بورقيبة ،،أيها الزعيم :إن أبناءك المزيفين يخونونك وينهشون لحمك

بقلم لطفي حجي *
وأنا أتابع أشغال جلسة مجلس نواب الشعب المخصصة لمناقشة موقف تونس من الوضع في ليبيا، صعقت لحجم التزييف - حتى لا أقول الجهل- لسياسات بورقيبة الخارجية ممن يدعون أنهم بورقيبيون.
وأنا أتابع أشغال جلسة مجلس نواب الشعب المخصصة لمناقشة موقف تونس من الوضع في ليبيا، صعقت لحجم التزييف - حتى لا أقول الجهل- لسياسات بورقيبة الخارجية ممن يدعون أنهم بورقيبيون.
وأول كذبة مخالفة لتصنيف الدبلوماسية التونسية كما أسس لها بورقيبة هي الحديث عن الحياد لمصلحة الوطن. كان بورقيبة سياسيا بارعا في رسم السياسات الخارجية وفي نحت العلاقات الخارجية حسب ما تقتضيه المرحلة والمصلحة، ولأن بورقيبة كان ذكيا وبارعا كذلك في السياسة فلم يكن يؤمن بالحياد ، لأنه يدرك تمام الإدراك أنه لا حياد في السياسة ولأن الحياد في السياسة يعني أن يلتقي الجميع ضدك، فيلحقون بك الضرر ولا تحقق أي نفع أو فائدة، وفي كل الحالات لن تجد من يدعمك منهم.
السياسة هي فن نسج العلاقات مع من ينفعك ويضمن مصالحك ، ومن هذا المنطلق فالسياسة هي الاصطفاف ضمن محاور ما ، لكن الاصطفاف لا يعني التبعية العمياء بل قوة الاصطفاف في أن تجيب عن الأسئلة الثلاثة، متى وأين وكيف، متى تصطف ومع من تصطف وكيف تصطف دون أن تذوب في أي دولة كانت أو أن تصبح تابعا لا موقف وطني لك. والإجابة الدقيقة عن الأسئلة الثلاثة ليست متاحة لأي سياسي، فضلا عن هواة السياسة، فقط يقدر عليها السياسيون المتمرسون البارعون الذين يمارسون السياسة بمنطق المصلحة الوطنية لا غير، وضمن استراتيجيا وطنية واضحة المعالم دون أن يكونوا أسرى للعوامل المعيقة لتلك المصلحة كالإيديولوجيا، والتوقف عند المعارك التاريخية، والاعتبارات القبلية الطائفية التي تحتكم إلى منطق انصر أخاك ظالما أو مظلوما.
إن الإجابة عن تلك الأسئلة وفق ذلك المنطق هي التي تجعلك تحافظ على وطنيتك في الوقت الذي تنسج علاقات متينة مع من تعتبرهم حلفاء. بهذا المنطق السياسي المحض لم يكن بورقيبة محايدا في أي ملف من الملفات السياسية منذ دخوله عالم السياسة. فبورقيبة كان في قطيعة فكرية وسياسية مع المقاومين الذين حملوا السلاح لمحاربة المستعمر ففكره لم يكن فكرهم ، ومشروعهم السياسي لم يكن مشروعه بالمرة ومع ذلك اصطف معهم بل وجههم وحرضهم على المقاومة والقتال لأنه كان ينظر إلى الهدف وهو تحرير البلاد فغلب تناقضاته مع المقاومين التي تفجرت بمجرد الحصول على الاستقلال .
وبورقيبة في ديبلوماسيته التحريرية كان مصطفا مع أطراف فرنسية ضد أطراف أخرى فكان يشهد له باللعب على تناقضات السياسيين الفرنسيين فيعارض عتاة المستعمرين أو من يسميهم أساطين الاستعمار ويصطف مع من يعتبرهم مع القضية التونسية أو من يسميهم الديمقراطيين الفرنسيين.
