رسالة مفتوحة إلى السادة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس المجلس الوطني التأسيسي ووزير الشؤون الخارجية

<img src=http://www.babnet.net/images/9/jemmmaale15031.jpg width=100 align=left border=0>


أحمــد بـن مصطفى (*)

يطيب لي ان أتوجه إليكم بفائق التحية والتقدير راجيا أن تتفضلوا بايلاء موضوع هذه الرسالة ما هو جدير به من عناية ومتابعة نظرا لما يكتسيه من أهميّة مصيريّة بالنسبة لمصالح تونس العليا في علاقاتها بشركائها الاستراتيجيين .

لقد تابعت ما نشر بصحيفة الصباح بتاريخ 25 مارس 2014 نقلا عن تقرير صادر عن مجلس البرلمان الأوروبي بخصوص الشروط المجحفة السياسيّة والاقتصاديّة المزمع فرضها على تونس للموافقة على اسنادها قرض بـ 500 مليون أورو ، وهي شروط تمس في مجملها من سيادة تونس وأمنها القومي والاقتصادي كما تفتح المجال لهيمنة رأس المال الأوروبي على بقية القطاعات الحساسة والهامة من اقتصادنا الوطني التي سبق للنظام السابق ان فتح المجال لبداية استباحتها بموجب اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي لسنة 1995 .



فقد اشترط البرلمان الأوروبي لمنح تونس هذا القرض قبولها بفتح للأسواق التونسية لكافة اشكال المبادلات السلعيّة والخدميّة والتجاريّة دون مراعاة ظروفها الاقتصادية الصعبة في تجاوز واضح لاتفاقية الشراكة التي تقتصر منطقة التجارية الحرة على السلع الصناعيّة في حين أن قطاع الخدمات والمواد الزراعية يفترض انها ما تزال محل تفاوض وهي معروضة على مجلس الشراكة التونسي الأوروبي المزمع عقده في منتصف أفريل القادم . هذا ويشترط البرلمان الأوروبي للموافقة على القسط الأول للقرض المقدر بـ 250 مليون أورو، والمعروض للنقاش يوم 31 مارس الجاري ،فتح القطاع الفلاحي على مصراعيه أمام المستثمرين الأوروبيين بما في ذلك السماح لهم بملكيّة الأراضي الفلاحيّة وهو ما يتعارض مع الدستور وقانون تأميم الأراضي الفلاحيّة التونسيّة لعام 1964 .
وعلى الصعيد السياسي يشترط البرلمان الأوروبي ان تتبنى تونس نظام حكم برلماني متعدد الأحزاب في تجاهل واضح لإرادة الشعب التونسي وقراره السيادي وما ارتضاها لنفسه في دستوره الجديد من نظام سياسي قائم على التوازن بين السلطات وما أقره الدستور من قواعد ومحددات صارمة فيما يتعلق بضرورة سهر الدولة التونسية على فرض احترام سيادة تونس على أرضها ومقدراتها الاقتصادية وثرواتها الوطنيّة والطبيعية وهو ما يحتم مراجعة كافة المعاهدات والالتزامات الدوليّة السابقة واللاحقة وملاءمتها مع مقتضيات الدستور والمصالح الوطنية العليا لتونس .
واللاّفت للانتباه أن هذه الضغوط تتزامن مع الاعلان خلال الزيارة الأخيرة التي أداها الى تونس المفوض الأوروبي المكلف بالجوار عن قرب التام مجلس الشراكة التونسي الأوروبي في منتصف أفريل القادم ، والمنتظر أن يتم خلاله إقرار برنامج العمل المشترك للفترة 2013 ــ 2017 المتعلق بتحرير بقية القطاعات الاقتصادية امام المنافسة الاوروبية غير المتكافئة علما أن الاتفاق الاطاري لهذا البرنامج تم الإمضاء علية مبدئيا بتاريخ 16 نوفمبر 2012 ، وكان من المفترض أن يكون محل تفاوض لاسيما وأنه سيؤدي في حالة اقراره ، الى توسيع منطقة التجارة الحرة ــ المقتصرة حاليا على السلع الصناعية بموجب اتفاقية الشراكة لعام 1995 ــ لتشمل بقيّة القطاعات الخدميّة والفلاحيّة وهو ما يثير مخاوف وتحفظات عديد الأطراف التونسيّة الاقتصاديّة والسياسيّة التي تخشى من عدم قدرة القطاعات المذكورة الهشّة على تحمل المنافسة الأوروبيّة مما قد يؤدي الى هيمنة الجانب الأوروبي عليها بدون مقابل ، كما أدت اتفاقية 1995 الفاشلة الى هيمنة السلع الصناعية الأوروبية على الأسواق التونسية في ظل فشل برنامج تحديث الصناعات التونسية في تأهيلها لزيادة الصادرات التونسية ولتحمل المنافسة الأوروبية في الداخل والخارج .

