العودة المدرسية: آلاف الاطفال من ذوي الاعاقة في تونس يحرمون من حقهم في التعلم بسبب عدم توفر المدارس الدامجة

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/650add6d811b24.41456233_fmionlkjpeghq.jpg width=100 align=left border=0>


(تحرير مريم مطيراوي/وات) - في الوقت الذي عاد فيه اكثر من مليوني تلميذ وتلميذة الى مقاعد الدراسة في بداية السنة الدراسية الجديدة، يقبع "ياسين"، طفل متعدد الاعاقات، في المنزل الى جانب امه التي تحاول ببعض الادوات المدرسية والمحامل البيداغوجية تعليمه بعض الاحرف والالوان والاشكال.

"ذنب ابني الوحيد أنه ولد حامل لاعاقات" هكذا تحدثت الينا ام "ياسين"، التي اختارت ان تُبقي ابنها في المنزل وتعتني به وتتولى تعليمه بنفسها. واضافت قولها "لم يكن قراري في التخلي عن حياتي الاجتماعية سهلا في البداية، لكن ما عشته من صعوبات في ايجاد مكان لابني البالغ من العمر 13 سنة في المدارس العمومية او حتى في المراكز الخاصة جعلني امام خيار وحيد وهو ابقاؤه في المنزل".





وتابعت بالقول "لقد تعرض ابني الى شتى أشكال التمييز داخل المؤسسات التربوية العمومية والخاصة، فالدولة لا تعترف باطفالنا المختلفين ولا توفر لهم فرصة التمتع بابسط حقوقهم كمواطنين .. فنحن اولياء الاطفال حاملي الاعاقة او المصابين بطيف التوحد او الذين يعانون صعوبات في التعلم بصفة عامة نتعرض الى إنهاك نفسي ومادي مضاعف حتى يتمتع اطفالنا بابسط حقوقهم في التعليم.

نسبة تمدرس الاطفال ذوي الاعاقة محدودة ولا تتجاوز 5 بالمائة
يتخلّف الالاف من الاطفال حاملي الاعاقة عن الالتحاق بالمدراس بسبب عدم قدرة المؤسسات التربوية على توفير فرص لادماجهم وتمكينهم من حقهم في التعلم، حسب التقرير الوطني حول وضع الطفولة الصادر عن وزارة الاسرة في ماي 2022، والذي اشار الى ان "عدد المتمدرسين من ذوي الاعاقة محدود جدا مقارنة بالالاف الذي لا يشملهم حق التمدرس سواء لعدم توفر المدرسة الدامجة او لعدم تحقيق الظروف المراعية لانواع الاعاقات او البعد الجغارفي".

"ولا تتجاوز نسبة التمدرس للاطفال ذوي الاعاقة 5 بالمائة رغم ترسانة القوانين المتوفرة في تونس والتي تضمن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في التربية والتعليم والاندماج"، حسب ما افاد به (وات) رئيس الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الأطفال معز الشريف.

واضاف الشريف ان "اصحاب الاعاقة في تونس مغيبون ومنسيّون من استراتجيات الدولة التي يجب عليها أن تفكر في وضع خطة شاملة تستجيب لاحتياجات هذه الفئة وتأخذ في الاعتبار الإمكانيات المتوفرة".

واعتبر الشريف ان تونس تفتقر الى استراتيجية واضحة تتعلق بادماج ذوي الاعاقة في المؤسسات التربوية، مشيرا الى ان جلّ هياكل الدولة وخاصة المدارس غير مؤهلة لاستقبال حاملي الاعاقة.

وقال "من المهم ان تشرع الدولة في رسم استراتيجية واضحة لعملية دمج هذه الفئة انطلاقا من اقرار اجبارية التصريح لدى وزارة الصحة بالاطفال حاملي الاعاقة وصولا الى ادماجهم في المؤسسات التربوية العمومية".

الدمج المدرسي: مسار معقد لا يشمل كل الفئات
ولاحظ عدد من الأولياء في لقائهم بـ(وات) أن عملية الدمج المدرسي بالنسبة للأشخاص ذوي الإعاقة في المؤسسات التربوية معقدة وتستوجب عدة شروط، ما يدفعهم إلى اللجوء إلى القطاع الخاص والمراكز المختصة لتعليم أبنائهم وتوفير الخدمات اللازمة لهم التي تتماشى مع نوع الإعاقة.

