في الاستبداد الأكاديمي والتنظير للدكتاتوريّة والاستئصال

<img src=http://www.babnet.net/images/8/sellinikozzzzzz0.jpg width=100 align=left border=0>


بقلم: محمد القاسم

عكست حادثة منع طالبة منقبة من أخذ الكلمات في نشاط احتضنته احدى كليات العاصمة ضمن فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي جوهر الفكر الاستبدادي الذي يتغطّى به بعض الأكاديميين والجامعيين رفضا للآخر المُخالف ورغبة في تابيد نمطيّة التفكير.





لقد كانت مدارج الجامعات والكليات واروقتها وساحاتها ، في تونس وفي العالم ، فضاءات حاضنة للنقاشات السياسيّة والمناظرات الايديولوجيّة مؤسّسة للفعل السياسي العام ومُنتجة للتيارات الفكريّة والأحزاب ومُغذية للحياة الوطنيّة بالكفاءات والناشطين والأفكار والبدائل، وكانت العلاقة بين المُدرسين وطلبتهم على الدوام علاقة مُمتدة تتجاوز الدروس والمحاضرات العلميّة والادبيّة الى مناحي الفكر والسياسة والأيديولوجيا.

- حراك ومنعرجات
لم تشذ الجامعة التونسيّة منذ نشأتها عن ذلك الحراك ، اذ ساهمت منذ الاستقلال في إثراء الحياة الوطنية بالآلاف من الخريجين الحاملين لرؤى سياسية وزاد فكري واسع ، وحتى قبل الاستقلال ساهم الطلبة التونسيون العائدون من الخارج او زملائهم في التعليم الزيتوني في شحذ همم المقاومين وتعزيز الروح الوطنية الرافضة للمستعمر ولاحقا كان هؤلاء العمود الفقري في انطلاق مشروع بناء الدولة التونسية المستقلة.
وارتباطا بمسارات تلك الدولة الناشئة وما عرفتهُ من منعرجات وتطورات خاصة في علاقة السلطة الحاكمة بالمعارضة والقوى المدنيّة عرفت الجامعة التونسيّة ، والى حدود بداية تسعينيات القرن الماضي ، محطات عديدة فيها الكثير من التجاذبات ومظاهر التضييق والقمع والملاحقة دون ان تفقد دورها في احتضان الجدل السياسي والفكري المتعدّد والمتنوّع وتصعيد الرموز السياسيّة والحزبيّة والنقابيّة والحقوقيّة ، ذلك قبل ان تخضع الى هيمنة السلطة بصفة كليّة وتتّجه الى فرض دكتاتوريّة مُصغرة شبيهة بتلك التي اسّس لها الرئيس المخلوع على المستوى الوطني.
كانت الهجمة على الطلبة سنة 1990 إيذانا بدخول تونس مرحلة من الطغيان والهيمنة وقطع الإمداد عن الحياة الوطنية بما كانت تُقدّمه الجامعة من طاقات للفعل والبناء والمساهمة.
تصحّرت ساحات الكليات الاّ من التيارات التي كانت تُهادن النظام القمعي وشيئا فشيئا تباطأت هذه التيارات من اجل سنّ ممارسة اقصائيّة وفلسفة استئصاليّة تجاه خصم سياسي والأكثر من ذلك بتر الجامعة عن محيطها وضرب الحيويّة الفكريّة والسياسيّة التي كانت تطبع الحياة داخل الكليات والجامعات.

