بورقيبة وعدالة وفعالية التعليم.. الفجوة السحيقة

<img src=http://www.babnet.net/images/6/bourguiba.jpg width=100 align=left border=0>


شكري بن عيسى

منذ أسبوع ونحن نسمع في لوبانة مضغت وتلوكت وبزقت (حاشاكم) ثم بلعت.. وتقيأت (حاشاكم) وأرجعت إلى الأفواه للمضغ وتلاك من جديد.. وأكيد أنها ستستمر أسبوعا آخر في التلويك.. وأشهر وسنين حسب المناسبات السياسية.. وسوق المزايدات الأيديولوجية..





بورقيبة هو اللي علّم الشعب .. وهو زادة اللي كبّر الشعب ..
هذه المقولة التي ثقبوا بها آذاننا.. ليس لأنها تضليلية فقط.. بل لأنهم يريدون أن يصبغوا عليها صفة القدسية.. والتاريخانية.. وحتى المعجزة .. وهم أصلا دعاة العقلانية.. والحداثية.. واللاقدسية..

أولا بورقيبة لم يكن هو من علّم الشعب.. والشعب كان فيه منذ الاحتلال آلمئات ان لم يكن آلاف النخب المتنوعة التي لا تقارن أصلا بوقتنا هذا.. ومن يطلع على الجرائد وعناوينها ومواضيعها وكتابها وعددها الضخم والحركات الادبية والثقافية (جماعة تحت السور،، الشابي والدوعاجي،،) والفنية ايضا (صليحة وعلي الرياحي،، ).. لا يمكن إلا أن ينحني إجلالا لمن سبقونا.. ويقف على حجم التدهور الذي نحن اليوم فيه..

المجلس القومي التأسيسي والحكومة الأولى بعد الاستقلال كانت تضم مئات الوجوه من الدرجة الاستثنائية.. في الثقافة والخبرة.. والشعب بكل فئاته كانت له إرادة وتصميم على تعليم الابناء ونشر العلم بعد غبن الاحتلال الفرنسي القذر الذي عمل على سحق الشعب ومقومات وجوده التعليمية التربوية.. (برغم ان اغلب مدارس المدن تركتها فرنسا).. والشعب في الواقع هو من كان في اغلب الحالات يبني المدارس.. قبل او بعد الاستقلال.. مساهمة بأمواله أو بجهده مباشرة.. والعملية كانت مشتركة بين الشعب ووزراء التربية في تلك الأوقات التي كانت قامات بعينها (الأمين الشابي، محمود المسعدي، أحمد بن صالح، أحمد نور الدين، محمد مزالي،،)..

وبورقيبة ايضا الذي لا يمكن إنكار مساهمته.. التي لم تكن بـ التقديس الحالي.. بل هو من انحرف في الحقيقة بجوهر هذه العملية نحو خلل فظيع.. وأحدث هوة ساحقة.. كانت من بين أكبر وجوه مجتمع العجز والخضوع والتبعية والتقهقر على اغلب الصعد والمستويات..

بورقيبة كرس تعليما اعرج.. في مستوى الجهات.. في مستوى الفئات.. وفي مستوى اللغة.. وفي مستوى المقومات الخصوصية لتونس.. وحتى في مستوى التوجه والخيارات..

في مستوى اللغة كان تعليما فرنكوفونيا صرفا وكانت العربية هامشية.. ان لم تكن مسحوقة.. ما كرس تبعية ثقافية واقتصادية مست من سيادة الوطن وخلخلت المقومات الوطنية..

في مستوى الجهات كان التعليم بسرعتين.. ولم نرى الجهات الداخلية حضيت بما حضيت به الجهات الساحلية ما تسبب في الخلل التنموي العميق الذي استمر إلى حد اللحظة.. وستظل استتبعاته الكارثية متواصلة إلى عشريات أخرى ان لم يكن لقرون.. كما همش كل أفراد الجهات المسحوقة..

وصار انتقاءيا هذا التعليم البورقيبي.. لفائدة الفئات المحضية والغنية والنافذة وخاصة من الذين يدورون في فلك الفرنكوفونية والفرنسيزونية والفرنكوفيلية..الذين كان لزاما أن يصلوا إلى أعلى المراتب ويشغلوا المناصب السياسية والادارية العليا.. ويهيمنوا على الاقتصاد والأعمال والثقافة.. والمجال الاكاديمي.. ويكونوا قيادات عليا في الجيش والشرطة والديوانية..

