تعدد التزكيات الشعبية والنيابية المشبوهة.. لماذا تتهرّب الايزي من تحمّل المسؤولية؟

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/5d57a315256d72.73499303_epojhqgnilkmf.jpg width=100 align=left border=0>


بقلم: شكري بن عيسى (*)

لعلّ أسوأ ما يحبط المواطن هذه الايام في مسار انتخابي مصيري، هو ازدياد الشبهات بعدم أهلية عدّة ترشّحات للرئاسية، بعد موجة التزكيات المزوّرة التي ارتفعت وتيرتها الساعات الاخيرة، في مقابل لامبالاة قاتلة من الهيئة المسؤولة على الانتخابات، ازدادت خطورتها بتصريح أحد أعضاء الهيئة، برفض نشر التزكيات البرلمانية للمترشحين للرئاسة، بتعلّة المساس بمعطيات شخصية، بعد تأكيد سابق بنشرها يوم الجمعة.





فبعد افادة عادل البرينيصي، عضو الهيئة، لوكالة تونس افريقيا للانباء، الخميس 15 أوت الجاري، بنشر قائمة النواب الذين قاموا بتزكيات لمترشحين للانتخابات الرئاسية، احتراما لحقّ المواطنين في النفاذ للمعلومة، تراجعت الهيئة عن هذا الالتزام، الجمعة 16 أوت، عبر تصريح لعضوها محمد المنصري التليلي، تحت تعلّة عدم اتخاذ الهيئة قرارا بخصوص النشر المذكور، ما أثار حفيظة قسم واسع من الرأي العام، والجمعيات العاملة في الشأن الانتخابي، واضطرها لتقديم مطالب نفاذ للمعلومة في الخصوص.



يبدو أنّ الضغط الذي مارسه عدة نواب من المعنيين بالتزكيات المذكورة، أخضع الهيئة للرضوخ واخلاف الوعد الذي قدمه عضوها البرينيصي، وحتى عذر "المعطيات الشخصية" دحضه رئيس هيئة النفاذ للمعلومة عزالدين الحزقي، وفي خصوص توجيه الطلبات للبرلمان، فهذا الحقيقة ان دلّ على شيء فهو يدلّ على ارتباك، لا يليق بمؤسسة سيادية "عليا"، لا سلطان عليها الا القانون وهي الضامنة أساسا لشفافية المعطيات المتعلقة بالانتخابات.

فلا يكفي أنّ الدستور يضمن الشفافية والنفاذ للمعلومة، فانّ من معايير الانتخابات النزيهة (بل أبرزها على الاطلاق) هو شفافية المعطيات، اذ لا امكانية للاختيار (بالنسبة للمواطن) وضمان سيادة القانون في ظل العتمة، وفضلا عن ذلك فمبدأ المراقبة والمساءلة يستحيل في غياب وضوح المعلومة في الوقت المناسب (السريع)، بعيدا عن المماطلة والتسويف والتعلاّت، والتزكيات سيما من النواب ليست بحال معطيات شخصية، خاصة في ارتباطها بالشأن العام وبالعملية الديمقراطية.


ومع تصاعد شبهات وتصريحات هنا وهنالك بوجود بيع للتزكيات بمئات الملايين، من حق المواطن والمنظمات المدنية المعرفة الكاملة لتفاصيل التزكيات، لتسليط التدقيقات الضرورية في الصدد، واتخاذ القرار اللازم في خصوص بعض النواب، ولتقييم بعض الاحزاب، فعدة كتل حزبية زكّت أكثر من مترشّح للرئاسة، وهذا مثير للشكوك العميقة بشأن نزاهة التزكيات، مثل النداء الذي اعطى تزكيات للزبيدي ولسلمى اللومي والقروي، والنهضة التي زكّت مرشحها مورو زيادة على الجبالي وآخر(ين) وتحيا تونس التي منحت التزكيات لمرشحها الشاهد وكذلك الزبيدي..


غموض التزكيات البرلمانية والشبهات العديدة التي التصقت بها، عمقته المعطيات الجديدة بعد فتح تطبيقة التثبت من التزكيات الشعبية، التي تزايد حولها اللغط بوجود تدليسات عديدة، سواء أفرادا أو جماعات، مثل الفضائح التي وقعت في الانتخابات الرئاسية الفارطة، بتحويل قواعد بيانات كاملة في استباحة للمعطيات الشخصية، وتدليس للتزكيات، لفائدة مترشحين، لا نعرف لحد اللحظت مآلاتها، فالايزي صادقت على الترشحات والنتائج تم تثبيتها، ولم تبق سوى المسألة الجزائية..


واليوم هيئة الانتخابات لم تضف سوى أمر واحد، وهو انها ستتابع الامر وتوضّب الاستحقاقات القانونية اللازمة، مكتفية بدعوة كل من برز له من خلال التطبيقة الاعلامية، انه تمّ تدليس تزكيته، الى التوجه بشكاية للقضاء، الذي بدوره سيحيل الامر للهيئة، ولم نر الحقيقة جدّيّة وصرامة، واهتمام بالغ بقضية "سيادية" بالنسبة للانتخابات، اذ تدليس الترشحات حتى في حدود دنيا، لا يمكن بحال الصمت عنه وتجاهله، فالمترشّح الذي لا يكترث بوجود تدليس في تزكياته، او هو متورط بشكل مباشر في سرقة قواعد بيانات ادارية او مهنية، قانونيا وسياسيا واخلاقيا لا يمكن أن يكون على رأس الدولة، بل مكانه الحقيقي يصبح السجن لارتكاب جريمة يعاقب عليها القانون..



