حكومة الصيد.. المتهالكة

<img src=http://www.babnet.net/images/1a/essidle2001.jpg width=100 align=left border=0>


بقلم: شكري بن عيسى (*)

جل الدلائل ان لم يكن كلها كانت تصب منذ البداية في اتجاه صعوبة (الى حد الاستحالة) ولادة الحكومة التي سيشكلها النداء، بموجب الدستور، فضلا عن ان المولود سيكون مشوّها متى نزل للوجود.





ابتداء من فيزيونوميا البرلمان في خصوص عدم وجود اغلبية مريحة متجانسة لقوى حزبية، مرورا بنوعية الاحزاب المعنية بالحكومة التي تفتقد لمقومات هوية وهيكلة واضحة وادارة شرعية منتخبة وتمويل شفاف، وصولا الى قاعدة البرنامج الذي يلف الغموض مرتكزاته، دون نسيان رئيس الحكومة الذي لف مسار تكليفه كثير من الغرابة.

اليوم بعد انقضاء ثلاثة اشهر كاملة على الانتخابات التشريعية (26 اكتوبر) لا تزال الامور طي التعقيد والضبابية، ليس في خصوص تركيبة الحكومة بل في خصوص القاعدة الحزبية التي كانت تتشكل، في البداية، من النداء (86) والوطني الحر (16) وآفاق (8) والمبادرة (3) والجبهة الوطنية (1) وحركة الديمقراطيين الاجتماعيين (1)، مع امكانية التوسع على النهضة (69)، واليوم يبدو ان المكونات بدأت تسقط الواحدة تلو الاخرى، الوطني الحر في البداية، بعد حصر مشاركته بكاتب دولة وحيد في حكومة الصيد حسب تصريح لامينه العام، ثم آفاق لاحقا الذي بدأ التململ في مواقفه بعد عرض ثلاثة وزراء وكاتب دولة في مشاركته حسب تسريبات اعلامية متواترة، يبدو انها في العدد والحقائب لا تتماشى وتطلعاته، مع تلويح الغنوشي بامكانية عدم الوصول لاتفاق، مع اختصار مشاركة حركته في اربع كتابات دولة حسب ما توارد للاعلام.

الازمة انطلقت منذ بداية ظهور النتائج في الانتخابات التشريعية التي افرزت فوز نداء تونس باغلبية نسبية مع وجود كتلة ثانية (النهضة) لا تقل كثيرا عن الاولى ولا تتجانس معها خاصة من حيث الهوية السياسية و النموذج المجتمعي واذا ما اعتبرنا بحصول انتخاب لفائدة النداء كان عقابيا للنهضة، في اساسه.

عجز الحزب المؤهل دستوريا بتشكيل الحكومة عن اختيار شخصية لتكليفها بقيادة عملية التشكيل الى حدود 5 جانفي 2015، اي في آخر أجل قانوني، اظهر المتاعب الكبيرة التي يعانيها الحزب الاغلبي وعجزه عن احتضان شخصية، من داخله او خارجه، مؤهلة للاستجابة للاستحقاقات المطلوبة، وكان الصيد فعلا حل الانسداد، ولكن ايضا حل على القياس لما يتطلبه السبسي الرئيس وحاشيته الصلبة من اجل الهيمنة على السلطة التنفيذية ثنائية الرأسين.

مرتكز تجمّع الاحزاب المشكلة للحكومة، في البداية، كان على اساس مساندة السبسي في الانتخابات الرئاسية، على الاقل في الدور الثاني، حيث التحق الوطني الحر والمبادرة بكل من آفاق والجبهة الوطنية وحركة الديمقراطيين الاجتماعيين، وهذا ما زاد في تعقيد الامور اذ انطلق التحالف الحكومي على اساس تبادل المصالح، ومنطق المكافأة ، وهذا لا ينفي تقارب البرامج، ولكن طبيعة الاحزاب المشكلة للتحالف لا تتوفر فيها اساسا مستوجبات الحزب السياسي، وهي احزاب التصقت باغلبها شبهة المال السياسي ولا نعرف الا الهامشي عن مواردها المالية فضلا عن انها حديثة النشأة ولم تنجز كلها مؤتمرات لانتخاب قياداتها، وهذا ما يفسر الصعوبات القائمة في جزء كبير منها.

