أشرف الكعلي وبرنامج "فكرة سامي": ترويج الغباء ونظرية المؤامرة

في أخر حلقة من برنامج "فكرة سامي" على قناة الحوار التونسي، قدم الإعلامي أشرف الكعلي نفسه كمدافع عن فكرة "الأرض المسطحة"، مُستخفًا بالعلوم الأساسية ومُروجًا لأفكارٍ لا تختلف عن الخرافات التي كانت سائدة في العصور الوسطى. ما يجعل هذا الحوار مثيرًا للاشمئزاز ليس فقط جهله الصارخ، بل أيضًا استضافة البرنامج لمثل هذه الهرطقات، مما يطرح تساؤلات خطيرة عن دوره في تكريس الغباء والاستحمار الجماعي.
1. الأرض المسطحة: بين الجهل والتضليل
1. الأرض المسطحة: بين الجهل والتضليل
ادّعى الكعلي أن "تحديد القبلة يفقد معناه لو كانت الأرض كروية"، وهو كلام يُظهر جهله المُطبق بعلوم الفلك والجغرافيا، ناهيك عن التراث الإسلامي نفسه الذي اعتمد كروية الأرض منذ قرون. لو فتح الكعلي أي كتاب فيزياء أو تاريخ علوم إسلامية، لوجد أن علماء مثل ابن سينا، البيروني، والإدريسي بنوا نظرياتهم على كروية الأرض، بل وحسابوا اتجاه القبلة باستخدام الرياضيات المستمدة من هذا النموذج.
أما زعمه أن "الأرض المسطحة هي التي تجعل تحديد القبلة ممكنًا"، فهو كلام فارغ لا يستند إلى أي منطق، لأن اتجاه القبلة يُحسب بناءً على إحداثيات الطول والعرض، وهي معادلات تعتمد بالأساس على كروية الأرض. لو كانت الأرض مسطحة، لانهار كل نظام الملاحة الحديث، من GPS إلى رحلات الطيران، وهو ما لم يحدث.
2. برنامج "فكرة سامي": منصة للجهل بدلًا من النقاش العقلاني
المشكلة الأكبر ليست في أشرف الكعلي نفسه، بل في البرنامج الذي يستضيفه ويُعطيه مساحة لنشر الخرافات دون أي مواجهة علمية حقيقية. بدلًا من مناقشة أفكاره بنقد منهجي، تم تقديمها كـ"رأي مختلف" يستحق الاحترام، بينما في الواقع، بعض "الآراء" لا تُحترم لأنها ببساطة ضد الحقائق الثابتة. لو كان البرنامج جادًا، لاستضاف علماء الفلك أو حتى مُدرّسي فيزياء ثانويين لتفنيد هذه الأكاذيب. لكن يبدو أن الهدف ليس النقاش العقلاني، بل إثارة الجدل الرخيص لجذب المشاهدات عبر صدمة الجمهور بادعاءات سخيفة. هذا ليس إعلامًا، بل استحمارًا مُمنهجًا، حيث يتم تضخيم أصوات الجهلة على حساب العقل والعلم.
بعض الأفكار لا تستحق النقاش، ليس لأنها "ممنوعة"، بل لأنها غير موجودة أصلاً في حقل العقل. الأرض ليست مسطحة، والقمر ليس مصنوعًا من جبن، والجن لا يسرقون أحذية الناس ليلاً. عندما يُصبح الإعلام منصة لمثل هذه السخافات، فهو لا يخدم "حرية الرأي"، بل يُحوّل الفضاء العام إلى مزبلة فكرية.
على القنوات التي تزعم أنها "حوارية" أن تتحمل مسؤوليتها، وتوقف استضافة من يُروجون للجهل. أما أشرف الكعلي، فبدلًا من أن يُحاور جمعية الفلك، عليه أن يفتح كتاب علوم الصف السادس ابتدائي قبل أن يُعلّق على شيء يفوق مستواه العقلي.
Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 308799