والامر لا يمكن تهوينه بوجود أخطاء أو سهو أو اغفالات، فالمسألة مبدئية بالنظر الى خطورتها، وبالنظر الى الرهان على اسمى منصب في الدولة، ولان التزكيات هي منطلق العملية الانتخابية، وما بني على باطل (بل على جريمة) لا يمكن أن ينبني عليه شيء قانوني، وهنا تصبح الهيئة ليست موصومة بالصمت والتهاون، بل متهمة بالتواطؤ وضرب نزاهة العملية الانتخابية في مرتكزها وأساسها، وهي تتهرّب حتى لا تتحمّل مسؤولية ولا تتحمّل أعباء، ما دامت مثل هذه التجاوزات والجرائم تمرّ مرور الكرام، ولا ينبني عليها طعون او تتبعات، ويتم اخضاعها لمعايير "الاثر" و"النتيجة" و"الجدّية"..

يأتي كل ذلك في مناخ انتخابي لا ضمانات فيه على نزاهة العملية الانتخابية، سواء فيما يتعلق بالتمويلات او الشفافية او حياد الادارة واماكن العبادة والمؤسسات التعليمية او المساواة وتكافؤ الفرص، بل ان الشبهات كبيرة حول المال السياسي الملوّث والاشهار السياسي والاذرع الجمعياتية للاحزاب فضلا عن الاعلامية، دون التغافل عن الترشحات من الحكومة التي بقيت دون موقف واضح، والحال أنّ التهم من الزبيدي (احد المعنيين) لاجهزة الدولة كان صاعقا، دون تحرّي ولا تحقيق من اي طرف بما فيها الايزي.


حيث مرّ تصريحه المدوّي دون أيّ تعاطي قانوني، سواء باثبات زيفه وترتيب الجزاء القانوني على ذلك، او ادانة الطرف الذي ارتكب التجاوز وترتيب ما يلزم من اجراءات قانونية، في المقابل (والاستغلال الفاحش لاجهزة الدولة انطلق بتوظيف الشاهد للمرفق العمومي الاعلامي في دعاية فجّة) اكتفت الايزي بانها سوف تصدر المعايير اللازمة للفصل في الامر، متفصّيّة من واجب مسؤوليتها على سلامة ونزاهة المسار الانتخابي برمته..


الزبيدي ذاته الذي استعمل وسائل الدولة وبنى ترشّحه على "تنظيم الجنازة" وأسطورة احباط محاولة انقلاب على السبسي في يوم الخميس الذي وقع فيه الهجوم الارهابي، واعلن استقالته عند تقديم ترشّحه، دون ان يقدّم الاستقالة لرئيس الحكومة، وفي ذلك مغالطة كبرى للراي العام، حيث بقيت وضعيته ملتبسة بين المعلن (الاستقالة) والواقع (الاستمرار في المنصب)، مع كلّ ما ينجرّ عن ذلك من تداخل بين الوضعتين، ولا نتحدّث عن الشاهد، الذي قدّم ترشّحه بعد سلسلة من "التدشينات"، توقف اثرها ليقدم الترشح، ويعود مباشرة الى استغلال منصبه وموارد الدولة والميزانية وما تحققه لينسبه لنفسه، قبل ان ينشره حزبه على صفحته الرسمية كمنجز لمرشّحه، في دعاية مكشوفة لم نر أيّ ردّ فعل حولها من أي طرف، وخاصة الايزي التي يبدو انها غير مكترثة كثيرا بتنظيم الامر.


كنا الحقيقة ننتظر سلبية من الايزي، لكننا لم نكن ننتظر ان تضع راسها في الرمل، وتجاري القضايا الحارقة بطريقة ردود الفعل الباردة، لتتحوّل كعادتها الى مجرد ماكينة لاحتساب الاصوات، في تعاطي اجرائي تقني، لا ينفذ لا لعمق القانون ولا لمنطوق الدستور في فصله 126، الذي يضع مسؤولية سلامة ونزاهة المسار الانتخابي، وليس الانتخابات فقط، على عاتق الايزي، وينظر للانتخابات كمناخ كامل لا بد ان تتوفر خلاله الضمانات الكاملة على سلامته ونزاهته، وهو ما يفرض على الهيئة العليا المستقلة، الخروج من انكماشها وانطوائها، الى دور أكثر فاعلية وتأثير، من أجل حماية المسار الانتخابي، وتجسيد الديمقراطية في عمقها، وعدم اختزاله في مجرد اجراءات شكلانية، تفتح الباب واسعا للتحيّل والغشّ وكل ممارسات التزييف والتحيّل على القانون، ولا تفضي الا لانتخابات غير سليمة سلفا !!

(*) باحث في القانون وفي الفلسفة


Comments


2 de 2 commentaires pour l'article 187517

Nouri  (Switzerland)  |Samedi 17 Août 2019 à 09:10           
هل يوجد في الدستور ما يجب فعله في هذه الحالة وعند من تقف مسؤولية تتبعها وتسليمها للقضاء ؟

Kerker  (France)  |Samedi 17 Août 2019 à 08:25           
من حقّ كلّ مترشّح أن يتثبّت في ذلك و من حقّه أن يرفض نتيجة الإنتخابات إن تأكّد من وجود الخلل و الإلتجاء إلى السّلطة القضائية لإبطالها و طلب إعادتها..


babnet
*.*.*
All Radio in One