حزب نداء تونس تشقه صراعات افقية وعمودية سواء بين مكوناته التي تصل حد التناقض في الرؤى والمقاربات، او بين قرطاج وباردو والبحيرة، او بين ما وعد به ناخبيه من تباين تام مع مشروع النهضة الى حد اتهامها بالارهاب والاجرام وبين ما يسوّق اليوم من ضرورة التوافق، هذا الحزب اليوم تتنازعه الاطماع والطموحات لكثير من مكوناته، وهو واقع تحت وطأة مراكز النفوذ بين اجنحته المتصارعة والشخصيات ثقيلة الوزن داخله، دون نسيان رعاته الخارجيين في الخليج. اما الوطني الحر فهو حزب رجال اعمال اعتمد اساسا على قوته المالية في تعبئة الناخبين، وايضا عن امتلاك رئيسه ذبذبات قناة التونسة وترؤسه لفريق كبير النادي الافريقي، ما جعل صعوده في اطار كرة هواء، قد تنفجر في كل وقت، ويوم الاربعاء كانت للوقفة الاحتجاجية امام مجلس النواب لمئات ممن قاموا بحملة الحزب الانتخابية المطالبين بمستحقات عالية مصدر ارتياب عالي لما روجه رئيس الحزب حول آلاف القواعد المتطوعين .

وصول حزب نداء تونس للحكم كان اساسا مغشوشا منذ البداية، اعتمادا على ترويج مغالطة التناقض مع النهضة في قضية الهيمنة او في قضية النموذج المجتمعي وايضا في خصوص التصويت المفيد الذي مارس فيه التحيل على الناخبين لتجميع اغلب الاصوات التي كانت ستتوزع على العائلة الديمقراطية التي ابتلعها واعدا بمواجهة الحزب ذي المرجعية الاسلامية، هذا الحزب وصل بعامل توجيه الراي العام عن طريق استبيانات الراي والاعلام الذي تجند في معظمه للعلب على غرائز الخوف ووعود تحقيق هيبة الدولة و الامن و القضاء عى الارهاب الزائفين.

حزب استعرض كل قوة وهمية خلال الانتخابات في تشكيل حكومات عديدة وتدارك عدم كفاءة النهضة في الحكم وتحقيق الاستثمار العالي والتنمية المتميزة والتشغيل المرتفع.. عجز فيما بعد خلال قرابة التسعين يوما عن تحديد الشخصيات المنتمية له المرشحة لشغل حقائب في حكومته، أجّل عن طريق آلية الحوار الوطني اجل 28 نوفمبر المنقضي لتكليف شخصية لتشكيل الحكومة، في قراءة ضيقة للفصل 89 للدستور، ولم يلحق بعد قرابة العشرين يوما على تكليف الحبيب الصيد حتى على الاتفاق حول هيكل الحكومة ومكوناتها فضلا عن الحقائب والبرنامج واولويات المائة يوم الاولى.

النهضة لاحت منذ البداية لاهثة على المشاركة في الحكومة تحت قاعدة الوحدة الوطنية في مرحلة اولى ثم تحت قاعدة الشراكة في مرحلة ثانية تحت عنوان التوافق ، النهضة انطلقت زاهدة في الحقائب، المهم تحييد رئاسة الحكومة وبعض وزارات السيادة الحساسة، التي قد تضمن لها عدم التشفي منها وعدم ملاحقة بعض قياداتها، ويكفيها المشاركة الرمزية ببعض الشخصيات القريبة منها او من قياداتها محل الرضى عند النداء، التي لا تثير ردة فعل سلبية عند قواعده.

اغلب الاسماء التي تم تقديمها من مختلف الاحزاب المعنية الحقيقة لا تصل الى مستوى اعضاء حكومتي الترويكا او جمعة، على تواضعهم، وظهروا في معظمهم فقراء في سيرهم الذاتية وبعضهم دخيلا على المجال السياسي اصلا، والغريب ان الاحزاب الصغيرة اندفعت في المساومات من اجل تحسين شروط التفاوض وحتى الابتزاز، اما داخل نداء تونس فقد كانت المعركة على اشدها بين الاوزان الثقيلة ، التي نقلت صراعاتها لتصفية الحسابات على وسائل الاعلام، وفي مقابل صمت شوكات، اثر دعوته لقصر الضيافة وربما اقتراحه لاحد احقائب، ودفاعه عن حكومة الصيد بعد هجومه الكاسح عليها في البداية، ظهر مهدي عبد الجواد منددا بمشاركة النهضة، معتبرا وجودها في الحكومة اكبر عملية استغفال للناخبين، شاتما لزملائه في الحزب وعلى راسهم الناطق الرسمي، في مقابل الخرس التام لكسيلة بعد تهديده بالطرد على خلفية شتمه المقرف لمرزوق وبن عاشور.

تشابكت الحقيقة الامور، وتكرس التنازع بين الحلفاء وحتى داخل نفس الجسم الحزبي في اجنحته وتفرعاته، وظغت المحاصصة وافتكاك النفوذ والهيمنة، وبان الصراع كبيرا اساسا بين مكونات النداء من الكتلة النيابية الى الهيئية التاسيسية وصولا الى الرئاسة مرورا بالقواعد الذين قاموا يوم الخميس بوقفة احتجاجية ضد القيادة تنديدا بتشريك النهضة، دون نسيان القامات الكبرى ، ويبدو ان مهمة هذه الحكومة ان كتب لها الولادة، قيصريا على الغالب، ستكون في خدمة مصالح مكوناتها، والخضوع للاجندا الدولية، ولن تصل الى برنامج الحد الادنى الذي يستجيب لتطلعات المواطنين، ولن تقضي ولو جزئيا على التبعية للخارج والصناديق الدولية، ولن تعالج الفجوة الجهوية والفئوية والتهميش والبطالة والفقر وترهل جيب المواطن.

