هند النعيرة: اسم لامع في عالم موسيقى "القناوة" يتجاوز الحدود الجندرية والثقافية ويلهم الأجيال القادمة من النساء

(وات/تحرير مريم مطيراوي) - في مدينة الصويرة المغربية، العاصمة الروحية لموسيقى "القناوة"، تربت وترعرعت طفلة صغيرة على إيقاعات هذه الموسيقى ونغماتها.
انجذبت هذه الطفلة إلى موسيقى "القناوة" الساحرة وحفظت عن ظهر قلب الرصيد الموسيقي لهذا الإرث الثقافي ( ما يسمى "الطرح" في ثقافة موسيقى القناوة) الذي نقله الأسلاف إلى أجيال لاحقة من شباب وشابات من انتماءات مختلفة .
انجذبت هذه الطفلة إلى موسيقى "القناوة" الساحرة وحفظت عن ظهر قلب الرصيد الموسيقي لهذا الإرث الثقافي ( ما يسمى "الطرح" في ثقافة موسيقى القناوة) الذي نقله الأسلاف إلى أجيال لاحقة من شباب وشابات من انتماءات مختلفة .
تعلمت موسيقى القناوة من خلال الاستماع إلى "معلمية" القناوة في الليالي التي تقام فيها طقوس هذه الموسيقى سواء في بيت خاص أو في الزاوية.
هي هند النعيرة، شابة تبلغ من العمر 28 عامًا، تُعدّ اسمًا لامعًا في موسيقى "القناوة". كانت مهووسة بعالم "القناوة"، وتعلمت العزف على آلة "القمبري" ( وهي آلة محورية في هذا النمط الموسيقي مستطيلة ذات ثلاثة أوتار غليظة) من دون أن يمرر لها "معلم القناوة" بطريقة مباشرة، هذا الإرث الموسيقي الثقافي.
واعتبرها البعض في مدينة الصويرة المغربية، فنانة عصامية، تعلمت موسيقى"القناوة" بالدربة والعزف المتواصل على آلة "القمبري" والآلة الموسيقية الإيقاعية "القراقب".
استطاعت هند أن تحجز لنفسها مكانة مرموقة في الساحة الفنية ونالت الاعتراف الاجتماعي والموسيقي بفضل صوتها الجوهري وعزفها المتقن على آلة "القمبري".
تحدت هند النعيرة الأعراف والتقاليد في المجتمع وفي عالم موسيقى "القناوة" التي يمارسها في العادة الرجال ويلقبون بالـ"المعلمية"، وأكدت من خلال إصرارها على العزف على "القمبري" أن هذه الموسيقى تتجاوز كل الحدود الاجتماعية والثقافية والجندرية.
وتُعتبر النعيرة ثاني عازفة على آلة "القمبري" في المغرب بعد أسماء حمزاوي في فرقة "بنات تمبكتو".
تستحضر هند النعيرة في مقابلات سابقة رفض عائلتها الشديد لعزفها على آلة القمبري، التي كانت قد استحوذت على تفكيرها. وقد بلغ هذا الرفض حدّ أن والدتها مزّقت أوتار "القمبري" الخاص بها، في تجسيد واضح للعقلية السائدة التي تحصر موسيقى "القناوة" والعزف على هذه الآلة المحورية في الرجال وحدهم، بوصفهم حَمَلة هذا الإرث الثقافي والفني.
لم يزدها هذا الرفض إلا تحديا، وواصلت النعيرة العزف دون انقطاع متسلحة بالموهبة والإرادة القوية وكسبت محبة مدينة الصويرة لها والجمهور من مختلف الفئات العمرية حتى أن عشاق "القناوة" منحوها لقب "المعلمة"، رغم أنها تعتبر أن هذا اللقب ثقيل جدا ويستوجب رضا جميع المعلمين الكبار .
وقالت هند في تصريحات سابقة إن "فن "القناوة "بحر واسع، ومهما لٌقبت بأنها " معلمة"، فبالنسبة إليها الأمر يتطلب أكثر من ذلك بكثير". ويدل ذلك على جهود هند النعيرة المبذولة في سبيل تطوير نفسها والتعلم المتواصل لإيصال موسيقى "القناوة" إلى أبعد الحدود.
