يوم أسود.. الدكتاتورية تطل برأسها

بقلم: شكري بن عيسى (*)
كل المنظمات الحقوقية والقانونية الدولية والوطنية انتقدته، واعتبرته في الحد الادنى يتنافى وشعارات مكافحة الفساد المعلنة من الحكومة، وزيادة فأغلب مراكز البحوث والدراسات الدولية حذّرت من تداعياته السياسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية الخطيرة، ومع ذلك فقد قضت هذا المساء الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين بعدم اسقاطه، بعد التسريبات الصادرة العشية عن نواب وقيادات في نداء تونس تم نفيها قبل أن تتأكد، ويصبح الخبر ثابتا بعد أن أصدرته وكالة الانباء الرسمية "وات".
كل المنظمات الحقوقية والقانونية الدولية والوطنية انتقدته، واعتبرته في الحد الادنى يتنافى وشعارات مكافحة الفساد المعلنة من الحكومة، وزيادة فأغلب مراكز البحوث والدراسات الدولية حذّرت من تداعياته السياسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية الخطيرة، ومع ذلك فقد قضت هذا المساء الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين بعدم اسقاطه، بعد التسريبات الصادرة العشية عن نواب وقيادات في نداء تونس تم نفيها قبل أن تتأكد، ويصبح الخبر ثابتا بعد أن أصدرته وكالة الانباء الرسمية "وات".
خبر أسود هذا المساء لمضمونه، الذي لا يسقط مشروع قانون المصالحة الادارية، ويحيله لرئيس الجمهورية للحسم (ختما واصادارا او ردا للمجلس) لتعذر حصول أغلبية، مشروع القانون الذي يبيّض الفاسدين ويشرعن الفساد (ان تم اصداره)، كما يقسّم البلاد وينذر بأزمة سياسية عميقة، كما يضرّ بصورة تونس أمام الهيئات المانحة والمستثمرين، بتأكيد عودة رموز الفساد واذرعة المخلوع الذين خربوا البلاد لمواقع القرار.
وهو أسود كذلك لما حفّه من ضبابية في اجراءات الحسم في الطعن بالدستورية، من خلال خرق القانون (الفصلين 20 و21 من قانون الهيئة) الذي لا يسمح بالتمديد الا لمرة واحدة باسبوع ومع ذلك تم التمديد خارج أجل الاسبوع دون نص واضح، وهذا مثار شكوك عميقة بوجود ضغوط حادة على هيئة الدستورية، برغم ما يتداول من "تجميد" الاجال للنظر في مسألة "تزوير الامضاءات"، التي اثارها نواب الوطني الحر الذين سحبوا امضاءاتهم من عريضة الطعن، ولأن أيضا صدور خبر عدم اصدار قرار من هيئة مراقبة الدستورية كان عبر قيادات ونواب من نداء تونس، أطلقوا عبر الفايسبوك احتفالات وعبروا عن انتشائهم منذ الساعة الرابعة تقريبا.
والامر كان فيه من الخرق لسرية مداولات الهيئة التي لا يجب أن يعلن عن قراراتها ومواقفها النواب والقيادات الحزبية، وتكون مداولاتها سرية وتعلن قرارها بالدستورية او بعدم الدستورية او بعدم التوصل لقرار عبر مؤسساتها الرسمية، ما يحيلنا الى نوعية الاحكام والقرارات التي يتم تسريبها للمستفيد لتبشيره او لابراز الالتزام باتفاق في الصدد، وهو ما يشكك في مصداقية الهيئة الوقتية ونزاهتها خاصة وأن الرهان السياسي لمشروع هذا القانون عالي، والأصل أن يتم سد كل الذرائع وعدم السقوط في مثل الذي تم، والأمر يتطلب تحقيق قضائي في "التسريبات" لفهم حقيقتها وأطرافها، والثابت أنّ الامر ان تمّ فهو مخالف للقانون ويثبت عدم الحياد والاستقلالية، ويمكن الطعن فيه قضائيا ويعتبر حينها "القرار" معيبا.
اليوم بعد هذا "القرار" يسجل المسار الثوري الُمصادِر والمسار الديمقراطي المعطّل انتكاسة كبرى، وعديد التقارير الحقوقية والبحثية صارت تتحدث بوضوح عن اطلال رأس الدكتاتورية، والتهديدات صارت واضحة وجلية للديمقراطية المتهاوية أصلا واخرها التقرير الصادر عن مركز البحوث "كارينغي"



والقرائن اليوم باتت حقيقية جدية قوية ومتظافرة عن عودة الدكتاتورية، وصورة اليوم في العالم عبر المواقع الدولية المرموقة صارت مثالا للوصم السلبي، والواقع صار فاقعا حول الانحرافات الكبرى في المسار السياسي الذي اصبح مختلا في جوهره، انطلاقا من عسكرة مواقع الانتاج الذي تم اتخاذه قبل اشهر (منذ ماي 2017)، وصولا الى تأجيل الانتخابات البلدية الى أجل الاغلبية لازالت تشكك فيه، مع استمرار ازمة "الايزي" التي اصبحت اليوم هيكلية، بسقوط مستوجب الاستقلالية في تأكيد لما اشار اليه الرئيس المستقيل شفيق صرصار في ماي 2017.