ولم يكن نصيب الفئات المسحوقة سوى تعليما إلى السادسة ابتدائي وفي أحسن الحالات الثانوي المهني.. وكان ضروريا أن يتعلموا حتى يكون منهم الحُجَّاب والكتبة وآلبوليسية والرقباء وفي الحد الأقصى المعلمين.. ليخدموا في المستوى القاعدي الضروري في الادارة.. ومن وصل إلى الإجازة أو فاق فلا يكاد يحصى وكان فعلا نادرا..

التعليم البورقيبي كانت آثاره في اغلبها مدمرة فلا خلق نهضة ولا تنمية ولا اقلاعا.. وكانت بلدانا اقل منا ثروات ورصيدا تاريخيا حققت معجزات.. والنمور الآسيوية لم تتطلب نهضتها سوى عشرية تزيد أو تنقص لتحقيق إقلاع اقتصادي.. والخيارات التكنولوجية التعليمية كانت المرتكز..

أما على المستوى السياسي الحقوقي والنقابي فلم يكرس سوى منطق العشائرية والعروشية والزابونية.. والاستجداء والتوسل والتسول.. في قطاعات واسعة.. واسقط الشعب في الخضوع للاستبداد في عمومه.. ولم يكن في نظامه التعليمي ما يخلق الحصانة ضد دكتاتورية الدولة وثقافة الاضطهاد والتعذيب والتصفيات والنفي.. وما يدفع نحو الحريات الفردية والجماعية.. ويفسح واسعا للنشاط النقابي.. ويؤسس لنظام قضائي عادل.. ويبني منظومة إعلامية حرة تحمل رسالة حضارية رائدة..

ولم يخلق لنا على المستوى الثقافي سوى العقم.. في اكثر القطاعات.. ولا نكاد نعثر على مبدعين إلا انفلاتا،ً ومن جهات بعيدة عن النظام التعليمي..

ولم يكن المستوى القيمي أحسن، فالشخصية التونسية باتت مُرْهَقَة وحتى مُخَرّبَة ولم تحمل قيما حضارية واضحة.. وكان الصراع بين الحداثة المسقطة والأصول المشوهة مصدرا للانفصال والاضطراب الذي قاد نحو العجز والشلل في غالب الحالات..

أما القضية الفلسطينية فتم استهداف مبادئها على يديه.. من خلال ادواره المباشرة في المواجهة أو غير المباشرة في المنظومة العربية.. ولم نكد نعثر في كتب تعليم بورقيبة موادا عن محنة شعب بأكمله سوى خارطة لا تحمل اسما..

ومن يتكلم اليوم عن الإدارة والجيش والشرطة والديوانية والبنوك يعلم حجم الخراب الذي تعاني منه هذه المؤسسات التي ساهم في إرسائها المحتل الفرنسي وترك فيها اغلب مساميره الصدئة التي استمرت في خدمة مصالحه ونهب ثروات البلد لفائدته.. واستمرار الاحتلال في أشكال جديدة.. وحتى الشركات العامة فليست أحسن حالا وأغلبها على حافة الإفلاس.. وتعاني عجزا هيكليا.. ومثلت نزيفا مستمرا لمال الشعب.. أما البنوك فالكل يعلم هيكلتها الفاسدة..

إدارة الفساد والرشوة.. إدارة المحسوبية وكل أشكال التمييز.. إدارة الاغتراب والاستلاب والموت البطيء للموظفين.. إدارة افتقاد القيم وفقر الأخلاق.. الذي يتسرب منها إلى المجتمع.. وكل أشكال العقم.. وقتل معالم الإبداع والابتكار.. دون نسيان عقلية البيروقراطية التدميرية.. و رزق البيليك التخريبية..

اما على المستوى الاقتصادي فالى اليوم غارقون في خياراته المضطربة من تعاضد مُسقط الى رأسمالية رسخت التبعية للغرب.. عبر منوال تنموي قائم على التداين وأيديولوجيا الاستهلاك والسلعنة..

