قراءة أولية في التحوير الوزاري.. استنجاد بالاعراف وهروب للمجهول

بقلم: شكري بن عيسى (*)
التحوير الوزاري اليوم /السبت/ جاء فوريا، ردا على الاغلب على تصريحات البريكي، الذي كان الرأس الذي "طار" ولم يتجاوز في الحكومة نصف السنة، بعد أن هدد الجمعة 24 فيفري على بعض وسائل اعلام بالاستقالة، .
واذ لا نعلم ما طبيعة الخلاف الحاصل لحد اللحظة الذي دفعه للادلاء بتصريحات البارحة، ولا نعلم بطبيعة الضغوطات التي تعرض اليها قبل حصول الخلاف والخروج للعلن للتصريح البارحة في الاعلام، فان الثابت ان الشاهد حتى لو حاول البروز في وضع الرجل القوي والماسك بالامور فقد تعرت اليوم اكتافه، لأن الامر مرتبط باحد ابرز مكونات حكومة وثيقة قرطاج، فضلا عن أن البريكي كان أحد أعمدة الاتصال القوية المدافعة عن الحكومة، فضلا عن تمثيليه لحساسية سياسية (العائلة الموسعة اليسار الوطني الديمقراطي)، وزيادة فالتحوير مس في العمق بالتوازنات الاجتماعية الحاصلة بحلول ممثل رسمي لاتحاد الاعراف بدل نقابي.
جملة من الملاحظات العاجلة في الصدد يجدر التوقف عندها لمقاربة عامة لهذا التحوير المرتجل في عديد ملامحه:
أولا: اليوم اقالة البريكي والتوجهه لاسناد من اتحاد الاعراف بتعين احد قياداته وزيرا دليل ازمة حادة مع الاتحاد، ويبدو ان القطيعة تأكدت مع احد ابرز الاضلع التي تسند وثيقة قرطاج، فاليوم يتأكد بعد ازمة الاجور خروج اتحاد الشغل بصفة تكاد تكون كاملة، والبيان الصادر الجمعة 24 فيفري الذي يندد بالتهاب الاسعار ويطلب ايجاد حل للاحتداد داخل المؤسسات التربوية ويرفض الشراكة العامة الخاصة يصب في هذا الاتجاه، وتعويض وزير نقابي من وزير من اتحاد الاعراف للاستقواء يدل على حالة الوهن الحالي في الحكومة.

ثانيا: الشاهد بهذا التحوير يبدو انه خضع لضغوط النهضة (المباشرة وغير المباشرة)، خاصة بعد تهديدات زياد العذاري التي تناقلتها عديد التقارير الاخبارية، واكد الازمة القائمة بين امين العام شريك الحكم وكاتب الدولة الندائي الذي تم نقله لرئاسة الحكومة، أزمة القت بظلالها على الوزارة لاشهر واطلقت العنان للفوضى خاصة التهاب اسعار الخضر التي بقيت دون حل لفترة طويلة، بعد الخلافات الحزبية التي تعطلت معها دواليب الوزارة بشكل كبير.
ثالثا: ان الشاهد اذ خضع للضغط في خصوص كاتب الدولة للتجارة فانه لا يزال يتجاهل الانسداد الحاصل في التربية، ويبدو انه لا يزال يهرب الى الامام ويضع الراس في التراب حول المشاكل العميقة، في الوقت الذي تتصاعد فيه الضغوط الحادة على هذا القطاع الحيوي وعلى التونسي الى حد العجز عى التحمل، ولعب ورقة كسر العظم والمواجهة مع اتحاد انقطعت معه اخر الروابط يدل على اننا في وضع كارثي.
والعجز من مواجهة الحقيقة يبدو صارخا اذ التصادم مع الاتحاد لن تقدر عليها حكومة متداعية اصلا، بلا سند شعبي حقيقي فاقدة لشرعية الاداء ولشرعية منطلقها كحكومة ادعت "الوحدة الوطنية"، خاصة وانه خرجت ثلاثة احزاب وازنة (المشروع والوطني الحر وحركة الشعب) والاتحاد الذي تتازم معه العلاقة، وفي اطار متوتر مع اتحاد الفلاحة المكون الذي دعا في مارس الى ايام غضب واضراب عن تزويد السوق، وسيستعرض قوته ويبرزها في امر يخص عيش المواطن المباشر، اذ منتظر انقطاع لبعض الخضر والغلال وارتفاع في الاسعار المشتعلة اصلا.
اتحاد الشغل مباشرة لاعلان التحوير أقر انعقاد مكتب تنفيذي طارىء الاحد 26 فيفري صباحا، في حين كان الامين العام المساعد سامي الطاهري حادا في تعليقاته، معتبرا أن "التحوير الوزاري فيه كثير من التجاوز لوثيقة قرطاج"، منتقدا عدم استشارة الاتحاد وتعيين وزير من منظمة الاعراف على رأس الوظيفة العمومية وهو الذي "لم يتبوأ يوما منصبا في الوظيفة العمومية" حسب قوله، مشيرا الى ان "من يريد قبر الديمقراطية" هو من "يدفع للتصادم والمواجهة والفوضى في البلاد"، في اشارة لعدم التعامل بجدية بالاحتقان الحاصل في قطاع التعليم، والامور يبدو انها تسير نحو تعطل الحوار بين الطرف الحكومي والنقابي والازمة تلوح عميقة.
التفاعلات الاعلامية لمكونات الائتلاف الحكومي اقتصرت لحد كتابة هذا على افاق والنداء (شق حافظ) والجمهوري، وجاءت اغلبها سلبية، سفيان طوبال رئيس كتلة النداء النيابية اكد عدم استشارة حزبه بالتحوير الوزاري، وبانه تم اعلامه فقط بالتحوير قبل حصوله ببعض الدقائق، متحدثا في تصريح صحفي عن تطلب التحوير "حوارا مع الممضين على وثيقة قرطاج"، في حين اعتبر عصام الشابي امين عام الجمهوري الامر "مقلقا" بعدم استشارة حزبه حول الامر، أما القيادي في حزب افاق فوزي عبد الرحمان فذهب أبعد من ذلك، معتبرا في تصريح اعلامي ان التحوير "يمكن ان يهدد مستقبل حكومة الوحدة الوطنية".
والحقيقة أن حكومة الشاهد نشأت من رحم "اتفاق قرطاج" الذي تفتت ابرز مكوناته وتصدعت "فلسفته"، وروّجت لشرعية تجاوز سلبيات حكومة الصيد، لكنها اليوم واحلة في ازمة التربية وازمة المجلس الاعلى للقضاء وتعدد الاضرابات القطاعية والاحتجاجات الاجتماعية وتدهور الحريات بعد تقرير منظمة العفو الدولية الصاعق، مع عجز فادح في النظافة والبيئة مع تصاعد الاحتجاجات في صفاقس وقابس والمتلوي، فضلا عن عدم تحقيق اي منجز في مكافحة الفساد الشعار العريض الذي رفعه الشاهد، واليوم الفلاحين يعلنون الغضب ويدخلون على خط الاضراب، ورصيد الثقة المتآكل في منطلقه لهذه الحكومة ينضب، ومع التحوير الحاصل اليوم اتضحت ملامح العجز والاتجاه يبدو نحو المجهول الذي لا يمكن لاحد التنبؤ بملامحه!!
(*) قانوني وناشط حقوقي
Comments
8 de 8 commentaires pour l'article 138954