قوارير المرزوقــــــــــي

أبو مــــــــــــــــــــازن
لمّا سمع لعماري بورود اسمه في الكتاب الاسود، سأل حينها المرزوقي ببداهة المذهول كم كلفك من قارورة كتابك الاسود؟ لعماري ردّ النبأ و نطق بلغة و منطق بعض اهل الثقافة و وسائل الإعلام في بلادنا. لغة القوارير التي تطيّر الحشمة و لا يكاد ينجو منها أحد إلا من رحم ربك، فهم من يعلمون كنهها و سرها، وهي ملهمتهم في الحوارات و الاستقصاءات و انتاج الافلام والمسرحيات. هم يهوونها و يحبونها حبّا جمّا و قد فاقوا ابا نواس تعلقا بها فلم يغفر له قوله :
ولعلني قد أكون أسأت فهم معنى القارورة و راوغني المغزى المقصود، فان لم تكن قوارير الراح بأملسها و محفّرها على رأي شاعر الخمر :
ملسٌ وأمثالُها محفَّرةٌ * صُوِّر فيها القسُّوسُ والصلبُ
، فقد تكون قوارير العطور تلك التي قصدها لعماري ولعل الكتابة لا تتطلب التعطر و التنميق حتى يهذي القلم و يصدر كتابا أسودا. اما ان كانت قوارير الماء فهي تطفئ نار العطش و قد روى المرزوقي الشعب التونسي فارتوى و تأكد ممن يسير مع الثورة و من يعمل على طمس نارها و اطفاء لهيبها. و قد تكون قوارير الغاز التي تفنن المضربون والمعتصمون السنة الماضية في احتكارها و حرمان الشعب من الدفء و طبخ عشاء ساخن يقيهم برد الشتاء القارس، او ما يحدث في مصر العلمانية التي يقف فيها المصري ساعات وساعات ليحصل على واحدة منها وقد يعود ادراجه الى البيت و يصطلي بالحطب ان وجد.

لم نعرف لغة القوارير او بالدارجة الدبابز الا في الحانات و الاماكن التي يؤمّها النخبة المتحكمة في الاعلام والاعمال فتتاجر بمقدرات الشعب و ترتب الاجندات فتستدعي هذا و تغيب ذاك و تحسّن صورة هذا و تكيل التهم الى ذاك. لغة القوارير عرفناها مع الجامعية التي تحدثت عن تهمة القذف فكان كلامها مجونا فاحشا لا يليق نقله و لا سماعه. لغة القوارير تلك التي روتها المتحاملة على معاني الرجولة وقد وقفت تصنف الرجال حسب هواها فسقطت في المبتذل من الكلام و عانقت سفاهة القول وبذائته. لغة القوارير ايضا تلك التي يستعرضها ذلك المسرحي الطموح الذي ظهر عاري الصدر و هو يلوح بقارورته الخبيثة في تحد صارخ لأخلاق ترعرع عليها ابناء الوطن و تعلموها في البيت وفي المدرسة وجاءت التلفزة لتبددها.
لعماري ذهل بذكر اسمه وهو الذي اعتذر للشعب عن حقبة الاستبداد ومساهماته في تكريسه فاستحسن العديد منا تلك الصراحة و الواقعية، و لكنه بخطوته الاخيرة بيّن أنّ ما قاله سابقا كان مجرد كلام تفوه به لذرّ الرماد في العيون ولبحث موضع قدم في عالم الاعلام الجديد بعد ان هزته براكين لازالت تتقاذف الحمم ولعل كتاب المرزوقي احدى مقذوفاتها الملتهبة. نحبّ القوارير و نعشق الشراب في قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا . ذلك هو الشراب لو علم لعماري وغيره ممن يفخرون بتداول لغة القوارير و يدعون انتمائهم للنخبة العارفة دون غيرها بالحضارة و الحداثة وشؤون السياسة و الاعلام و الدين والقضاء والامن و كافة المجالات التي يتشدقون بالحديث فيها كل ليلة على الهواء.
Comments
34 de 34 commentaires pour l'article 75819