- استشارات ومعاضدة
أقامت السلطة علاقة تواصل مع التيارات والشخصيات الجامعيّة والاكاديميّة اليساريّة الفرنكفونيّة وفتح التجمّع المنحل أبوابه ونوافذه الى هؤلاء وامتلأ قصر قرطاج ودواوين مختلف الوزارات وخاصة الداخليّة والتعليم العالي والثقافة والتربية والشباب بمنظّري الحداثة والتغيير على أجساد المناضلين والمّخالفين من اصحاب الرؤى والتوجّهات الاسلاميّة والمتعاطفين معهم.
احتلّ عدد من الأساتذة الجامعيّين مقاعد الحكم واخذ عدد اخر مواقع الاستشارة السياسيّة في دواوين الوزراء واستفرد اخرون بمنابر المجتمع المدني والمنظمات الحقوقيّة والنقابيّة واستنجدت آلة القمع والترهيب ومخافر التعذيب والبحث والاستنطاق بخريجين جُدُد كان الرابط بينهم قطع دابر الاسلاميّين وإيقاف مداد التنوّع والاختلاف الّذي كانت تزخرُ به الجامعات والكليات وفرض نمط جديد من احاديّة الفكر والايديولوجيا والتطبيع مع مقولات الإقصاء والاستئصال.
كان منهج حكم مُتكامل قائم على أفكار وآليات عمل دقيقة ولم يكن عملا عفويّا بالمرّة لانّه استند الى مقاربات ونظريات قدّمها اكاديميّون وجامعيّون عملوا ما في وسعهم لإشباع نهمهم الأيديولوجي وحقدهم من خصم افتكّ منهم زمام المبادرة في الجامعات والكليات انطلاقا من مشروع الاتجاه الاسلامي وصولا الى المنظمة النقابيّة الاتحاد العام التونسي للطلبة التي استقطبت قطاعات واسعة من الطلبة وجسّدت الوحدة والتلاقي في اطار التنوّع والاختلاف.
لقد خبر نظام بن علي باكرا انّ بسط نفوذه ومد هيمنته على الدولة والمجتمع لا يُمكنهُ ان يتحقّق دون تركيع الجامعة وتحييدها عن الفعل السياسي وايضا دون تعديل على كتلة متجانسة من الاكادميّين والجامعيّين قادرة على التصدّى للمدّ الاسلامي والتلاعب بمعاني الديمقراطيّة والتعدديّة والحداثة.

- في أحضان السلطة
انطلاقا من هجمة بداية التسعينات والتي توسّعت لتشمل المعارضين لنظام الحزب الواحد والرافضين لمسار التدجين السياسي والارتماء في أحضان السلطة ووصولا الى انهيار النظام السابق وقيام الثورة انتجت الجامعة التونسيّة فيالق من الاكادميّين الاستئصاليّين الّذين مرّروا مناهجمم الى الآلاف من الطلبة واحكموا غلق المنافذ امام كل نفس مُخالف وكانت لجان الانتداب في الجامعات وفي الوظيفة العمومية والمناظرات الوطنيّة تُعملُ غربال التصفية والانتقاء حتّى لا يتسرّب الى مواقع الفعل والتأثير ايّ من أعداء ومخالفي السلطة وحتى النقابات والمنظمات والجمعيات لم تسلم من تلك الروح التصفويّة والاقصائيّة.
ولم يبخل نظام الحكم البائد على هؤلاء الاكادميّين والجامعيّين بنعمه و عطاياه ولم يتوان للحظة في منحهم امتيازات الترقية والتأهيل والسفريات الى الخارج والنشر والتأليف والتأطير والبحث العلمي الموجّه والمُزيّف .
انّ أسوا ما تركهُ النظام الراحل هو هؤلاء الاكادميّين والجامعيين الّذين سارعوا الى تجميع قواهم وتوحيد صفوفهم لقيادة معركة وجود في وجه مارد قادم اسّست له دماء الشهداء وتضحيات الشباب التونسي الّذي خرج منتفضا وثائرا على الظلم والقهر والدكتاتوريّة، مُعوّلين في ذلك على شهائد بحث ودبلومات ونياشين واوسمة مغشوشة تسلّموها مُقابل جهدهم في التنظير للاستئصال والوقوف الى جانب الدكتاتوريّة ونظام القمع والترهيب.
كان من المأمول ان يُراجع هؤلاء مساراتهم المهنيّة والبحثيّة وان يقوموا بعمليات نقد ذاتي انتصارا للثورة وتفاعلا مع المسار التاريخي الجديد الذي دخلتهُ البلاد ، لكن حجم الخسائر وضياع الجاه والمال والمواقع وانقطاع الصلة بأروقة السلطة والحكم وتوقّف الإمدادات العينيّة والاعتباريّة استنفرهم جميعا ودفعهم الى تجاوز ما كان بينهم من خصومات واختلافات ضيقة ومصلحيّة في سبيل تشكيل قوّة جديدة مؤثّرة لم تتمكّن من انتاج مفاهيم ومناهج عمل جديدة ومتطورة بحجم التطور الحاصل في البلاد بل هي مُصرّة إصرارا على اعادة انتاج نفس المفاهيم والمناهج القديمة.