رحم الله بورقيبة.. جازاه عما تركه من خير.. لا يمكن طمسه.. في الاحوال الشخصية وتنظيم النسل.. وغفر له في المقابل عما تركه من خراب لا يمكن إلا لجاحد إنكاره.. وسامح هذه النخب التي لا يمكن أن تفكر إلا بمنطق التمائمية و الصنمية و الأبوة و التأليه .. فهم في النهاية ضحايا ثقافة وتربية المجاهد الأكبر و الزعيم الأوحد و الرئيس الأبدي .. بعدما مات.. وتركهم ايتاما .. عجزوا عن نحت صنم من حجر يخلده ولكنهم يتوقون دوما إلى صنم معنوي عبثا يخلد رمزيته لتحقيق إشباعها المعنوي.. عبره.. وللبعض الآخر استثمارا سياسيا مربحا.. بعدما باعوه قبل ربع قرن وقبضوا الثمن نقدا.. وذهبا.. وتستمر التجارة.. ببورقيبة.. ميتا.. بصنميته.. بعدما راجت وازدهرت بشخصه حيا لحظات شيخوخته السياسية لما كان ميزان القوى انفصم لفائدة قائد الانقلاب الذي دعموه لعشرات السنين قبل أن يخلعه الشعب عشية 14 جانفي 2011!!



Comments


14 de 14 commentaires pour l'article 83101

AhmedFrance  ()  |Mardi 8 Avril 2014 à 08:46           
Article mensonger!
il faut revenir à l'histoire et aux chiffres et ne pas fabriquer chacun une histoire.
la haine contre bourguiba par certains qui, on la vu, étaient incapables sauf d'une chose la faite du pays!

en 1951 on comptait 11 bacheliers. les années 80 des dizaines de milliers de bacheliers et 32 mille africains étudiaient en tunisie.
en 2014 validation après plus de deux années de tractations le destour de bourguiba!

Mah20  (Guadeloupe)  |Mardi 8 Avril 2014 à 03:16           
Bourguiba aurait pu être tenté de façonner une élite,prioritaire pour l instruction d excellence et par la suite prioritaire pour la direction de l état,telle élite qui lui serait dévouée et serait le garant et le bouclier de son autocratie.mas il aspirait réellement à éduquer le tunisien,condition impérieuse du développement multiforme et a consenti les sacrifices nécessaires a cet effet.les budgets de l éducation nationale parlent d eux mêmes
et prouvent la priorité de son régime.conscient de la nécessité de moderniser le pays,il a opté pour l ouverture au monde et aux cultures diverses et n a jamais sacrifier sa dimension arabo-musulmane tout en évitant d en contracter ses soubassements.en ce sens bourguiba est bien le père,l architecte de la tunisie moderne,donnant à ses enfants la possibilités de relever la tête après tant de siècle de soumission et d effacement ;et certains osent
retourner contre lui les armes dont il les a dote

Mah20  (Guadeloupe)  |Lundi 7 Avril 2014 à 20:02           
Benje
Sauf si je vous mal compris,mon allusion a la mission civilisatrice de la France est ironique bien sur...nous devons beaucoup a bourguiba,dont le souci sincère fut la promotion du tunisien de base ,son émancipation et son élévation au statut de citoyen et d homme par le biais de l éducation de masse.afin qu il recouvre respect et dignité dont le colonisateur l a prive avec l appui d une bourgeoisie traditionaliste et conservatrice plus encline à
préserver ses petits intérêts mesquins.souvenez vous de la structure de la société tunisienne avec ses hordes de portefaix,,de domestiques,d ouvriers agricoles ....et c est l amour de ses compatriotes qui a posés ce grand guide a sacrifier sa vie ,sa santé,son énergie jusqu a confondre son pays avec sa chose d ou son paternalisme affectueux,discutable au yeux de certains mais qui ne l a jamais poussé à suivre attaturk dans son œuvre d alienation

Scyf55  (Tunisia)  |Lundi 7 Avril 2014 à 11:52           
"Chez l'homme peu reconnaissant, l'ingratitude ne s'arrête pas à l'oubli des bienfaits, elle va jusqu'à la haine." Adrien Destailleur.

Ahmedmabrouk  (Luxembourg)  |Lundi 7 Avril 2014 à 11:10 | Par           
سؤال واحد : القيمه الماديه للجبانه الملكيه الي بناها بورڨيبه لنفسه كم تبني من مدرسه في مناطق المضلومين ؟؟؟

Catalouni2  (Tunisia)  |Lundi 7 Avril 2014 à 10:34           
مقال أخر تعيس لإخوانجي تعيس ناقم على بورقيبة... هنا شفناكم في الحكم و ربما نزيد نشوفكم مرة أخرى ...وقتها ورونا كيفاش باش تجيبوا الصيد من وذنو على منوال الهيبة الصينية إلي لعبالها بو شلاكة... و جيناهم من قدام يخي جاون من تالي... و le-راس المال est -جبان...

