اللص والكلاب

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/najibmahfoood.jpg width=100 align=left border=0>


بقلم مهدي الزغديدي
#‏كيفما_اليوم



في مثل هذا اليوم 30 أوت 2006 توفّي الروائي المصري نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل للآداب.



هو الأديب الذي أثارت رواياته الجدل رغم هدوء طبعه، وهو العربي الوحيد الحاصل على جائزة نوبل للآداب والتي هوجم كثيرا بسببها، وهو الأديب الذي تفتخر الدولة المصريّة به وبجائزته ورغم ذلك منعت نشر أحد أهمّ رواياته التي تحصّل بسببها على الجائزة، وهو الروائي الذي صوّر عمق الحياة المصريّة وشعبها ورغم ذلك اتهم بالمساس بثوابته وهويّته.

ولد نجيب محفوظ في 11 ديسمبر 1911 بحي الحسين بالقاهرة، وهو الحي الشعبي الشهير الذي عاش فيه أغلب طفولته وظهر تأثيره على رواياته. كان من عائلة مصريّة متوسّطة، حيث كان أبوه موظّفا لدى الدولة. عاش ثورة 1919 التي جعلت من مصر ملكيّة دستوريّة، ثم انقلاب الضبّاط الأحرار سنة 1952 وصعود الجيش على حساب العائلة المالكة، فكان تأثير هذين الحدثين واضحا في كتاباته. التحق بمدرسة بين القصرين الابتدائية، وبعد أن انتقلت الأسرة عام 1924 إلى العباسية، حصل على شهادة البكالوريا من مدرسة فؤاد الأول الثانوية، ثم على شهادة إجازة الليسانس في الفلسفة عام 1934 من جامعة القاهرة، وعمل بعدها موظفاً في وزارة الأوقاف.
بدأ الكتابة الأدبيّة سنة 1939 بنشر رواياته في مجلّة الرسالة، بأسلوب الرواية التاريخيّة. لكنّه تحوّل سنة 1945 إلى الرواية الواقعيّة الاجتماعيّة، والتي أصبحت ميزته. فكتب القاهرة الجديدة، وخان الخليلي وبداية ونهاية وثلاثيّته الشهيرة التي أثبت فيها موهبته في الكتابة: بين القصرين وقصر الشوق والسكرية، التي انتهى من كتابتها عام 1952، لكنه لم يتمكن من نشرها حتى عام 1956 بسبب ضخامة حجمها، وقد صوَّر فيها حياة ثلاثة أجيال: جيل ما قبل ثورة 1919، وجيل الثورة، وجيل ما بعد الثورة، كما رصد من خلالها حياة هذه الأجيال وأذواقها وأفكارها، ومواقفها من المرأة والعدالة الاجتماعية، والقضية الوطنية. ومع أنه بدأ الكتابة في وقتٍ مبكر، إلا أن نجيب محفوظ لم يلق اهتماماً حتى قرب نهاية الخمسينيات، فظل مُتجاهلاً من قبل النُقاد لما يُقارب خمسة عشر عاماً قبل أن يبدأ الاهتمام النقدي بأعماله في الظهور والتزايد، رغم ذلك، كتب سيد قطب عنه في مجلة الرسالة في 1944، وكان أول ناقد يتحدث عن رواية القاهرة الجديدة، فالسيد قطب أديب قبل أن يكون منظّرا لحركة الإخوان المسلمين. كما أشاد برواية خان الخليلي سنة 1945 في مجلّة الرسالة بأن اعتبرها أفضل من رواية عودة الروح لتوفيق الحكيم وأنها تتميّز بـ"بساطة الحياة واقعية العرض ودقة التحليل"، بالرغم ممّا جاء فيها من تعارض مع الثوابت الاسلاميّة على لسان الشخصيّات.