- هل يُبني الجديد بالقديم؟
من الغباء ان نُعيد العمل والتحرّك والنشاط بنفس المناهج والأساليب والشعارات القديمة الّتي جُرّبت فخابت وأثبتت فشلها في تحقيق اهداف الاستئصال وتثبيت الدكتاتوريّة وسياسات القمع ، ومن الحماقة ان لا يستخلص جامعيّون واكادميّون الدروس والعبر وان يواصلوا الارتماء في حضن ثقافة مغشوشة والتخفّي خلف وعي زائف مسكون بالعداء الأيديولوجي والانقلابيّة والرغبة في الهيمنة على إرادة الناس ورفض اختياراتهم الحرّة.
انّ هؤلاء الّذين يتقافزون اليوم على المنابر والمنتديات والهيئات الحقوقيّة والنقابات وتُفتحُ لهم الفضاءات الاعلاميّة من صحف وتلفزات وإذاعات لترديد اسطواناتهم القديمة المشروخة انّما يكشفون بصفة قطعيّة ما تلبّس بهم من هوس أكاديمي مرضي ستعجز المخابر والتحاليل الكلينيكيّة والنفسيّة والبسيكولوجيّة عن ايجاد طرق علاج له بما يلزمهُ من أدوية وعقاقير ومُرهمات بعد ان بدات المساحيق التجميليّة في الامّحاء والذوبان بتقدّم المسار الثوري.
ما يفعلهُ هؤلاء الاكادميّون والجامعيّون من اعادة احياء لنظريات الاستبداد والاستئصال هو تعنّت غريب - ان لم اقل عجيب- لن يؤدي في النهاية الاّ الى حفر القبر الجماعي والخروج النهائي من دائرة التأثير والفعل التاريخي الذي هو متطور ومتبدل ومتغيّر مثلما تؤكّدُه ذلك الأبحاث الاكادميّة والجامعيّة العلميّة والموضوعيّة المتنصّلة عن كل عفن أيديولوجي لا يفتحُ عينيه الاثنين على ما في الحياة من رحابة وما للاجتماع البشري أيا كان من تنوّع وتعدّد واختلاف.





   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments


14 de 14 commentaires pour l'article 62957

Barbarous  (Tunisia)  |Vendredi 5 Avril 2013 à 01:35           
بالنسبة لمسألة النقاب الحل واضح خلو البنات تدخل بالنقاب واش يهمكم فيهم ، ما قولتو حرية خليها ما تفهمش ما همكم على البيداغوجيا ؟؟ ايا بالله العظيم كان يعدولكم امتحان في البيداغوجيا لوجو ه لمقلبة هذي لاما يجيبوا صفرات، محسوب نتائجكم واضحة وترتيب جامعاتكم معروف وزيد من القرن اللي فات و محتوى تدريسكم اكل عليه الدهر وشرب لا تطوير ولا هم يحزنون الا هذا يقريلي في اوراق صفر من عام زوز ويقولي بحث و ندرا شنوا بالله العظيم كا ن يحاسبوكم كل عام على
انتاجكم العلمي لاما تطيحوا كنترول .

Barbarous  (Tunisia)  |Vendredi 5 Avril 2013 à 00:20           
ملا مناظر مقلبة ، هذوما اساتذة جامعيين ، تعدوا في وقت الغفلو امثال هذوما

Elahrardjerba  (France)  |Jeudi 4 Avril 2013 à 19:19           
مسلمون ونخاف ربي ؟اما حكاية النقاب ما عنده حتي جدوي باش تكون في الجامعة ... كل يوم تجبون حاجة ..جديدة.... الناس و صلت للقمر واحنا في مواضيع فارغة... هل المراة لها الحق في قيادة السيارة،النقاب.... الفقه الاسلامي توقف في القرن التاسع اين انت يا متولي شعراوي،اين انت يا احمد ديدات ...بعض علماء اليوم كرهوا الناس في الدين الاسلامي خدمة....؟؟؟؟؟؟

Observo  (Canada)  |Jeudi 4 Avril 2013 à 18:15           
@langdevip (france)

c'est pas vous qui decide ou les femmes en ni9ab doivent aller. et votre opinion montre bien que votre esprit et trop etroit pour accepter des gens qui vous sont differents.

les femmes en somalie ou en afghanistan ne sont pas maltraitees parce qu'elles portent le ni9ab, mais bien parce qu'on les a prive de leur choix libre de porter ce qu'elles veulent. la preuve, bcp de femmes afghanes ont garde leur ni9ab apres l'invasion de l'otan.

alors mon ami, si vous etes vraiment eclaire, progressiste et qui veut une societe solidaire basee sur le respect mutuel, il faut arreter de denigrer les personnes qui vous sont differentes et les traiter comme des sous-citoyens. vous n'etes pas plus tunisien que les autres et apres tout votre vision du ni9ab reviens a vous meme. celles qui le portent ne sont pas obligees de partager le meme avis et c'est pour cette raison qu'elles le
portent.

