الملك العادل

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/zenkile1208x1.jpg width=100 align=left border=0>


بقلم مهدي الزغديدي
#‏كيفما_اليوم



في مثل هذا اليوم 12 أوت 1164 انتصر الملك نور الدين الزنكي على الصليبيّين في معركة حارم.



ولد نور الدين الزنكي سنة 1118. كان أبوه عماد الدين الزنكي أميرا على حلب، وقد لازمه حتى مقتله عام 1146، فأخذ عنه الامارة. كان الصليبيّون في تلك الفترة محتلّين مدينة القدس، ومقيمين بعض الإمارات حولها. وضع نور الدين نصب عينيه قتال الصليبيين وحلفائهم منذ بداية استلامه لإمارة حلب، وإنهاء جميع معاقلهم في بلاد الشام، وكان هدفه تحرير القدس، حتى أنه أمر أمهر الحرفيّين في الشام ببناء منبر سنة 1168 ليضعه في المسجد الأقصى بعد أن يقوم بفتح المدينة. فكان أوّل ما قام به ، بعد استلامه الحكم، هو استرجاع مدينة الرها من يد الصليبيّين. سبّب سقوط المدينة صدمة لديهم، فتوجّسوا خيفة من نور الدين أن يسترجع المزيد من الأراضي، فأمر البابا ايجين الثالث الصليبيّين بالتوجّه لمحاربته، فخرج ملك فرنسا لويس السابع على رأس 70 ألف فارس للتوجّه إلى مدينة بيت المقدس ومن ثمّ التخطيط لمهاجمة نور الدين الزنكي، فيما تعرف بالحملة الصليبيّة الثانية. وقرّروا مهاجمة دمشق والسيطرة عليها لشلّ امتداده. فتحرّكت قوّاتهم نحو المدينة سنة 1148، وفرضوا عليها حصارا بعد أن وجدوا مقاومة شديدة من الدمشقيّين. فتحرّك نور الدين وجنوده نحو حمص. خشي حاكم دمشق معين الدين أنر من أطماع نور الدين فاقترح على الصليبيّين تسليم بني ياس مقابل فكّ الحصار، ممّا أدخل البلبلة والاختلاف بينهم وتفتّت قواهم، واضطرّوا للتراجع. فسهّل ذلك على نور الدين الزنكي السيطرة على المدينة وضمّها إلى ملكه سنة 1154.

بعد فشل الحملة الصليبيّة الثانية، دبّ الخلاف بين الصليبيّين خصوصا في مدينة حمص (في سوريا حاليّا)، فاستغلّ نور الدين الفرصة واستولى عليها في معركة تعرف باسم عريمة. وخاض سنة 1149 معركة أنب التي سيطر بها على محيط مدينة أنطاكيا (في تركيا حاليّا) ذات الأهميّة التاريخيّة لدى الصليبيّين ممّا اضطرّ الإمارة لتوقيع هدنة معه والتي اعتبرت بمثابة الانتصار للمسلمين. وفي عام 1163، جمع نور الدين جيوشه وقام بالتوجّه إلى أحد الحصون الصليبيّة الشديدة في مشارف حمص والمعرف باسم حصن الأكراد، ونزل في منطقة تدعى البقيعة. لكنّه تفاجأ بظهور رايات الصليبيين في معسكره. وحاول جنوده دفعهم لكنهم لم يستطيعوا وكثر القتلى والأسرى في صفوف الجيش حتى وصلوا إلى خيمة نور الدين الذي خرج على عجل من خيمته، وحاول أحد الصليبيّن قتله لكنّه نجح في الانسحاب والتوجّه إلى مدينة حمص. فخشي الصليبيّون من أن يكون تحصّنه بحمص فخّا لهم فلم يهاجموه، لكنّهم ظنّوا أنهم قضوا على قوّته.