وتبقى رواية "أولاد حارتنا" هي أكثر الروايات التي اشتهر بها نجيب محفوظ، فقد توقّف عن الكتابة الأدبيّة مباشرة اثر انقلاب 1952، واهتمّ بكتابة سيناريوهات الأفلام. لكن لمّا رأى انحراف الضباط الأحرار عن أهداف ثورتهم، قرّر سنة 1959 العودة للرواية، وبدأ نشر رواية أولاد حارتنا في جريدة الأهرام. وهي رواية واقعية رمزية، تدور في أحد أحياء القاهرة كما هي معظم روايات نجيب محفوظ، لكنّه انتهج فيها أسلوبا رمزيا يختلف عن أسلوبه الواقعي وقد قال عن ذلك في حوار: ".. فهي لم تناقش مشكلة اجتماعية واضحة كما اعتدت في أعمالي قبلها.. بل هي أقرب إلى النظرة الكونية الإنسانية العامة". لكن لا تخلو هذه الرواية من خلفية اجتماعية فرغم أنها
تستوحي من قصص الانبياء الا انها نقد مبطن لبعض ممارسات الثورة وتذكيرا لقادتها بغاية الثورة الأساسية وقد عبر محفوظ عن ذلك بقوله:"فقصة الأنبياء هي الإطار الفني ولكن القصد هو نقد الثورة والنظام الإجتماعى الذي كان قائما." ممّا أثار حوله غضب علماء الأزهر والطبقة العسكريّة الحاكمة في آن واحد بالرغم من تأكيده المتواصل أنه لا يقصد بروايته المسّ من الثوابت المقدّسة في الدين. تسببت الرواية في أزمة كبيرة منذ أن ابتدأ نشرها مسلسلة في صفحات جريدة الأهرام حيث هاجمها شيوخ الجامع الأزهر وطالبوا بوقف نشرها، لكن محمد حسنين هيكل رئيس تحرير الأهرام حينئذ ساند نجيب محفوظ ورفض وقف نشرها فتم نشر الرواية كاملة على صفحات الجريدة ولكن لم يتم نشرها كتابا في مصر، فرغم عدم إصدار قرار رسمي بمنع نشرها إلا أنه وبسبب الضجة التي أحدثتها تم الاتفاق بين محفوظ وجمال عبد الناصر بعدم نشر الرواية في مصر إلا بعد أخذ موافقة الأزهر (وقد التزم بذلك نجيب محفوظ حتى مماته). فطُبعت الرواية في لبنان من اصدار دار الاداب عام 1962 ومنع دخولها إلى مصر رغم أن نسخا مهربة منها وجدت طريقها إلى الأسواق المصرية. وكُفر نجيب محفوظ بسبب هذه الرواية، واتهم بالإلحاد والزندقة، وأُخرج عن الملة. (نشرت دار الشروق المصريّة الرواية سنة وفاته في 2006 لأوّل مرّة).
وقد أثار نجيب محفوظ الجدل حوله مرّة أخرى عندما ساندة اتفاقيّة السلام بين مصر والكيان الصهيوني والتي تسبّبت في طرد مصر من الجامعة العربيّة، وفي غضب شعبيّ عارم. ولكن تبقي المحطّة الأبرز في مسيرته هي حصوله سنة 1988 على جائزة نوبل للآداب كأوّل عربي (والوحيد إلى اليوم) يتحصّل عليها. وقد أثار حصوله على الجائزة أيضا جدلا عميقا، فقد اعتبر البعض أنّ موقفه الداعم للتطبيع مع الكيان الصهيوني، ومسّه للثوابت الدينيّة في رواياته، أحد أهمّ أسباب حصوله على هذه الجائزة التي يراها البعض مسيسة. وقد تسبّبت له مواقفه ورواياته المثيرة في تعرّضه في أكتوبر 1994 للطعن في رقبته في القاهرة من طرف شابين، لكنّه نجا من محاولة الاغتيال بأعجوبة وتمّ إعدام الشابين. لكن تسبّبت له الحادثة في التوقّف عن الكتابة وهو الذي يعتبر القلم اصبعه السادس. وفي مثل هذا اليوم 30 أوت 2006، توفّي في القاهرة نجيب محفوظ، الذي صار أهمّ وأشهر الأدباء العرب في العالم بعد أن ترك العديد من الروايات التي تمّ تحويل العديد منها إلى أفلام ومسلسلات كاللص والكلاب، والكرنك، والسمان والخريف والحب فوق الهضبة…


Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 147106


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female