أحلام ريفية 2

<img src=http://www.babnet.net/images/5/bentrifaya.jpg width=100 align=left border=0>


أول زيارة لأهلي كانت بعد غياب شهور حتى في عيد الأضحى لم أتمكن من زيارتهم.. لم أستطع حتى المشي فحذائي ذو الكعب العالي لا يتناسب وطريق ريفنا العزيز.. فرحت أمي كثيرا لرؤيتي وكل إخوتي ولكن لم أكن أتوقع ردة فعلي هذه.. كنت أتوقع أني سأنهار في حضن أمي وستسيل دموعي ولكن شيئا من هذا لم يحدث.. لا أعلم مأتى هذا البرود الذي أصابني.. نظر إليّ إخوتي متهامسين فأنا أرتدي ملابس غريبة عنهم وحتى لهجتي الجديدة التي أستميت في إتقانها اختلفت عنهم.. مرت الأيام الثلاث ككابوس.. لم أعد قادرة على التأقلم مع حياتهم الريفية المتعبة المفتقرة لأبسط مرافق الحياة الكريمة التي تحفظ كرامة الإنسان.. لا كهرباء لا ماء لا قدرة على الاستحمام.. غرفة واحدة تضمني وإخوتي.. ننام على الأرض.. حتى خبز أمي لم أعد أستسيغه ولم تعد حكايات الجوار ولا ما يحدث في الحقول يثير اهتمامي.. ذلك الرضا وتلك القناعة لم يعد لهما مكان في صدري.. لم أعد قادرة على العيش وسط أهلي.. لا أستطيع العيش خارج العاصمة.. حتى أحلامي الريفية البسيطة تغيرت.. أختي التي كانت تغار مني لأن أبي قرر إرسالي دونها سخرت من ملابسي ولهجتي وتصرفاتي قالت لي " خرجت من جلدتك.. تنكرت لأصلك.. وما ينكر أصله كان..." هل كفرت من أرادت تغيير مسار حياتها.. من وجدت في طريقة عيش أهل العاصمة ضالتها وتعودت عليها.. من تمنت بيتا كبيوت العاصمة.. ماء ساخن وبارد متى شاءت.. مطبخ عصري.. تلفزيون ملوّن ومئات الفضائيات.. محلات كبرى يتوفر فيها ما يحتاجه المرء دون عناء.. طرق معبدة.. هل "خرجت من جلدتي" لأني أردت مصيرا آخر غير "قلع الجلبانة" و"بيع الطابونة" والزواج من ابن العم..أحلام ريفية 2
عدت إلى العاصمة وبقلبي شوق كبير لها ولبيتي الجديد.. وعكس ما يحدث لصديقتي معينة الجيران من ضرب وإهانة وهضم حقوقها المادية وتحرش أحيانا كنت سعيدة لحسن معاملة مشغلتي لي.. لم تشعرني يوما أني " خادمة" وأني أقل منها مستوى اجتماعي.. حتى أفراد عائلتها كانوا يعاملونني بلطف صحيح أنها تصحبني معهم في نزهاتهم وحتى الاصطياف لخدمتهم وأبذل مجهودا إضافيا إلا إني كنت سعيدة بذلك فالكل يحترمني ويمازحني.. صديقتي لا تصدقني أحيانا وتحسدني أحيانا أخرى فهي تلقى أسوا معاملة.. تعمل ليل نهار دون هوادة.. ثم يتقاسم "السمسار" ووالدها مرتبها مما يضطرها إلى التلاعب بمصاريف البيت اليومية لتتحصل على بعض المال وأسرت لي أنها تعرضت للتحرش من قبل زوج مشغلتها وشقيقها.. ولكني صراحة كنت ألقي اللّوم عليها فهي تبالغ في الميوعة وتحاول إغواء الجميع بما فيهم "الخضار" و"العطار"..
ذات يوم طلبت مني أن اخرج معها يوم عطلتي الأسبوعية لتعرفني على حبيبها الذي سيتقدم لخطبتها قريبا.. كان شابا من أصل ريفي أيضا نزح للعمل بحظائر البناء بالعاصمة واصطحب معه رفيقه.. تغدينا سويا وتنزهنا.. لم تعجبني تصرفات ثلاثتهم ولا نظراتهم.. انزويا في ركن بعيد عن العيون وظل صديقه معي يغازلني بطريقة مقززة.. وأحسست بما اكتسبت من ثقافة من الأفلام المصرية أنه يتحرش بي ويراودني عن نفسي.. صفعته وابتعدت ضحك قائلا" ملا جبرية".. نظرت له بكل اعتزاز.. خاصة بعد أن رأيت صديقتي في وضع يثير الاشمئزاز.. أفتخر كوني " جبرية".. ربما تنكرت لحبي للريف ولهجتي وملابسي ولكن كيف أتنكر لما تربيت عليه من قيم وأخلاق.. إن كان شرفي هو ثمن التحضر والتخلص من كلمة "ڤعرة" فالله الغني..