ولا بد من التذكير بأن علاقات الشراكة بين أوروبا والضفّة الجنوبية للمتوسط انطلقت في بداية التسعينات تزامنا مع مسيرة السلام الفلسطينية الاسرائلية ومسار برشلونة الذي يكتسي بعدا سياسيا بالأساس حيث كان يطمح لإقامة فضاء متوسطي للسلم والاستقرار والتنمية المشتركة والمنفعة المتبادلة لشعوب الضفتين الجنوبية والشمالية للمتوسط ،ولكن النظام السابق تبنى هذا الخيار لخدمة مصالحه دون التحسب لتبعاته الاقتصادية الكارثية خاصة وأنه أساء التصرف في المساعدات الضخمة التي قدمت في شكل هبات وقروض الى تونس لتأهيل اقتصادها حتى يتسنى له الاستفادة من الانفتاح على الأسواق الأوروبية على أساس التبادليّة والمصالح المشتركة . ولعل هذه من أكبر الجرائم التي ارتكبتها الدكتاتورية في حق الشعب التونسي خاصة وأنها مضت أشواطا كبيرة منذ 2006 في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي لتوسيع منطقة التجارة الحرة الى القطاعات الخدمية والفلاحية دون تقييمها والبحث في أسباب فشلها للنظر في امكانية مراجعتها ،بما يتلاءم مع المصلحة الوطنية لتونس .
وكان من المفترض أن تتولى الحكومات المتعاقبة بعد الثورة مراجعة هذه الشراكة من كافة جوانبها أخذا بعين الاعتبار تدهور الأوضاع الاقتصادية بتونس وهشاشة القطاعات الخدمية المستهدفة بتوسيع الشراكة ، فضلا عن مرور البلاد بمرحلة انتقالية لا تخولها الدخول في مثل هذه الاتفاقيات ذات الطابع الاستراتيجي المصيري لاسيما وأنّها موروثة في مكوناتها الأساسية عن النظام السابق الذي كان مستعدا لكافة التنازلات للشريك الأوروبي مقابل استمراره في السلطة . كما أن المنظومة الاقتصادية الفاسدة للنظام السابق تظل قائمة الى يومنا هذا كما كشفه تقرير البنك الدولي الأخير الذي أكد أنه تم توظيف الانفتاح الاقتصادي على الخارج فقط لخدمة العائلة الرئاسية والأطراف الاقتصادية والسياسية المتحالفة معها على حساب مصلحة الشعب التونسي .
ومهما ما يكن من أمر ، فإن المجال يظل متاحا بالنسبة لتونس لتدارك هذا الوضع طالما أنها لم توقع بعد نهائيا على برنامج العمل المتعلق بتوسيع منطقة التجارة الحرة ، كما أنها لم تعتمد بعد مشروع مجلة الاستثمارات الجديدة التي تخول امتلاك الأراضي الفلاحية للمستثمرين الأجانب وهو ما يتعارض نصا وروحا مع بنود الدستور ومقتضيات الأمن القومي الاقتصادي التونسي .
والمرجو على ضوء ما سبق ذكره أن تأذنوا بمراجعة هذا الملف بكافة أبعاده السياسية والأمنية والإستراتيجية والاقتصادية وعرضه على الحوار الوطني في إطار الاعداد للمواعيد التفاوضية المقبلة الهامة مع الاتحاد الأوروبي التي يستحسن أن تتحول الى حوار استراتيجي تونسي أوروبي شامل قائم على رؤية ومقاربة جديدة تراعي مقتضيات المصلحة الوطنية ولا تختزل علاقات الشراكة في أبعاد تجارية وأمنية ضيقة وفقا للمنظور الذي يسعى الجانب الأوروبي لفرضه على تونس وبقية دول جنوب المتوسط .
ولا بد من الإشارة الى مضمون الاتفاق الإطاري لبرنامج العمل للشراكة المتقدمة الموقع مع الاتحاد الأوروبي بتاريخ 16 نوفمبر 2012 الذي يخول لتونس أن تحدد أولياتها وخياراتها كما يتيح لها مراجعة البرنامج وملاءمته وفقا لظروفها، أي أن تونس لن تكون مخلة بالتزاماتها إذا ارتأت أن مصلحتها تقتضي التريث وعدم التسرع بالمضي في توسيع منطقة التجارة الحرة الى القطاعات الخدمية والفلاحية في الظرف الراهن .
واعتبارا لأهمية هذا الملف وطابعه المصيري بالنسبة لتونس ، وبالنظر لضخامة المصالح والمبادلات مع الشريك الأوروبي ، قد ترون من المفيد أن يدرج الموضوع في إطار الحوار الوطني القادم حتى يتسنى التوصل بشأنه الى وفاق وطني يكون أساسا للمفاوضات الإستراتيجية المقبلة مع الاتحاد الأوروبي المنصوص عليها ببرنامج العمل للشراكة المتقدمة.
وتفضلوا بقبول فائق عبارات المودة والتقدير .

