النهضة.. المشاركة المُهينة

بقلم: شكري بن عيسى (*)
اخيرا بعد طول انتظار وعسر ولادة تم الاعلان الاثنين صباحا عن النسخة الثانية لحكومة الصيد، مع جديد ضمها للنهضة بحقيبة وزارية وثلاثة كتاب دولة.
اخيرا بعد طول انتظار وعسر ولادة تم الاعلان الاثنين صباحا عن النسخة الثانية لحكومة الصيد، مع جديد ضمها للنهضة بحقيبة وزارية وثلاثة كتاب دولة.
حكومة بقاعدة حزبية واسعة، تضم الاحزاب الثلاثة الاولى والحزب الخامس وبعض الاحزاب الصغرى في المجلس النيابي، نظريا قد تصل الى 180 عضوا، ومؤكد انها ستنال الثقة وزيادة، بما سيجعلها الاوسع تأييدا منذ حكومة الجبالي في 2011.
النهضة هي مركز الثقل هذه المرة في التأييد داخل قبة باردو بـ69 نائبا، سيكونوا على الغالب من اكثر المنضبطين لقرار حزبهم، ولكن في المقابل صاحب دخولها نسخة التدارك الحكومية رفض واعتراض واسع من قيادات وقواعد النداء، ما جعلها تقبل باسعاف عليّ من قصر قرطاج، ضمن موقع وجب ان لا يتعدى خط الفقر السياسي .

أخيرا ضمنت الحركة الثانية في المجلس النيابي العبور الى حكومة النداء بعد صراع مرير، بعد ان قامت بكل اعلانات الود المطلوبة ازاء النداء، وبعد لهث وصل بها الى اعلان الشورى من جانب واحد القبول بالمشاركة في الحكومة اذا ما تم عرض الامر عليها ، دون اشتراطات ولا ضوابط مسبقة، المهم ان تكسب شرف دعوتها للامر، في سابقة لم تحصل حتى من الاحزاب الضعيفة الهامشية التي لا تملك من الثقل السياسي شيئا، ووصل الامر بقياداتها التاريخية الى حد اتهام من اعتبرتهم اطراف استئصالية داخل النداء وخارجه في الجبهة والمسار لـ قطع الطريق نحو مشاركتها،
لتبرير تشبثها بالتواجد في الحكومة.
النهضة من خلال تصريحاتها وصلت الى حد التنصل من خصوصياتها وحتى هويتها السياسية لتجنب اعتراض الندائيين عليها ولخلق جبهة تاييد داخل النداء لتضمن لها المرور ، ولم نكد نجد فرقا معتبرا في كثير من الحوارات التلفزية بين القيادات الندائية والنهضوية، هذه الاخيرة رايناها في كثير من المواقع ذابت في ادبيات وتصورات الاولى خاصة المتعلقة بـ النموذج المجتمعي و الحداثة وغيرها من الفوارق.
في بيان مجلس شوراها بتاريخ 11 جانفي المنقضي، وكذلك بيان نوابها بفرنسا بتاريخ 9 جانفي، نددت الحركة بالاغتيالات الحاصلة في مقر شارلي ايبدو دون ادنى استنكار للاساءات البالغة التي طالت نبيّ الاسلام وادانها كل المسلمين، بل وصل بيان نواب فرنسا الى حد دعوة التونسيين المقيمين بفرنسا الى المشاركة في مظاهرات رفعت من جديد شعارات الاساءة لرسول الرحمة، ولم يكن غريبا هذا الامر من حركة ولت وجهها صوب الحكم والسلطة فلم نكد نعثر لها عن خصوصية تميزها.
قد يبرر البعض تعلّق النهضة بالمشاركة في الحكومة بالتصدي الى محاولات البعض الدفع نحو محاكمة بعض قياداتها او اقصائها من الحكم او حتى استئصالها في ظرف وطني واقليمي ودولي معقد، ولكن ان تصل الامور الى حالة من الهوان يحصل فيها حزب حائز على قرابة 32 ٪ على حقيبة وزارية من اصل 24 وزير بعد طول تودد وتقرب وتنازل فهذا ما لا يمكن تفسيره الا بالحرص على التواجد في السلطة وعدم برح مراكز الاضواء.
صحيح حركة النهضة لم تحصل فقط على وزارة بل معها ثلاث كتابات دولة، الحكومة تضمنت رئيس وزراء مستقل واغلبية وزارء السيادة محايدة فضلا عن وجود مستقلين تم تنقيتهم في النسخة الثانية من بعض اليساريين، ولكن هذا لا فضل فيه للنهضة لان النداء اتضح انه لا يمتلك كفاءات اصلا لشغل المناصب الحساسة، وبالتالي فلم يمكن هذا المكسب سوى منع سقوط ورقة التوت عن عورات الحزب الاكثري، الذي غنم من عدم قيادة الحكومة بدفع تهمة التغوّل التي الصقت به طويلا، فضلا عن اعفائه من مسؤولية فشل الحكومة المنتظر.