Med0319  (Tunisia)  |Lundi 7 Avril 2014 à 10:23           
Quel site de M....

Dachamba99  (Tunisia)  |Lundi 7 Avril 2014 à 10:10           
"و صار انتقائيَا هذا التَعليم البورقيبي لفائدة الفئات المحضيَة و الغنيَة و النَافذة ..."، حقَا، إذا لم تستح فاكتب ما شئت.

BENJE  (France)  |Lundi 7 Avril 2014 à 08:21 | Par           
@ Mah20 (Guadeloupe) |Dimanche 06 Avril 2014 à 21h 22m|
Même je ne suis pas d'accord sur votre conclusion a propos de la mission civilisatrice de la France (que l'on pourrait l'appeler mission d' instruction et la formation d'un embryon d'état moderne) j'apprécie vos arguments avec des chiffres a l'appuie sur l'extraordinaire développement de l'enseignement et sa généralisation par Bourguiba sur des noyaux construit par la France : Je peux témoigner qu'à l'indépendance dans la ville de sfax il y avait un seul lycée de garçon et un lycée de jeune fille et quelques écoles primaires et aucune université ! pour ceux qui disent que l'enseignement était gratuit du temps de bey mais combien de tunisiens allaient a l'école et laquelle ( Zaouia et école coranique ...
Une chose qui montre l'inexistence de l'administration c'est l'absence des registres de l'état civil qui de nos grands pères née dans les années 1900 avaient un bulletin de naissance ?

ECHOUHADA  (Tunisia)  |Dimanche 6 Avril 2014 à 21:23           
N'oubliez pas qu'on envoyé, du temps de Bourguiba , des enseignants dans les pays du Golfe qui avaient concurrencé les égyptiens.

Mah20  (Guadeloupe)  |Dimanche 6 Avril 2014 à 21:22           
Pour ceux qui veulent falsifier l histoire:78%d analphabètes au moment de l indépendance et moins de 40% des enfants scolarises avec moins de 10%pour les filles....
72قs tunisiens vivant en dessous du seuil de pauvreté
Espérance de vie en 1956:48 ans ou 52ans selon les sources
Bravo la France et sa mission civilisatrice,quitte à organiser la 12eme croisade dans ses colonies musulmanes

MOUSALIM  (Tunisia)  |Dimanche 6 Avril 2014 à 21:04           
الخطا القاتل لمدعي العقلانية في حربهم للمقدس أنهم إستبدلوا المقدس السماوي بمقدس شخصاني بعيدا عن دروب العقلانية لتخوض شعوبنا حربا وهمية مستنزفة كل طاقاتها بدل بناء مدينة المعرفة للحاق بالأمم المتطورة في حين نجح غيرنا كاليابان في الجمع بين المقدس والعقلاني أي عقلنة المقدس والتي نجحت في الشرق عبر أعمال الفيلسوف الياباني تكاشي كيمورا وأيضا في الغرب عبر أعمال ماكس فيبر وتبدو نخبتنا متخلفة عن المفهوم المركزي في الفكر ما بعد الحداثوي الغربي بل وتجهله
تماما وهو مفهوم -النسبية الثقافية -والتي أطاحت بمقولة الأسس الأسطورية الحداثوية عن كونية المفاهيم والمقولات التحليلية الغربية .

Mandhouj  (France)  |Dimanche 6 Avril 2014 à 20:31 | Par           
Un bel article, qui résume l'édifice Bourguiba.
- Dettes...
- Division...
- Dictature du parti unique.,,
- Exclusion structurée des régions productives pour le bénéfice de deux régions et quelques familles d'ici et de là.,,
- Par un service public soumis à l'allégeance au parti ''kawada'' il a tué la valeur travail chez la jeunesse...
-
-
-
Le tunnel est encore long.
Mais le tunisien d'après la révolution réussira à dépasser les obstacles et gagnera les défis.
Ben Ali harab
Mandhouj Tarek.

Abu_Mohamed  (Tunisia)  |Dimanche 6 Avril 2014 à 20:10           
Merci de voir ce lien, c'est qui a fait des ecoles en Tunisie, bien sur pas bourguiba, c'est la france

https://www.facebook.com/photo.php?v=284828351649258


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female