشعب موضوع جديد، كل مرة، ما تقدِر عليه حتى هيئة أو حزب أو جهة، ولَو كانت الحكومة، لأنّ الموضوع توَسِّخ وقت اللي هُوَ في طريقُو ليهُم. نفّسونا يا ديني! نفّسو بعضكم! ابْعدو على بعضكم بش تنَجمو تتنَفسو بش تنَجمو تساهمو في إيجاد حلول لمشاكلكم و لمشاكل البلاد.
تنَجمو تتنفسو وقت تبدَاو بالخَوض في مشاكلكم بكل توازن. التوازن يجي بفضل الاستقلالية عن أهل الاختصاص السياسي وعن عن مركز القرار السياسي. الإستقلالية هي اللي تُلهِمكم باللغة الطبيعية اللي بش تعَبّرو بيها عن طموحاتكم و تطلعاتكم و مطالبكم. هكة تعبيراتكم الطبيعية بخصوص قضاياكم تَطْلَع من أسفل الى فوق، إلى حيث العقل السياسي ثم إلى مركز القرار السياسي، إلى حيث الدولة.
بعد ما شفنا المَخاطر متاع التعويجة العقلية وأسبابها ونتائجها القاتلة، نِستنتْجُو اللي الشعب بحاجة لأن يبدا يتعَلم و يِتدَرب من جديد بش يصَلّح العاهة اللي وصِفناها. لكن تدريب الشعب وتعليمو مسؤولية شكون؟ اللي فسّد الشعب هو اللي من واجبو يصَلحو. "اللي شبَكْنا يْخَلِّصنَا" كيف ما قالت الغناية. المدرسة؟ المدرسة علّمِت الناشئة، بش ما نبالغوش ونقولو علمتهم اللغة، علّمِتهم مبادئ التواصل باللغة وانتهى. ما علمتهُمش الخطاب السياسي المباشر، وهذا باهي. لكن المُعضلة تِتمَثل في كَوْن ضُعف التحصيل المدرسي في اللغات فسَح المجال لطَرَف ثاني بش يكَمّل يفسّد القليل اللي علّمِتّو المدرسة للناشئة. اليُوم المدرسة ممكن تساهم لكن موش تبادر ةَحَدها. موش هي تبادر بالناقص وطَرَف أخر يزيد يفَسّد. الإعلام؟ ما فيش شك هو مسؤول مع المدرسة عاللي آلت إليه الأمور.
الإعلام هو اللي فَكّ مُهمة "تعليم" اللغة من عند المدرسة ثم، بالخطاب التواصلي متاعو المنحاز للسياقات اللغوية السياسية، وبالمُبالغة في تخصيص ساعات بث (إذاعيا وتلفزيا) برامج السياسة على حساب الثقافة العامة والتحاور العلمي، وفي الكتابة الصحفية المُستَلبة هي زادة، انتشَل الخريجين متاع المدارس والجامعات وعمَلِّلهُم تحويل وِجهة، من فضاء مدرسي مُوغل في لغة الشعر القديم والأدب الميّت إلى فضاء سمعي بصري موغل في لغة التشنج السياسي.
الحاصل، لازم الإعلام نفسو (لأنّو هُو اللي بش يَرفع قراراتكم الى السياسيين ثمّ إلى السلطة) يُدخل للمدرسة من جديد، مدرسة المراجعة الذاتية والنقد الذاتي. لازم الإعلام يتعَلّم ما يحكيلكُمش على نتائج سبر الآراء أو على الوزير الفلاني أو على ضرورة تركيز هيئة كذا أو لجنة كذا بْهاك المُباشراتية المُعيقة.
الإعلام فيه وٍجه الأخبار وفيه وِجه التثقيف لكن الغلطة متاعو في إعطاءكم الخبَر على أنّو تربية وثقافة، بينما من المفروض كُلّ بِيت في كْراها. "نتائج سبر الآراء"، مَثَلا، خبَر ماهيش مادة تثقيفية. التثقيف حَول موضوع كيف ما اللي جا في هاك الخبَر ينَجّم يكون، مَثَلا، بعنوان "كيفية إبداء الرأي" وذلك بإمداد القارئ متاع الجريدة والمستمع متاع الإذاعة والمشاهد متاع التلفزة بمنهجية إبداء الرأي. وتكون سياقات إبداء الرأي ماهيش السياسة وإنما مواضيع الحياة في تفاصيلها الذاتية والعائلية والمَدَنية والأخلاقية وغيرها. ويكون الحَيّز الزمني لبرامج أو منشورات تثقيفية كيف هاذي أطوَل بكثير من الحَيّز المُخصص للخبر.
الإعلام اللي يِلزمكم هو هاك اللي يخاطبكم بلُغة تمَكِّنكُم بش تهِزو طموحاتكم و أُمنياتكم إلى مركز قرار الدولة، و بالتالي انتومة لازم تكون طموحاتكم و أمنياتكم مُعَبَّر عنها بصيغة حياتية موش بصيغة خشَبية.
اللي لازمنا كُلنا، بإعلامنا وبنُخَبنا وبمُدرّسينا وبمُوظفينا وبخُبرائنا المِهنيين، هو خَلق بطانة ما تحت بوتقة السياسة وهي اللي نسَمِّيها "طبقة الفهم والتفكير والقرار" اللي داخِلها يتِم توليد دعائم متاع سياسة تكون مَعَبَّر عنها بلغة مفهومة، أي بلغة القلب.

(يُتبع)

حمَيدة

للعودة إلى الحلقات السابقة:

الحلقة 1

الحلقة 2


الحلقة 3

الحلقة 4
الحلقة 5

الحلقة 6


الحلقة 7




Comments


1 de 1 commentaires pour l'article 249772

Zeitounien  (Tunisia)  |Jeudi 14 Juillet 2022 à 22:48           
إن الإسلام العظيم يقتضي الجمع بين الدين والسياسة. ومن فصل بينهما فقد نفى عن الله تعالى الحاكمية المطلقة وأشرك البشر في الحكم مع الله تعالى واتهم المولى عز وجل بالعجز عن التحكم في السياسة حاشا وكلا.


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female