وبورقيبة كان يصطف مع قوى دولية ضد فرنسا عندما تضيق عليه الخناق الحكومات الفرنسية التي يصنفها متطرفة، بهدف كسب الدعم ضد فرنسا وأدوات الضغط التي يحقق بها مغانم لتونس ضد فرنسا، بورقيبة كان مع النقابات الأمريكية ضد النقابات الشيوعية الفرنسية ومن وراءها التي رأى إنها لا تعتبر مقاومة الاستعمار أولوية من أولوياتها. كما أن بورقيبة تحالف مع الأمريكان في مرحلة من مراحل سياسته عندما أيقن أنها علاقات يمكن ان يساوم بها الفرنسيين ويحقق مكاسب لا يحققها الحياد المزعوم. وبورقيبة وقف مع الأمريكان في حربهم في الفيتنام، ولم يمنعه من ذلك أنه ينتمي إلى حركة تحرير وطني، وكان هدفه هو تحقيق أهداف وطنية. ومن مواقف بورقيبة الأخرى التي لفتت إليه الانظار في رسم الاستراتيجيات والتكتيك معا هو موقفه اثناء الحرب العالمية الثانية الدائرة بين الحلفاء والمحور، وتحديدا خلال الاحتلال المحوري لتونس - الذي امتد من شهر نوفمبر سنة 1942 إلى شهر ماي من سنة 1943 - فقد كان المنطق الطبيعي آنذاك يدفع نحو وقوف بورقيبة إلى جانب الألمان حتى يحرروا تونس من الاستعمار الفرنسي، غير أن بورقيبة كان موقفه مناقضا تماما لذاك المنطق ، ففي الأسابيع الأولى من دخول الألمان إلى تونس راسل من منفاه بحصن سان نيكولا بفرنسا الحبيب ثامر القائم بإدارة الحزب الدستوري آنذاك وحذر قيادة الحزب من الوقوف إلى جانب القوات الألمانية وقد التزمت القيادة بموقف بورقيبة، وقد أنصفه التاريخ حين انهزم الألمان في الحرب.
لو قام بورقيبة من قبره واستمع إلى هؤلاء لضربهم بعكازه لأنهم بصدد إفساد مصالح تونس وقطع الطريق عن مكاسب المستقبل بالإضافة إلى تطبيقهم لأجندات خارجية واضحة في الوقت الذي ينادون فيه بالحياد استنادا إلى بورقيبة.
روى لي أحد وزراء بورقيبة أنه في آخر مرحلة حكومة محمد مزالي سنة 1986 عاشت تونس صعوبات اقتصادية بما أثر على قيمة الدينار وعلى مخزون العملة الصعبة. فتم تكليف محافظ البنك المركزي حينها إسماعيل خليل بمهمة للتفاوض مع صندوق النقد الدولي لإيجاد حل عاجل للوضعية الاقتصادية، وحين عاد من مهمته انعقد مجلس وزاري كانت أهم نقطة في جدول أعماله هي الاستماع إلى تقرير عن مهمة إسماعيل خليل ، في نفس الاجتماع تدخل وزير الوظيفة العمومية المازري شقير تدخل لعرض تقرير عن زيارته لدول افريقية منها الزمبابوي، استمع إليه بورقيبة بامتعاض ولما أنهى حديثه التفت بورقيبة إلى إسماعيل خليل وخاطبه بالقول: "يا سي إسماعيل عندما يسألك مدير صندوق النقد الدولي عن الوضع في تونس قل له الزمبابوي تسلم عليك"
رغم أن مواقف بورقيبة معلنة وواضحة سيحز في نفسه بالتأكيد أن من يتاجرون باسمه اليوم خانوه حيا وخانوه ميتا، خانوه حيا حين ابتلعوا السنتهم واختفوا عندما قمعه الدكتاتور المخلوع وأهانه وهو في ارذل العمر ولم يراع تاريخه وزعامته. وخانوه ميتا حين حرفوا مواقفه وهم يدعون أنهم يعيشون في جلبابه.
نم قرير العين يا بورقيبة فالتاريخ سجل أنك أكبر منهم فأنت السياسي الذي اصبح جزءا من تاريخ تونس لن يقدر على محوه أحد هما اختلف معك ، كما لن يقدر على المتاجرة بمواقفك المعلنة تجار السياسة الذين لا يميزون بعد بين الوطنية والعمالة .
* إعلامي تونسي
Comments
1 de 1 commentaires pour l'article 204642