النهضة سوّغت دخولها الحكومة بشعارات الوحدة الوطنية و المصلحة العليا للوطن و التوافق و نبذ الصراعات و خصوصية المرحلة وغيرها من المبررات، واقامت الندوات وانشأت مركزا استراتيجيا للدفاع عن هذا الخيار ولكن في النهاية هي وكما كل مرة قدمت قارب النجاة للنداء وهو يكابد الامواج في ظرف دقيق بعد ان استعرض كل البطولات الزائفة وبعد ان اتهمها بالفشل وحتى المشاركة في الارهاب، النداء الذي بشر ببرنامج ووعود زائفة بنسبة نمو (6% سنويا) وتشغيل (90 الف سنويا) واستثمار ( 25 مليار دينار سنويا) خيالية وبمغالطات واضحة باحداث قروض سكن بلا فوائض في
تبشير بانهيار المنظومة البنكية والاقتصاد ككل واحداث اكثر من 1000 كلم طرقات في خمس سنوات..!!
الحركة ذات المرجعية الاسلامية تورطت بصفة كبيرة من خلال مشاركتها الجزئية في الحكومة، فهي ستتحمل مسؤولية الفشل عن الاخفاق بوزارة تشغيل لا تُشَغّل كما اجمع على ذلك كل من شغلها ، مشاركة بلا وزن ولا ثقل لا يمكن من خلالها فرض الخيارات والسياسات في حكومة طغى عليها هيمنة رجال المال والاعمال الذين سيطوعون وزارات فاعلة في خدمة الشبكات المالية المهيمنة، حكومة ذات منحى ليبرالي حاد ستكون على الاغلب منفذ أمين لسياسات صندوق النقد الدولي المناهضة للخيارات الاجتماعية التي قامت على اساسها الثورة.
قد ترفع مسوّغات سحب البساط من تحت الجبهة الشعبية بفصلها عن النداء، وادخال النداء في صراع داخلي بين قياداته او مع قواعده ستستفيد في النهاية منه النهضة بقبوله تشريك الحركة الخصم في الحكومة، وكسر خط دعم الاماراتي السعودي للنداء، وهو امر له اعتبار كبير وقد يصح الى حد بعيد برغم بروز معالم انفصال للحلف الاماراتي السعودي بعد تولي الامير سلمان الحكم، كما قد ترفع حجة انهيار سعر البترول والعودة الطبيعية لنسق انتاج وتصدير الفسفاط وما سيلحقه هذا المعطى من استقرار اقتصادي واجتماعي، ولكن في النهاية التقدير النهائي لا يعطي فارق حاسم
و دائم يضمن تحسن الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وفي النهاية قد تتبجح بأنها كانت الفيصل في منح تأشيرة وجود الحكومة، ولكن في المقابل الخسائر ستكون غير قليلة بالمرة.
التيار العقلاني-البرغماتي داخل حركة النهضة، الذي وجد مظلة الشراكة لينفي وجود تحالف مع النداء بعد ان سقط خيار حكومة الوحدة الوطنية ، ورضخ للاشتراطات المذلة بتقديم وجوه ليست من الصف الأول وقبول مراكز غير وازنة، يتضح انه دفع بالحركة نحو موقع خطير قد يأتي على تشتيتها، من خلال مركزها الهامشي في السلطة كما حدث سابقا لحلفاء النهضة في تجربة الترويكا، النهضة ستكون بلا مخالب، وتظهر بمظهر القزم السياسي وهو ما يمس من اعتبارها في الصميم، وستظهر بمظهر التابع المكبل بخيارات وبرنامج غيره، فضلا عن خسارتها لموقع الريادة والبروز في
المعارضة التي تبدو واعدة .
النهضة ستتنازل عن لواء المعارضة للجبهة التي ستغنم الكثير في وضع صعب لن تحقق فيه السلطة نجاحات على الارجح، النهضة ستخسر امكانية ترؤس لجنة المالية بالبرلمان وخطة مقرر لجنة العلاقات الخارجية وترؤس لجنة تحقيق في السنة، وستستمر في وضع استنزاف الحكم ولن تجد الفرصة لاقامة تقييم ومراجعة عميقة لتجربتها السياسية طوال الاربع سنوات الفارطة والتحضير الصلب لمؤتمرها العاشر برؤية وموقع مريح، وبالتالي ستفقد فرصة التفرغ لبنائها على اسس صحيحة، والاهم انها لن تكون لها الجاهزية القصوى لتقديم البدائل والمقترحات والتفرغ لموعد الانتخابات
المحلية والجهوية المصيرية والاستفادة من الامكانيات الكبيرة لفشل النداء لو كانت خارج الحكومة.
(*) قانوني وناشط حقوقي
Comments
38 de 38 commentaires pour l'article 99311