وقال والد طفل مصاب بطيف التوحد إن محاولة دمج ابنه المصاب باضطراب التوحد في المدرسة العمومية باءت بالفشل بسبب عدم تمكّنه من الحصول على بطاقة إعاقة وهو شرط ضروري لتقديم مطلب التسجيل إلى اللجنة المعنية، مشيرا أيضا إلى عدم تعاون إدارة المدرسة آنذاك ورفضها دخول مرافق لابنه داخل الفضاء المدرسي.

وأكد الأب أنه لم يحاول مرة أخرى تقديم مطلب في الغرض أو الحصول على بطاقة إعاقة درءا للعراقيل الإدارية وطول مدة الانتظار واتجه إلى القطاع الخاص لتعليم ابنه منذ سن 6 إلى غاية 16 سنة (عمره الحالي) رغم الكلفة الباهضة التي يتكبدها شهريا لدفع معاليم الدراسة والرعاية.

ويبرز دليل "التربية الدامجة في قلب دينامكية التنمية المحلية" الصادر سنة 2022 عن المنظمة التونسية للدفاع عن حقوق الأشخاص ذوي الاعاقة بالشراكة مع وزارة التربية أن عملية الدمج المدرسي تتطلب أولا الحصول على بطاقة إعاقة لإعداد ملف يحتوي على وثائق أخرى ومطلب موجه للإدارة الجهوية للتعلم وفي صورة قبوله يتم إحالته إلى قسم النهوض الاجتماعي وصولا إلى مرحلة التقييم التي يُستدعى فيها الولي من طرف أخصائي نفسي بقسم النهوض الاجتماعي لتقييم الوضع النفسي لطفله قبل عرض الملف على اللجنة الجهوية للأشخاص ذوي الإعاقة.

أوضح المكلف بمأمورية لدى وزارة التربية هشام الشابي في تصريح لـ(وات)، أن الفئات المعنية بالدمج في المؤسسات التربوية العمومية تتمثل في أصحاب الإعاقة العضوية والإعاقة السمعية مرفقة بآلة سمع والإعاقة الذهنية من الصنف الخفيف (يحددها الخبراء) بالإضافة إلى الإعاقة البصرية (فقدان أو ضعف البصر) وأطفال التوحد إذا توفرت فيهم الشروط على غرار الحصول على بطاقة إعاقة التي تُعد شرطا أساسيا لتقديم مطلب الدمج المدرسي.

وأشار إلى أن وزارات الصحة والشؤون الاجتماعية والتربية تصدر مع اقتراب كل سنة دراسية تربوية وتحضيرية جديدة منشورا مشتركا لدعوة اللجان المعنية للاجتماع ودراسة الملفات في مرحلة أخيرة.

وجاء في المنشور الأخير الصادر في 17 أوت 2023 أن "المواعيد المنظمة لمختلف العمليات والإجراءات الخاصة بالدمج تضبط من قبل المندوبية والمديرين صلب وزارات التربية والشؤون الاجتماعية والصحة المعنيين بالأمر على ألا تتجاوز موفى شهر أوت 2023 وتتم عملية التسجيل بالمؤسسات التربوية تبعا للمواعيد المضبوطة التي تحددها المناشير الصادرة عن وزارة التربية المتعلقة بالتسجيل وتأكيد التسجيل"، على أن تبقى اللجان مفتوحة للنظر في مطالب الدمج على امتداد السنة الدراسية".

وينص المنشور على العمل على مواصلة تجويد عملية الدمج بالمدارس الابتدائية وبالمدارس الاعدادية والمعاهد الثانوية العمومية والخاصة وتهيئتها لاحتضان التلاميذ المعنيين في مفتتح السنة الدراسية 2023-2024 ووجوب توفير الظروف الملائمة لضمان حق هذه الفئة في الدمج المدرسي وحقهم في العملية التربوية على قدم من المساواة مع غيرهم من التلاميذ.

وقال الشابي في ذات التصريح إن نصا قانونيا سيصدر قريبا لينظم عملية دمج مختلف الصعوبات التعليمية في مفهومها الواسع على غرار صعوبات واضطرابات التعلم والتوحد فضلا عن طرح هذا القانون لتطويعات بيداغوجية جديدة، وذلك من أجل تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص والأخذ بعين الاعتبار بل المشاكل التي يتعرض لها التلميذ "المختلف".

