أيام قرطاج المسرحية 2024: عرض "العاصفة" من سلطنة عُمان: رؤية رمزية لوضع الإنسان في ظل الأنظمة الفاسدة

<img src=http://www.babnet.net/images/3b/6749a52cf20b84.93807563_knofgjpqhemli.jpg width=100 align=left border=0>


في إطار العروض الموازية للدورة الخامسة والعشرين لأيام قرطاج المسرحية (23 - 30 نوفمبر 2024)، تابع جمهور الفن الرابع مساء الخميس بدار المسرحي بباردو، عرضا من سلطنة عمان يحمل عنوان "العاصفة" من تأليف عماد الشنفري وإخراج عدي الشنفري وأداء الثنائي عبدالله مرعي وهشام صالح.

تدور أحداث المسرحية حول شخصين يعملان في ورشة خياطة حيث يمر وقتهما ببطء ويعانيان من الملل والضجر. يتطرق الحوار بين الشخصيتين إلى مشاكل حياتية معاشة مثل تراكم الفواتير وانقطاع الكهرباء وحالة الإحباط السائدة. وفي محاولة للهروب من هذه الأوضاع المرهقة، يقرران تنظيم عرض مسرحي تتجسد أحداثه داخل سفينة تواجه عاصفة هائلة.

...

وفي سياق هذا العرض المسرحي، يظهر القبطان كمجسد للسلطة بينما يعكس مساعده صورة الفساد والانتهازية. تتعرض السفينة لعاصفة شديدة، ويكتشف القبطان أن المحرك معطل وأنه لا يوجد قوارب نجاة. ورغم محاولات المساعد التخلص من بعض الركاب من الطبقة السفلى لإنقاذ السفينة، إلا أن الوضع يزداد سوءا، ليكتشف القبطان أن مساعده انحاز إلى الطبقة البرجوازية ولم يلتزم بالمصلحة العامة.

// الرمزية الجمالية في السينوغرافيا

استغل المخرج عدي الشنفري عناصر السينوغرافيا البسيطة بذكاء، حيث تم استخدام أدوات الخياطة مثل المكواة والمروحة الكهربائية وملابس معلقة في السقف كرموز للسفينة وما تحتويه من معدات محرك ومرساة، وغيرها من العناصر التي تشير إلى أن ما كان في البداية ورشة خياطة قد تحول إلى سفينة في وسط العاصفة. هذه الرمزية العميقة ساعدت على توصيل الرسالة بشكل فني وموحي لمكونات السفينة وأظهرت بوضوح رؤية المخرج الذي استخدم الدال والمدلول للإشارة إلى القضايا المطروحة. كما كان أداء الممثلين أساسيا في تجسيد هذه الشخصيات الرمزية، حيث أظهرت براعة في تجسيد تعقيد شخصياتهما فجاء العرض أكثر وعمقا ومعنى.

ولم تكن السينوغرافيا وحدها حاملة لدلالات رمزية، بل إن الأغاني المنتقاة للعرض وظفها المخرج بعناية لخدمة مقاصده في المسرحية مثل "إذا عطاك العاطي" للهادي حبوبة و"خذوا المناصب والمكاسب لكن خلولي الوطن" للطفي بوشناق، وهو ما عزز الرسالة السياسية والاجتماعية لهذا العرض.

وتثير المسرحية بشكل رمزي مسألة الهوية الوطنية من خلال فكرة السفينة التي تمثل الوطن والقبطان الذي يمثل الحاكم، بينما يعكس المساعد الحاشية الفاسدة. الركاب في السفينة يمثلون الشعب والمواطنين الذين يعانون من تهميش وعدم قدرة على المشاركة في القرارات المصيرية. هذا التوزيع الرمزي يعكس الواقع الاجتماعي والسياسي في العديد من البلدان العربية حيث يواجه المواطنون تقاليد اجتماعية غير عادلة وتقسيمات طبقية صارمة وفقدان حرية الاختيار.

ويطرح العرض قضية الفساد داخل الأنظمة السياسية حيث يظهر المساعد كرمز للخيانة والأنانية. أما رفض الطبقة البرجوازية تقديم أي مساعدة للقبطان في الأزمة فهو يعكس غياب التضامن في المجتمع ما يؤدي إلى تفاقم الأزمة وفقدان السيطرة على السفينة.

// والعبد... جدلية لا تنتهي

يُعيد المخرج في هذا العمل جدلية الصراع الفلسفي بين "وعي السيد" و"وعي العبد". ويتتاول عبر هذا الصراع الفروق بين ضمير الذي يتصرف وفقا لمصلحته الخاصة وضمير العبد الذي يعبر عن الوعي الجمعي والاحتياجات الأساسية للشعب. ومن خلال الحوار الدائر بين القبطان ومساعده يتكشف مفهوم الجدلية التي تنشأ عندما يواجه وعيان ذاتيان بعضهما البعض. وهذه الجدلية تتجسد في صورة رمزية بين القبطان الذي يحاول الحفاظ على السفينة وركابها بينما يسعى مساعده للاستفادة من الوضع على حساب الآخرين، ليجلس القبطان في النهاية محاسبا نفسه نادما على تسليمه مقاليد السفينة إلى المساعد الذي يمثل الخيانة.

وهذا الصراع بين القبطان ومساعده هو تعبير رمزي عن الصراع المستمر بين السلطة والفساد حيث يواجه القبطان وعيا ذاتيا متناقضا مع المساعد الذي يمثل ضمير الخيانة والانحياز للمصالح الخاصة. وقد جاءت مسرحية "العاصفة" محملة بالكثير من الدلالات والرموز الاجتماعية والسياسية والوجودية. وعكست معاناة المجتمعات والدول العربية التي تحتاج إلى صحوة لتعيد تحديد مكانتها في العالم من جديد.



   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 298351


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female