حكومة تنخرها التناقضات منذ ولادتها، تحت القصف المركّز من كل الجوانب، لا يبدو على الغالب، في امكانها الاتفاق على منوال تنموي يحقق سيادة الشعب على ثرواته وتنميتها بطريقة مجدية وتوزيعها بشكل عادل يقطع مع استشراء شبكات النفوذ والمصالح والفساد وثقافة الزابونية والاستهلاك، هذا ان وجدت قاعدة اتفاق بشأنها كافية لنيلها ثقة البرلمان.

يبدو اننا على مشارف ازمة حقيقية، مع ولادة الحكومة، ستكون مؤجلة الى حين ان تم تجاوزها في المنطلق، ولن تستطيع مكوناتها تفادي التناقضات العميقة التي تشقها، وقد تفضي الامور في ظل واقع اقتصادي وامني واجتماعي وسياسي معقد، وفي ظل ظرف اقلمي ودولي ملتهب، الى اعادة تشكيل المشهد السياسي المظطرب في القريب المنظور باللجوء الى انتخابات تشريعية قبل الاوان.

(*) قانوني وناشط حقوقي



Comments


10 de 10 commentaires pour l'article 98649

Radhiradhouan  (Tunisia)  |Lundi 26 Janvier 2015 à 11:35           
إنتظارات الشعب أكثر من هذا بكثير يا سي الحبيب

Farhood  (Tunisia)  |Vendredi 23 Janvier 2015 à 18:23           
التكنوقراط كانوا دوما وسيلة حكومات ما بعد الاستقلال لتمرير البرامج الاكثر غرابة و مساسا بحقوق الشعب

FREETUNISIAN  (Tunisia)  |Vendredi 23 Janvier 2015 à 16:19           
أيا برا ربي يعينكم

Samaref  (Tunisia)  |Vendredi 23 Janvier 2015 à 12:24           
كانت لنا دولة يسودها الفساد والاستبداد والامن والامان وستصبح لنا دولة يسودها الفساد فقط. وفي كلتا الدولتين فقراء يزداد فقرهم وجهات يتفاقم حرمانهم وتهميشهم. علقنا امالا كبيرة على الثورة لتدارك الاوضاع ولكن الثورة وقع ابتلاعها في خضم الاحداث وحتى الذين كانوا يناصرونها اصبحوا قلائل . ورزقك على الله ياشعب تونس المسكين

Hannibaal  ()  |Vendredi 23 Janvier 2015 à 11:55           
لقد تبين للجميع أن الذين صدعوا آذاننا بالحديث عن مفهوم الدولة و هيبتها هم من أكبر الطامعين في قضم ما أمكن لهم منها. فهم لا يملكون أي ميزة مقارنة بالذين سبقوهم منذ الثورة. من مكر التاريخ أن تتصدى مثل هذه الشخصيات الضحلة التجربة و التاريخ و الإمكانيات لإدارة مرخلة حرجة جدا من تاريخ البلاد

LEDOYEN  (Tunisia)  |Vendredi 23 Janvier 2015 à 11:43           
Critère distinctif entre les nations gagnantes et celles perdantes, une seule question:
1/ La gagnante: que dois-je donnet à mon Pays?
2/ La perdante: que vais-je gagner de mon poste?

Wa youfa lahhdith

Swigiill  (Tunisia)  |Vendredi 23 Janvier 2015 à 11:11           

برنامج النداء للحكومة المقبلة، ان شاء الله لها ان تكون قبل موفى العام، هههه

اذا قلنا برنامج النداء هو، ... ربي يسهّل ... هههه


Elmsihli  ()  |Vendredi 23 Janvier 2015 à 09:59 | Par           
Personnellement je n'ai aucun espoir pour que ce futur gouvernement puisse réussir; même s'il est conduit par un extraterrestre. Les politiciens de Nidaa Tounes n'ont pas mis un programme avant les élections, et voilà le résultat. Leur programme essentiel était non à ENNAHDHA, et les voilà maintenant devant l'impasse.

AhmedFrance  (France)  |Vendredi 23 Janvier 2015 à 09:35           
طايح بينا كان العقون أو خوه

يا صيد وقتاش الحكومه وإلا إتحب نربحوا كأس إفريقيا أو كاس العالم إقبل

يهديك ربي

Kazed1948  ()  |Vendredi 23 Janvier 2015 à 09:34           
أزمة أحزاب و ليست أزمة تكوين حكومة


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female