(*) سفير سابق وناشط في المجتمع المدني





Comments


12 de 12 commentaires pour l'article 83243

Mnasser57  (Qatar)  |Mercredi 9 Avril 2014 à 11:06           
اللهمّ فاشهد اللهمّ انك بلّغت

Nouri  (Switzerland)  |Mercredi 9 Avril 2014 à 08:34           
حقوق الانسان هي بمثابة حبر على ورق عناوين جميلة لكن أمام المصالح ليس لها أي معنى،

يريدونكم شعب ديمقراطي من غير أي فعالية بمعنى ديكور لتجميل المظهر أم باطنه فهو مستعمر

Abid_Tounsi  (United States)  |Mercredi 9 Avril 2014 à 08:33           
كلام رصين و له من الثوابت ما يجعله أهلا للأخذ بعين الاعتبار بغض النظر عن من كتبه و عن نواياه التي ينصب لها الكثير المحاكم و كأنهم شقوا عن قلوب الناس.
لكني لا أتفق معه في وضع متل مذه النقاشات في ما يسمى بالحوار الطني. فأي طرف في رعاة هذا الحوار لا ينحني أمام أسياده من الغرب و بإمكانه أن يعمل ضد مصلحتهم؟؟

3YBROUD  (Tunisia)  |Mercredi 9 Avril 2014 à 08:11           
Merci à l'auteur. Nous n'étions pas au courant de ces tractations dont les conséquences sont lourdes pour le pays. Si nos Présidents acceptent ces conditions, nous reviendrions au mois de mai 1881 !

