الإنتحار المبرمج لحركة النّهضة

حبيب بن جمعة
لا يلدغ المؤمن من جحر مرّتين
لا يلدغ المؤمن من جحر مرّتين
منذ أكثر من عشرين سنة دفع أبناء الحركة الإسلاميّة ثمن مساندة قياداتها لبن علي رغم ما اقترفه من مظالم في حق الإسلاميين إرضاء وتودّدا لبورقيبة والقوى الإستعماريّة... وها إنّ التّاريخ يعيد نفسه مع اختلافات بسيطة، حيث أنّ هذه المرّة حركة النّهضة أتت بجلاّدها وزكّته وفوّضت له أمرها رغم ما بدا منه من ازدواجيّة انتهازيّة : عداء لإرضاء خصومها السياسيين وتقرّب محفوف بالنّفاق. ما أشبه الأمس باليوم... وأوجه الشبه كثيرة بين بن علي و جمعة. صعود سريع ومريب إلى الحكم بعد أن كانا نكرة من الأوساط السياسيّة والإعلاميّة، نفس العمر حين تقلد السّلطة، دعم كبير من الخارج الذي رغم المظاهر لا يقبل بالحرية والديمقراطية للشعوب العربيّة لأنّها تمثّل خطرا على مصالحها...

مهدي جمعة عرف كيف يستميل كل القوى الفاعلة لمصلحته... عند توليه وزارة الصناعة قام بإبعاد وتهميش الإسلاميين وإعادة الإعتبار للتجمعيين والفاسدين وتواطئ مع النقابيين وحمى المتورطين في قضايا الفساد لا لشيء إلاّ لكسب ثقة إتّحاد الشغل وإتّحاد الأعراف و نداء تونس والدّولة العميقة من إدارة وإعلام... حين تحامل عليه بعض مناضلي و قيادات النّهضة عرف كيف يستهويهم بتسميات بعض المقربين في مناصب لا قيمة لها ووجد من القيادات من يدافع عنه ربمّا غباء أو تواطئا وحسابات شخصيّة...
إذا كان جمعة يحظى بدعم محرك الثورة المضادة أي السفارة الفرنسيّة فهذا مدعاة للريبة وما تعامل إعلام الثورة المضادّة بإيجابيّة وارتياح مع خبر تزكيته إلاّ مؤشّرا واضحا، حتّى أنّ صحيفة عرفت بعدائها للنّهضة شبّهت جمعة بالمهدي المنتظر... أمّا انسحاب جبهة الإنقاذ وتصريحات بعض قيادات المعارضة ما هي إلاّ مشاهد مسرحيّة لطمأنة قيادات النّهضة وقواعدها بعد وقوعها في الفخ و شرب المقلب ودفعها لحماية مرشّحها بقبول تنقيح القانون المنظم للسّلط العمومية ونزع القيود عن الحكومة المقبلة (سحب الثقة بقاعدة الثلثين لا خمسون زائد واحد). أراهن أنّ القرار المرتقب لجبهة الإنقاذ يوم الخميس المقبل سيكون إيجابيّا بدعوى المصلحة الوطنية وباستعمال الشّعارات السّياسويّة الفضفاضة لتكتمل المسرحيّة.
المرحلة القادمة :
1- دفع الحكومة الحالية إلى الإستقالة المبكرة دون التقيّد بتلازم المسارات اعتبارا أن رئيس الحكومة المقبلة هو مرشح النّهضة أي ‘‘مضمونا‘‘
2- تنقيح القانون المنظم للسلط العمومية ونزع القيود عن الحكومة المقبلة وإن أدّى الأمر إلى تهديد جمعة بالتّخلّى لإحراج النّهضة وابتزازها كما سبق وفعل في إقالة ر م ع شركة فسفاط قفصة والشركة التونسية للكهربا والغاز
3- الشروع في مراجعة التسميات لإرجاع المنظومة القديمة لسالف نشاطها لدعم المسار الإنقلابي
4- القيام ببعض العمليات الإرهابيّة واتّهام تنظيم أنصار الشريعة الذي صنّفته حكومة العريّض بالتّنظيم الإرهابي ثم إثبات التّرابط العضوي بين النهضة وتنظيم أنصار الشريعة لتحميلهما المسؤوليّة وبالتّالي نزع التّأشيرة الحزبيّة عن حركة النّهضة
5- إسقاط شرعيّة المجلس التّأسيسي بما أنّ كتلة الأغلبيّة تنتمي لتنظيم إرهابي وبذلك تسقط شرعيّة رئيس الجمهوريّة المعيّن من المجلس وعودة العمل بالدستور القديم لينتقل بذلك جمعة من القصبة إلى قرطاج...
6- حملات واسعة للإعتقالات والتّنكيل باسم مقاومة الإرهاب ...
أليست هناك أوجه مقاربة مع ما حصل في مصر مع بعض الإختلافات الجزئيّة المرتبطة بأدوار الجيش والأمن ؟ ألم يكن السّيسي قريبا من الإخوان وهم من نصّبوه على وزارة الدّفاع بعد ما نصحتهم القوى الخارجيّة بذلك ؟ ثم تآمر مع الدولة العميقة وقوى الثورة المضادّة للإنقلاب على الشرعيّة بدعم وتواطئ من قوى أجنبيّة.
الغريب في الأمر أنّ أبرز زعماء حركة النّهضة يثمّنون نتائج الحوار ويعتبرونها انتصارا للحركة والديمقراطية... بعد أن انبهروا بانتصاراتهم في الجولات الأولى للحوار وإدخال الشك والبلبلة في صفوف المعارضة... لكن العبرة بخواتم الأمور، حيث أن الرّباعي الذي اتّهم بالغباء عرف كيف يراود مفاوضي النّهضة بالتّنسيق مع الجبهة والنّداء لجعلهم يتبنّون مرشّحهم الحقيقي ويدافعون عنه داخل جلسات الحوار وخارجه بعد أن وقع التّمويه بمرشّحين آخرين لا حظوظ لهم لتكتمل أركان التّفاوض والحوار العسير ولإيهام الأحزاب الصّغيرة بأنّها لعبت دورا في الحوار... وما تصريح الأزهر العكرمي بأنّ ‘‘مهدي جمعة ذهب معيّر وأنّ انسحاب النّداء من التّصويت إلاّ سنيما‘‘ لدليل قاطع لهذا السيناريو...
إنّ قيادات حركة النّهضة تتحمّل نتائج هذا القرار ومسؤولة أمام اللّه والشّعب عن اغتيال الثورة وزج قواعدها والإسلاميين عامّة في عاصفة هوجاء لا تبقي ولا تذر...
Comments
45 de 45 commentaires pour l'article 76483