أحبك يا شعب

كيفما اليوم 5 ديسمبر 1952 تم اغتيال المناضل والزعيم النقابي التونسي فرحات حشّاد.
ولد فرحات حشاد يوم 2 فيفري 1914 في بلدة العباسية في جزيرة قرقنة. دخل المدرسة الفرنسية في سن السادسة وحصل على الشهادة الابتدائية عام 1929. اضطر بعد وفاة والده الي ترك المدرسة والعمل لدي إحدى شركات النقل البحري في مدينة سوسة، حيث استطاع في فترات لاحقة أن يصقل شخصيته وينمي معارفه النقابية والثقافية والسياسية عن طريق المطالعة والتثقيف، فترأس نقابة أساسية للعمال تابعة للمنظمة الفرنسية للاتحاد العام للعمل "سي جي تي"، إلى أن اضطر لترك وظيفته بسبب هذا النشاط في عام 1939. خلال الحرب العالمية الثانية تطوع للعمل مع منظمة الهلال الأحمر لرعاية الجرحى، ثم عمل موظفا حكوميا في قطاع الأشغال العمومية في مدينة صفاقس عام 1943. وهناك استأنف نشاطه العمالي في اتحاد عمال صفاقس وتزوج في نفس العام من ابنة عمه آمنة. اختلف في العام التالي مع الاتحاد الإقليمي الذي كان يتبع الكنفدرالية العامة للشغل الفرنسي. فترك الاتحاد وكون هو وعدد من زملائه اتحاد النقابات المستقلة بالجنوب ودعا إلى المساواة بين العمال التونسيين وأقرانهم الفرنسيين في الحقوق المدنية والمساواة ثم بدأ الدعوة للاستقلال عن فرنسا. وتوج نشاطه النقابي بتأسيسه الإتحاد العام التونسي للشغل سنة 1946 بين اتحاد الشمال والجنوب واتحاد عمال تونس وتم انتخابه كأول أمين عام لهذا الاتحاد وكان في الثلاثين من عمره. ولكي تكتسب هذه المنظمة طابع الاتحاد والتعاون والانتشار نادى مجموعة من الشيوخ الزيتونيين لحضور التأسيس ومن أبرزهم العالم محمد الفاضل بن عاشور الذي أسندت إليه الرئاسة الشرفية للاتحاد.

انتقل للعالمية بفضل انضمام نقابته إلى الاتحاد الدولي للنقابات الحرة (السيزل) وانتخب عضوا منتدبا لدى الأمين العام للمنظمة العالمية مكلفا بالشؤون الأفريقية. في نضاله لتحرير تونس سافر إلى سان فرانسيسكو وواشنطن ونيويورك وبروكسل وفرنسا وغيرها من الدول وكانت رحلاته مكسبا حقيقيا لتدويل القضية التونسية. لعب الإتحاد بقيادة حشاد دوراً هاماً في بدء وتوجيه الحركة وراديكالية المطالب الشعبية وصعد الاتحاد التونسي إلى الاتحاد الدولي لاتحادات العمال الحرة وبدأ في حضور المؤتمرات الدولية لهذه الاتحادات منذ عام 1949 حتى بلغ أعضاء الاتحاد التونسي عام 1951 قرابة 120 ألف عضو من كل أنحاء ومستويات العمل في تونس فبدأ تنظيم عمليات مقاومة الاحتلال الفرنسي.
بعد فشل المفاوضات بين الحركة الوطنية التونسية والسلطات الفرنسية حول الإستقلال، انطلقت في تونس الثورة المسلحة في 18 جانفي 1952، فقامت السلطات الفرنسية باعتقال جل الزعماء السياسيين للحركة الوطنية، فوجد حشاد نفسه أمام مسؤولية قيادة المقاومة التونسية. بدأ فرحات حشاد في تنظيم جماعات من الناشطين في الاتحاد للقيام بهجمات مسلحة ضد رموز السلطات الفرنسية إضافة إلى تنظيم إضرابات. أدى نشاطه الزائد ضد الاستعمار الفرنسي إلى قلق الحكومة الفرنسية التي بدأت تحاول التخلص منه بعد أن أصبح يهدد مصالحها الاستعمارية في تونس وشمال أفريقيا عامة، وبدأ التفكير في عدة خطط لإزاحته من الطريق منها وضعه في السجن أو تحديد إقامته في منزله أو حتى قتله. وقد وصلته بالفعل تهديدات مما تسمى بعصابة اليد الحمراء، وهي عصابة إرهابية متكونة من الفرنسيين الذين يعيشون في تونس والذين يعارضون كل مطالب الإستقلال. وفي مثل هذا اليوم 5 ديسمبر 1952 صباحا تم تنفيذ خطة القضاء علي فرحات حشاد. تبعته سيارة في الطريق من مدينة رادس في الضاحية الجنوبية للعاصمة تونس، وأطلقوا عليه النار وفرت السيارة هاربة ولكن حشاد أصيب فقط في ذراعه وكتفه وتمكن من الخروج من السيارة بعدها بثوان ظهرت سيارة أخرى وأجهزت عليه بإطلاق النار علي رأسه ثم إلقائه علي جانب الطريق بعد التأكد من موته وعندما أعلن نبأ اغتياله علي الراديو في الظهيرة اجتاحت المظاهرات مدن العالم من الدار البيضاء إلى القاهرة ودمشق وبيروت وكراتشي وجاكارتا وامتدت أيضاً إلى مدن أوروبية مثل ميلانو وبروكسل وستوكهولم وتحولت في الدار البيضاء إلى أعمال عنف راح ضحيتها ما يقرب من اربعين شخصاً.
لم تتهم السلطات الفرنسية أي طرف بعملية الإغتيال، بل وتكتمت عليهم. إلّا أن أنطوان ميلير عضو المنظمة الفرنسية السرية "اليد الحمراء" إعترف في كتاب أصدره عام 1997 بعنوان "اليد الحمراء: الجيش السري للجمهورية" بوقوف فرنسا وراء اغتيال حشاد. وظهر فيلم وثائقي بثته قناة الجزيرة الوثائقية نهاية العام 2009 يروي تفاصيل الإعداد لتلك العملية ووقائع تنفيذها كما صرح في نفس الفيلم أنه لو طلب منه إعادة تنفيذ العملية لكررها. وهو ما اعتبر لدى حقوقيين ومحامين اعترافا بارتكاب جريمة حرب وتباهيا بها. وبادر الاتحاد العام التونسي للشغل وعائلة الضحية ومنظمات فرنسية في مارس 2010 إلى تقديم شكاوى لدى القضاء الفرنسي ضد ميليرو استنادا إلى وثيقة اعترافه التي تم بثها لكن صدر بعد ذلك حكم قضائي برفض جميعها. وعند زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى تونس في 5 جويلية 2013 سلم وثائق أرشيفية متأتية من وزارة الخارجية والدفاع الفرنسيتين، يتبين منها أن عملية الاغتيال تمت بواسطة مصلحة التوثيق الخارجي ومكافحة التجسس التابعة للاستخبارات الفرنسية، وأن هناك فريق عمليات أرسل من باريس لمراقبة تحركات فرحات حشاد، وأن عملية الاغتيال قد تقررت قبل سبعة أشهر. وفي أفريل 2013 تم في باريس تدشين ساحة باسم فرحات حشاد في الدائرة 13.
Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 134937