ولم تعد الادلة عن اختلال المسار الديمقراطي تخفى على ابسط الملاحظين، خاصة بعد حوار رئيس الجمهورية في 6 سبتمبر 2017 مع جريدة "الصحافة" الذي اعلن فيه انقلابا واضحا على الهيئات الدستورية المستقلة، انقلاب طال كل الدستور بالتشكيك في كامل النظام السياسي، الدستور الذي بقي في اغلبه معطّلا في ظل حالة طوارىء صارت دائمة، مع استمرار تعطيل ارساء المحكمة الدستورية الضامنة لعديد المقتضيات الدستورية، فضلا عن تعطيل ارساء هيئات دستورية اخرى اضافة لتنزيل السلطة المحلية، وفي جزء اخر بقي الدستور بلا مضمون عبر الخروقات الفاضحة.
والنظام السياسي صار فعليا رئاسيا ولم يعد رئيس الوزارء سوى مجرد وزير أول او سكريتير رئاسة، بعد تحوّز قرطاج بطريقة مقنّعة وفي احيان اخرى بطريقة معلنة بعديد سلطات القصبة، والتغوّل الرئاسي بات صارخا واخرها العودة لاستقبالات العهد النوفمبري والبورقيبي كما حدث في سوسة قبل ايام، وشاهية الرئيس "الحاكم بامره" اصبحت جلية للسبسي، خاصة وأن التداخل بين الادارة والشخص والمؤسسات التربوية والرئيس كان كبيرا، عبر تسخير وسائل الدولة في مدح الشخص وتسخير التلامذة القُصّر في الاستقبالات.
الفساد اليوم ينخر كل مناحي البلاد، وصار "حالة وبائية" وفق تقارير متعددة، واليأس والتشاؤم طال اكثر من ثلاثة ارباع الشعب حسب استطلاعات الراي، وفاجعة المركب الذي قضى فيه العشرات الاسبوع المنقضي تنبىء بواقع مرير، وتقلّص مساحات الحرية خاصة الفردية بتكرر الملاحقات القضائية في حق مدونين، او هيمنة شبكات الفساد على اغلب وسائل الاعلام النافذة وتوظيفها لمصالح اقتصادية وسياسية، ضربت الحقوق الاساسية في جوهرها وخاصة حق التعبير الذي صار مصادرا بشكل صريح في حالات عديدة ومقنّع في اخرى.
الحكومة اليوم يشغل عديد وزاراتها وزراء بن علي، والتصرّفات والممارسات القديمة تعود بصلاحيات اوسع، والعدالة الانتقالية يصار الى شرذمتها بشكل سافر، والاختراق طال حتى مجلسها بزرع التنازع المدمر داخله، والمسار مهدد في عمقه بعدم انشاء صندوق الكرامة وارساء الدوائر المتخصصة، واتمام اجراءات المصالحة المالية والاستجابة لطلبات الارشيف من وزارة الداخلية، والاسبوع الفارط المجلس الاعلى للقضاء (ممثل ورمزالسلطة القضائية) يقرر التوجه للقضاء بعد تهميش دوره ووظيفته.
مؤشرات صلبة ومتظافرة تصب في اطلال تنين الدكتاتورية برأسه المخيف، والانهيار الاقتصادي يزيد من احتمالات العودة الداهمة، في ظل الركود الاقتصادي الكبير والارتفاع الرهيب للمديونية وتصاعد العجز التجاري وعجز الميزانية، وانهيار الدينار واشتعال الاسعار وتصاعد البطالة وتآكل الطبقة الوسطى في اغلبها، مع تواصل التهديدات الامنية والهشاشة الاجتماعية بتعطيل التشغيل وتواصل الفجوة التنموية.
واليوم عدم اسقاط هيئة رقابة دستورية مشاريع القوانين لمشروع قانون المصالحة في ظروف مسترابة يعمق الاحساس بالتراجع على الديمقراطية في العمق، ويفتح البلاد على مرحلة احتقانات سياسية واجتماعية حادة، لا أحد يعرف اسرار منعرجاتها الخطيرة!!
(*) قانوني وناشط حقوقي
Comments
7 de 7 commentaires pour l'article 149376