أصبحت أتجنب الحديث معها.. ومنحت كل طاقتي ووقتي وحبي لعائلتي الجديدة وأحبتي الصغار.. وظللت أزور أهلي بين الفينة والأخرى..



ذات يوم تقدم شاب نازح مثلي يعمل بالمغازة المجاورة طالما غازلتني عيونه الخجولة لطلب يدي من مشغلتي.. فرحت كثيرا فقد تحقق أهم أحلامي الجديدة حيث صرت أحلم بالزواج من رجل يقطن العاصمة ويسكنني في بيت يشبه إلى حد ما بيت سيدتي.. سأنجب طفلين ولد وبنت وأطلق عليهما أسماء جميلة من "الموضة" وسيدرسون بمدارس تحبّبهم في العلم.. وسأستضيف أمي وإخوتي الذين لم يغادروا الريف يوما ليروا وجها آخر للحياة..
مديحة بن محمود





Comments


9 de 9 commentaires pour l'article 31211

@tt  (Tunisia)  |Lundi 6 Decembre 2010 à 22:17           
ظاهر فيك حدك حد اخبار 8 متاع تونس 7 ما تتفرجش في الحق معاك والحقيقة وماريتش الناس الي عايشة لا ماء لاضوء لا كياس يا متاع 26_26

Aya  (Tunisia)  |Lundi 6 Decembre 2010 à 16:50           
Si elle accepte le mariage, elle risque de rebrousse chemin vers le rural. sinon, elle reste à vie dans cette situation de femme de ménage.

TT  (Tunisia)  |Lundi 6 Decembre 2010 à 16:40           
وين عايشة يا مدام بن محمود أخرج شوف بعينك الأرياف متع تونس كيفاش ولات جنة على وجه الأرض يتوفر فيها الماء والضوء و جميع المرافق من مكاتب متجولة و دور ثقافة و شباب و قوافل صحية و اتصالية. فبفضل البرامج الرائدة و الطموحة(صندوق 26-26 وغيرها) تحققت هذه الإنجازات و تم تقليص الفجوة بين الريف والمدينة التي أصبح سكانها يفضلون مغادرتها للإبتعاد عن نسق الحياة السريع و المكلف و الإستمتاع بجمال الطبيعة و الهواء النقي.

Monia  (Tunisia)  |Lundi 6 Decembre 2010 à 15:05           
نعرف برشة خرجوا من ديار الي يخدموا عندهم عرايس ووقفوا معاهم اكثر من والديهم وفما شكون تعرضوا للتحرش وحتى الاغتصاب ولا دخلوا للحبس بسبب السرقة ولا انحرافوا كل واحد واصله واسبابه خاصة انهم عينيهم مغمضة ومراهقين

Sonia  (Tunisia)  |Lundi 6 Decembre 2010 à 12:55           
حاجة باهية انه فما طرح للنوعين متاع معينات ونوعين متاع عائلات بش ما يكونش فما ظلم وانحياز وتجني
شكرا

Sudtun  (Tunisia)  |Lundi 6 Decembre 2010 à 10:37           
C'est bien pour l'article...mais je croix qu'il y a beaucoup de travail à faire pour compléter ce travail...le récit est centré sur un monologue entre la fille et elle même...je croix c'est un phénomène social plutôt...mais bravo pour l'effort exercé..

Sofiene  (Tunisia)  |Lundi 6 Decembre 2010 à 10:30           
Malheuresement tous quelle raconte est vrai

Mohamed  (Tunisia)  |Lundi 6 Decembre 2010 à 08:52           
Une histoire réel: jeudi dernier au magasin général menzeh 7 j ai vu une fille de 9 ans avec les main blanc de laver les vaisselle elle ne sait mémé pas compter l argent elle fais la course pour son maître après la course elle rentre avec toute la marchandise c est vraiment malheureux j ai demande son age et d ou elle vient elle ma dit 9 ans et je viens de rif madame madiha dire c est un pas mais essayons de se mobiliser pour arrêter ce
malheur. comment?

Saadaoui  (Tunisia)  |Lundi 6 Decembre 2010 à 08:39           
ها ها و رجعت فرحا مسرورا


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female