قراءة قانونية معمّقة في تنقيح الفصل 96 من المجلة الجزائية ... حوار مع الأستاذة نجاة البراهمي الزواوي

<img src=http://www.babnet.net/images/3b/6894586db171d7.00686327_penkjlohfimqg.jpg width=100 align=left border=0>


استضاف برنامج "صباح الورد" على إذاعة الجوهرة أف أم الأستاذة نجاة البراهمي الزواوي، المحامية لدى التعقيب وأستاذة القانون الخاص وعلوم الإجرام بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس، في حلقة خُصّصت لتحليل تنقيح الفصل 96 من المجلة الجزائية، الذي أثار جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والقانونية.

خلفية التعديل


أتى هذا التنقيح في أعقاب تصويت مجلس نواب الشعب يوم 24 جويلية 2025 على مشروع قانون يتضمن إلغاء أحكام الفصلين 96 و98 من المجلة الجزائية وتعويضهما بنصوص جديدة، وذلك في إطار إصلاح تشريعي يستجيب لمطالب الإدارة التونسية وعديد المهنيين الذين رأوا في الفصل السابق حاجزاً أمام المبادرة والإصلاح الإداري.




أخبار ذات صلة:
تنقيح الفصل 96 من المجلة الجنائية..رفع السيف المسلط على الرقاب والتأسيس للإدارة المسؤولة...


الفلسفة التشريعية للتنقيح

أوضحت الأستاذة البراهمي أنّ الفصل 96 القديم كان يعاني من غموض وعمومية، مما سمح بتأويلات واسعة وأدى إلى محاكمات وإدانات واسعة النطاق لعدد من المسؤولين والإطارات الإدارية، في حين أن بعض الحالات كان يمكن أن تُكيف ضمن فصول أخرى. وشددت على أن الفصل الجديد جاء بهدف تضييق مجال التجريم وتركيز التكييف القانوني على النية الإجرامية والقصد الجنائي، خلافاً للصيغة القديمة التي كانت تجرّم الفعل المادي حتى في غياب القصد.

أهم ما جاء في التنقيح

1. الجريمة أصبحت "قصدية" وليست "مادية":
التنقيح اشترط قيام القاضي بالتأكد من نية الجاني في استغلال صفته لإلحاق ضرر بالإدارة، وهو ما يمثل تحولاً جذرياً في فلسفة التجريم.

2. إلغاء صورة "مخالفة التراتيب":
لم تعد الجريمة تستقيم في حال مخالفة التراتيب فقط، بل يجب أن يكون هناك استغلال للصفة بغاية تحقيق فائدة غير مشروعة، وهو ما رفع الحرج عن المسؤولين الإداريين ومكّنهم من الاجتهاد دون الخوف من العقوبات الجزائية المجحفة.

3. تقليص العقوبة:
تم تعديل العقوبة من 10 سنوات إلى 6 سنوات سجناً، مع غرامة تعادل الضرر الحاصل للإدارة، مما يُعدّ تلطيفاً تشريعياً يحافظ على الردع دون المغالاة في الزجر.

4. الإدراج الإلزامي للعنصر القصدي:
لن تتحقق الجريمة إلا بوجود نية متعمدة للإضرار بالإدارة من قبل الموظف العمومي أو من في حكمه، وهو ما يتطلب إثباتاً دقيقاً ومؤيدات قاطعة أمام القضاء.

5. إدخال مفهوم "الصفة الواحدة" للجريمة:
تم التخلي عن فكرة ازدواجية الجريمة (الاستغلال أو مخالفة التراتيب)، مما يُجنب الإدارات العامة التورط غير المبرر في قضايا فساد بسبب اجتهادات أو أخطاء إدارية غير مقصودة.

المفعول الرجعي للقانون

أكدت الأستاذة البراهمي أن الفصل 96 (جديد) يُطبّق بأثر رجعي باعتباره أكثر رفقاً بالمتهم، مما سيُتيح إعادة النظر في قضايا قيد النشر أو في الطور الاستئنافي أو التعقيبي. أما في ما يتعلق بالأحكام النهائية والمنفذة، فالمبدأ القانوني لا يسمح بإعادة فتح الملفات، إلا في حالات الطعن بإعادة النظر أو التماس العفو الخاص، وهي استثناءات ضيقة ومقنّنة.

حول قانون الشيكات

في ختام اللقاء، عرّجت الأستاذة البراهمي على الإشكالات الواقعية لتطبيق قانون الشيكات الجديد، مبيّنة أنه رغم النية الإصلاحية التي انبنى عليها هذا القانون، إلا أن الثقة في الشيك كمؤسسة مالية تراجعت لدى المتعاملين الاقتصاديين. وأرجعت ذلك إلى غياب ثقافة مالية جاهزة لاستيعاب بدائل الدفع الجديدة، مطالبة بدور أكبر للبنوك في تسهيل التحول الرقمي المالي.

أبرزت هذه المداخلة عمق التحديات التي تواجه عملية الإصلاح التشريعي في تونس، والتي تتطلب موازنة دقيقة بين حماية الإدارة وتحفيز المسؤولين على الاجتهاد، دون الوقوع في فخ الإفلات من العقاب. ويبدو أن تنقيح الفصل 96 يمثل خطوة مهمة نحو هذا التوازن المنشود، رغم ما قد يطرحه من تحديات تطبيقية على مستوى القضاء والإدارة في المستقبل القريب.




Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 312958


babnet
*.*.*
All Radio in One