بعد أن اطمأنّ ملك بيت المقدس عموري الأوّل من انكسار شوكة نور الدين الزنكي، توسّعت أطماعه للاستيلاء على مصر التي يحكمها الفاطميّون، والذين كانوا يعانون في ذلك الوقت وهنا شديدا في حكمهم. وكان نور الدين الزنكي قد حاول بدوره استغلال هذا الوهن فأرسل سنة 1163 أسد الدين شيركوه صحبة ابن أخيه صلاح الدين الأيّوبي للاستيلاء على مصر. لكن الملك عموري الأوّل خرج سنة 1164 لمقاتلة أسد الدين بهدف الاستيلاء على مصر. أثارت هذه الخطوة الجريئة مخاوف نور الدين، فأسرع بشن حملات على الصليبيين في الشام حتى يشغلهم عن الاستعداد لغزو مصر. فجمع جنوده وطلب المدد من بقيّة الامارات الاسلاميّة فجاءته. وفي أوت 1164 ضرب حصارا على مدينة حارم (في إدلب حاليّا) التي يسيطر عليها الصليبيّون. فطلب حاكم قلعة حارم من الصليبيّين مساعدته، فانطلق جلّ الأمراء والقادة الصليبيّون لصدّ هجوم المسلمين. وفي مثل هذا اليوم 12 أوت 1164 التقى الجمعان ودارت ما يعرف بمعركة حارم. كان الصليبيّون منتشين بانتصارهم في معركة البقيعة ممّا جعلهم يغترّون بتفوّقهم. علم نور الدين الزنكي بذلك، فأمر جيشه في البداية بالتظاهر بالانسحاب، فظنّ الصليبيّون أن المسلمين انهزموا وفرّوا، فتبعهم الفرسان للقضاء عليهم ممّا جعلهم ينفصلون عن المشاة. فاستغلّ جيش المسلمين هذه الفرصة للانقضاض على المشاة والقضاء عليهم. فلما علم الفرسان الصليبيّون بالخطّة رجعوا، لكنهم لم يجدوا أحداً من المشاة الذي كانوا يحمون ظهورهم. ووقعوا في الكمين، مما أتاح للمسلمين أن يطبقوا عليهم ولم ينج من القتل إلا من وقع في الأسر. كما وقع جميع الأمراء والقادة الصليبيّين في الأسر الّا توروس الأرمني الذي استطاع الفرار منذ بداية المعركة. ويقول المؤرخ ابن الأثير إن قتلى الصليبيّين وصل الى 10 الاف قتيل.

أتاح انتصار معركة حارم لنور الدين الزنكي أن يزيد من توسيع دولته. وركّز على السيطرة على مصر. وقد أوكل هذه المهمّة إلى صلاح الدين الأيّوبي، بعد وفاة أسد الدين شيركوه. واستطاع صلاح الدين القضاء على الدولة الفاطميّة ووقف المدّ الشيعي سنة 1169. لكن الخلافات دبّت بين نور الدين وصلاح الدين حول طريقة محاربة الصليبيّين. ففي حين يرى نور الدين الزنكي أن الوقت قد حان لاسترجاع القدس من يد الصليبيّين، وأنه يجب عليه ترك مصر والبدء في مهاجمة بيت المقدس، كان صلاح الدين يرى أن الأولويّة هي هي نشر المذهب السني في مصر والقضاء تماما على الفكر الشيعي حتى تستقرّ البلاد، ثم البدأ في التحرّك إلى بيت المقدس. لم يقتنع نور الدين بوجهة نظره، ورأى أنه فتور من صلاح الدين لمحاربة الصليبيّين، فقرّر التوجّه إلى مصر لخلعه رغم تلقّيه رسالة اعتذار من صلاح الدين. لكنّ الموت كان أسبق من ذلك، فقد توفّي نور الدين الزنكي في دمشق يوم 15 ماي 1174 قبل التحرّك إلى مصر. ودفن هناك. بعد فتح القدس، قام صلاح الدين الأيوبي بتحقيق حلم نور الدين الزنكي لمّا وضع المنبر الذي بناه في المسجد الأقصى.
كان نور الدين الزنكي ينادى بالملك العادل، لما عرف عنه من حرصه على ردّ الحقوق لأصحابها، مهما كان شأنهم في المجتمع. وألغى جميع الضرائب و الأداءات، و اكتفى بجمع أموال الزكاة. وكان تقيّا ورعا حريصا على السنّة محاربا لكلّ مظاهر البدع التي انتشرت في ذلك الوقت من الصوفيّة والشيعة. ويقول عنه ابن كثير في هذا الصدد في كتاب البداية والنهاية: "كان يقوم في أحكامه بالمعاملة الحسنة واتباع الشرع المطهر.. وأظهر ببلاده السنة وأمات البدعة". أما ابن الأثير فيقول عنه في كتاب الكامل في التاريخ (جزء 11): "قد طالعت سير الملوك المتقدمين، فلم أر فيهم بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز أحسن من سيرته، ولا أكثر تحريا منه للعدل".


Comments


1 de 1 commentaires pour l'article 146380

BenMoussa  (Tunisia)  |Dimanche 13 Août 2017 à 20:24           
"ونزل في منطقة تدعى البقيعة. لكنّه تفاجأ بظهور رايات الصليبيين في معسكره. وحاول جنوده دفعهم لكنهم لم يستطيعوا"
كلام غريب لا منطقي ولا يستقيم فكيف تظهر الرأيات المعادية في معسكره؟ هل هي خيانة؟ ام ان القائد والجنود نيام حتى وطءهم العدو؟
هذا المقال من اضعف ما كتب الكاتب الى حد الان بعيد عن الواقع يكتنفه الغموض في جوانب عدة


babnet
*.*.*
All Radio in One