بشعرها المموج ولباسها المتميز المزركش الذي يعكس هويتها الإفريقية والمغربية، تعزف ابنة مدينة الصويرة على آلة "القمبري" بحب وشغف، راجية أن يظل هذا الإرث الموسيقي محفوظا في الذاكرة الموسيقية والعقائدية.
تدرجت هندة النعيرة في الوصول إلى العالمية شيئا فشيئا، حيث شاركت في عديد المناسبات الفنية في عدد من البلدان خارج حدود المغرب. لكن هاجسها الوحيد يظل مرتبطا بنجاح أدائها أمام جمهور مهرجان القناوة وموسيقى العالم الذي يقام كل سنة في مسقط رأسها في مدينة الصويرة.
وقد أثبتت بالفعل فنانة موسيقى "القناوة"، نفسها في ثلاث مناسبات في مهرجان القناوى وموسيقى العالم، حرفيتها، وكسبت حب مدينة الصويرة وجمهور هذه الموسيقى في المغرب.
وسط هتافات وتصفيق حار، اعتلت هند النعيرة مؤخرا خلال اليوم الاختتامي لمهرجان القناوة وموسيقى العالم الذي انتظم من 19 إلى 21 جوان في دورته 26، منصة بمدينة الصويرة المغربية، في ساحة غصت بجماهير هبوا من مختلف أرجاء العالم لمواكبة فعاليات هذا المهرجان الذي ذاع صيته منذ تأسيسه وكان وجهة لمحبي الموسيقى الروحية والوجدانية.
وكانت عازفة "القمبري"، مستعدة لتحدي اعتلاء هذه المنصة ولفتت الانتباه منذ البداية بعرض فرجوي يجمع بين الرقص واستعمال "القراقب" و "الطبل" رفقة مجموعتها الموسيقية.
هتف الجمهور باسم هند النعيرة وتماهى مع الموسيقى، مستسلما لإيقاعات القراقب والأغاني التقليدية القناوية من بينها " لقناوي بابا ميمون" و"سيدي موسى مول الما".
هي نغمات تقليدية ذات طابع ديني تستحضر الأجداد والأرواح وتستعمل كوسيلة علاجية ولها طقوس خاصة إلا ان هذه الموسيقى غادرت فيما بعد أسوار الأماكن الضيقة التي تقام فيها وصارت نمطا موسيقيا يُغنى في المهرجانات وأخذت بعدا حداثيا يمزج بين الروحانيات والإيقاعات التقليدية والموسيقى المعاصرة.
وأثبتت هندة النعيرة تمكنها من عزف مختلف "الطرح" والنغمات التقليدية، مضيفة لمستها الخاصة بصوتها الجوهري وعزفها المتقن لآلة "القمبري" الساحرة، كيف لا وهي ابنة مدينة الصويرة، القلب النابض بموسيقى "القناوة".
تلهم النعيرة النساء المولعات بموسيقى "القناوة" وتدفعهن إلى تحقيق أحلامهن ومزاحمة الرجال في العزف على آلة "القمبري".ويبدو أن تأثير هند النعيرة على الفتيات أصبح جليا، حيث شاركت عدد من الفتيات في العزف على آلة "القمبري" في ساحات مدينة الصويرة التي لم تهدأ خلال فعاليات مهرجان القناوة.
ويشار أن لقب "المعلم" أو "المعلمة" يُطلق في المغرب على قائد الفرقة الموسيقية والذي يكون عادةً عازفاً ماهراً على آلة القمبري ومتمكنا أيضا من استعمال الآداة الموسيقية "القراقب" وهو بمثابة المرشد الروحي والموسيقي للفرقة.
وكانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" صنفت سنة 2019 موسيقى "الكناوى" المغربية ضمن قائمة "التراث الثقافي غير المادي للبشرية".
هند النعيرة، ستحل ضيفة مساء غد الأحد، 13 جويلية، لتعتلي ركح مسرح الهواء الطلق بالحمامات وتقدم عرضا فنيا لمحبي هذا النمط الموسيقي وعشاق القناوة، في سهرة مشتركة مع الفنانة الجزائرية سعاد ساطور وذلك ضمن فعاليات الدورة التاسعة والخمسين لمهرجان الحمامات الدولي التي افتتحت أمس وتتواصل إلى غاية يوم 13أوت 2025.
Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 311628