Mahrane  (United Kingdom)  |Mardi 8 Avril 2014 à 23:04           


بقي حلّ واحد سيقلب موازين القوى : إقامة الدولة العربية

Mahrane  (United Kingdom)  |Mardi 8 Avril 2014 à 23:01           


أوافق أحد التعليقات الواردة بهذه الصفحة وأعيد نسخه :

"الإتحاد الأوروبي يتهيأ لاستنساخ إغتصاب الوطن الفلسطيني في تونس ويستعد لضمان وطن بديل للكيان الصهيوني في حال تعذر العيش في الشرق الأوسط ويعتمد الصهاينة نفس التكتيك بشراء الأراضي الفلاحية ثم يتطور الأمر لبناء المستوطنات وجلب العمالة من الكيان الصهيوني وبعد نصف قرن يحشر التونسيون في غزة جديدة على الحدود الجزائرية أو الليبية ." (كنية المشارك : "مسالم" مكتوبة بالفرنسية)



Tunisia  (France)  |Mardi 8 Avril 2014 à 22:43           
Mousalim
كلام صح

NOURMAHMOUD  (Tunisia)  |Mardi 8 Avril 2014 à 21:50           
من يريد أن يكون حرا في قراراه و يرفض الشروط فلا يطلب قروضا ولا يقبل الهبات.وليس من يده في النار كمن يده في ....المية وما يلزك على المر كان

Echahed  (France)  |Mardi 8 Avril 2014 à 21:47           
و قال المستعمر بعد أن جثم على أرضنا، لقد أقترحت عليكم قروضي و شروطي و قبلتم بها، وكان بإمكانكم رفضها، فلا تلوموني ولوموا أنفسكم، إنّ شروطي كانت مجحفة.
مقتبس من:
"وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" إبراهيم-22

Bardo_tounes  (Denmark)  |Mardi 8 Avril 2014 à 21:09           
بالله يا "احمد بن مصطفى" يكفينا من وعود ونصائح واذا كان لك حل اجدر مما يقوم به السيد المهدي جمعة والسيد المرزوقي وغيرهم من يعمل لاجل تونس ويكادوا بتسولون لاجل انقاذ تونس مما خلفه بن علي والاحزاب الفاشلة بعد الثورة و الذين تخلوا عن البلاد وضعفا وجبنا وتجاهلوا الفقير و المحتاج ومستقبل البلاد والازمة الخطيرة .
وان كبت لاتملك الحلول فاخرس وكفاك كتابة لااراها الا فتنة و عرقلة لما يقوم به رجال تونس وتلميع حزب خاص طمعا في المنصب و الحكم .
فكفانا كتابات لا تفيدنا شيء .
ووالله مثلك كمثل عبد الوهاب الهاني المنافق الذي قال انه لوكان مكان السيد جمعة لما نوسلت امام ابامة ولعلمته معنى الديمقراطية .
كلام خشبي " حطب " لا فائدة له الان .
تونس في خطر والازمة تكاد تجرنا الى الكارثة و الافلاس الدولي فكفاك " بهامة " حشا الطيبين و المحبين لبلادننا
ووطننا تونس العزيز

MOUSALIM  (Tunisia)  |Mardi 8 Avril 2014 à 20:47           
الإتحاد الأوروبي يتهيأ لاستنساخ إغتصاب الوطن الفلسطيني في تونس ويستعد لضمان وطن بديل للكيان الصهيوني في حال تعذر العيش في الشرق الأوسط ويعتمد الصهاينة نفس التكتيك بشراء الأراضي الفلاحية ثم يتطور الأمر لبناء المستوطنات وجلب العمالة من الكيان الصهيوني وبعد نصف قرن يحشر التونسيون في غزة جديدة على الحدود الجزائرية أو الليبية .

Meinfreiheit  (Oman)  |Mardi 8 Avril 2014 à 20:37           
الثورة الثانية قاعدة تشرجي ...و الساسة رضو ا ان يكونو كلاب حراسة لضفة الاتحاد الاوروبي الجنوبية ...كلاب بالحراسة مجانا ....


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female