وبخصوص عملية تكوين الإطار التربوي في تعليم ومرافقة الأشخاص ذوي الإعاقة، أشار الشابي إلى اهتمام وزارة التربية بهذه المسألة، حيث انطلقت في تكوين موجه للمدرسين الذين لديهم تلاميذ من ذوي الإعاقة في تونس الكبرى كتجربة أولى.

وكانت السنة الدراسية 2021-2022 شهدت دمج 4893 تلميذا من ذوي الإعاقة في المرحلة الابتدائية و2090 في المرحلتين الاعدادية والثانوية، حسب ذات المتحدث.

كما اعلنت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن عن سعيها خلال السنة الدراسية 2023 - 2024 إلى دمج 600 طفلا من ذوي طيف التوحد في رياض الأطفال العمومية والخاصة في إطار تنفيذ البرنامج الجديد لدمج الاطفال ذوي طيف التوحد ضمن مؤسسات الطفولة الذي لا يزال في طور التجربة النموذجية.

وكان تم قبول 314 طفلا من ذوي طيف التوحد في رياض الأطفال العمومية والخاصة في السنة الدراسية المنقضية.
ومن جهتها أفادت وزارة الشؤون الاجتماعية أن هذه السنة سجلت انطلاق عمل المركز الدولي للنهوض بالأشخاص ذوي الإعاقة و24 مركزا نموذجيا للتربية المختصة بكل ولاية، مذكرة لانها أمّنت العودة المدرسية لفائدة حوالي 15 ألف تلميذ من ذوي الإعاقة بحوالي 312 مراكز تربية مختصة تابع للجمعيات العاملة في مجال الإعاقة.

عملية الدمج المدرسي تطلب توفر الموارد المادية والبشرية
ويضطلع مرافقو ذوي الإعاقة داخل الفضاء المدرسي بدور هام في عملية الدمج، وهو قطاع غير منظم ويتطلب تدخل وزارة التربية لتمكين هؤلاء المرافقين من حقهم في العمل اللائق فضلا عن ضمان جودة الخدمات المقدمة للأشخاص ذوي الإعاقة.

وأوضحت المرافقة المدرسية لذوي الإعاقة آية مولهي أن أغلب المرافقين/ات يشتغلون دون عقد وبأجر شهري زهيد جدا يدفعه الولي، مشيرة الى انه يمكن لأي شخص حاصل على شهادة الباكالوريا تلقي تكوين في مجال المرافقة من قبل احدى الجمعيات المهتمة بذوي الإعاقة.

وبينت أن مهمة وزارة التربية تتمثل بالأساس في عرض المرافق على أخصائي نفسي، الذي يمكنه من وثيقة تخول له ممارسة هذه المهنة داخل الفضاء التربوي دون أي شروط أخرى كضرورة الحصول على شهادة جامعية أو غيرها.

وقالت إنها تشتغل في الغالب بصفة تطوعية وإنسانية لمساعدة الأطفال المحتاجين، وذلك بعد أن تلقت تكوينا صلب الجمعية التونسية "فرح لإدماج أطفال التوحد وذوي الاحتياجات الخصوصية".

وعن عملية الدمج المدرسي، التي وصفتها الأم رفيقة منتصري ب"المغالطة الكبيرة في تونس" خلال حديثها عن وضعية الأشخاص ذوي الإعاقة داخل المدارس العمومية، فهي تحتاج سواء كانت كاملة أم جزئية، الى توفر موارد بشرية مختصة تدعم الفريق المدرسي على غرار الأخصائيين في تقويم النطق والكلام والتأخر الذهني والمدرسي والأخصائيين في الحركة العضوية وغيرهم حسب نوع كل إعاقة ومختلف اضطرابات التعلم.

واعتبرت في تصريح ل(وات) أن المُدرس وحده غير قادر على مرافقة التلميذ حامل الاعاقة، مشددة على أن وضعية الأشخاص ذوي الإعاقة تستوجب مزيدا من العمل وتضافر الجهود بين الدولة والمجتمع المدني إضافة إلى ضرورة تحسين البنية التحتية بالمؤسسات التربوية بما يتماشى مع حاجيات هذه الفئة.


Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 273557


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female