svp si vous voulez que cette societe soit plurielle et tolere les differences, faites un effort pour donner l'exemple aux autres car sa sert a rien d'hurler jour et nuit contre l'extremisme religieux alors qu'en meme temps on defend un autre type d'extremisme. ca s'appelle de l'hypocrisie

respectfully yours

TheMirror  (Tunisia)  |Jeudi 4 Avril 2013 à 16:33           
Les bolchéviques ne tolèrent pas la différence

ce doyen, membre du parti communiste tunisien (ex-ettajdid, ex-pdm et actuel al massar), a torturé physiquement une étudiante de sa faculté, parce qu’elle a commis le crime de porter le nikab. nos jeunes filles doivent-elles quitter le pays pour pouvoir porter la tenue qu’elles jugent adéquate avec leurs convictions religieuses ?
je pense que non, c’est plutôt ce doyen bolchévique qui doit comprendre, par le biais de la justice, qu’en tunisie, le goulag n’est pas possible et la dictature prolétarienne n’est pas possible non plus. seul le respect d’autrui est possible.
mais le respect n’a jamais fait pas bon ménage avec la culture des « camarades ». un communiste, ça tue quand il en a les forces, ça arrache le pouvoir quand il en a les moyens, ça s’embourgeoise dès qu’il est sur le fauteuil et ça crache dans la soupe quand il n’a plus envie de manger.

Bononontroppo  (Tunisia)  |Jeudi 4 Avril 2013 à 16:32           
Israël peut dormir tranquille, ses ambassadeurs en tunisie sont très actifs, surtout après la révolution

Langdevip  (France)  |Jeudi 4 Avril 2013 à 16:28           
إحبوا إلهوا الشعب باش ينسى المشاكل والهم واللانتخبات

المنقبات بلصتهم في قندهار و الجهاد النكاحي فالحرب

في سوريا والصومال و أجرهم إلى الله و بلاصتهم فالجنه

Elahrardjerba  (France)  |Jeudi 4 Avril 2013 à 16:12           
طرح المواضي هذه في هذا الوقت يعني ابعاد الملفات الحققية من الطاولة؟غريب امركم ؟

Mouatene  (Tunisia)  |Jeudi 4 Avril 2013 à 16:08           
Le système révolu a permis en grande partie aux décadents de dominer les espaces académiques et d’imposer leurs dictature aux étudiants contraint de contempler leurs avis pour ne pas subir des répercutions aux examens.

Srettop  (France)  |Jeudi 4 Avril 2013 à 15:57           
بالفعل، السلفيون ابناؤنا والمنقبات بناتنا وكلهم يستغلون الحرية للطعن فيها بمعونة "ثوارنا" الحقيقيين ، هؤلاء اللذين يحلمون بالعودة للقرون الوسطى و عصر الضلام

Fredj1  (Tunisia)  |Jeudi 4 Avril 2013 à 15:55           
شكرا جزيلا على هدا المقال الرائع . كم نحن وكل الشعب التونسي في حاجة ماسة الى مثل هاته المقالات لتنوير عقل التونسي والدى بقي لسنوات تحت طائلة التغريب وابعاده عن مبادئه العربية الاسلامية وحتى على تراثه.
مرة اخرى اطلب من السيد الكريم الطيب القاسم الى الكتابة في كل الاماكن لتوعية التونسي واظهار المخاطر المحدقة بمستقبل الشباب التونسي وبتونس خاصة وما الاحداث الجارية في الاونة الاخيرة من اغتصابات الا دلالة على الارث الثقيل الدى ورثة التونسي من فساد للاخلاق

SOS12  (Tunisia)  |Jeudi 4 Avril 2013 à 15:33           
ســـــــعى الاعــــلام للانــــقضاض ببعض الاكادمــــيين على مشروع اصلاحي متنوع

فاعـــطاهم مـــساحة كبرى

فوقعا في ل دكتاطــورية وصــــنفو من الــــمارقــــين فساندتهم الجمعيات المفلسة

Karimyousef  (France)  |Jeudi 4 Avril 2013 à 15:25           
La gauche n'a jamais été democratique.la reference au communisme etouffe tout esprit d'ouverture.ils sont les pires ennemis de la democratie.

Kairouan  (Qatar)  |Jeudi 4 Avril 2013 à 15:20           
مقال ممتاز يحلل أسباب تسلط اليسار المتطرف على التعليم الجامعي والحالة الكارثية التي وصلت إليها الجامعات التونسية من حيث المستوى الأخلاقي والتعليمي للأساتذة والطلاب على حد سوى ولكن رياح الثورة التي إقتلعت سيدهم بن علي سوف تقتلعهم لتعود الجامعة منارة علم وإبداع وتنوع فكري بناء


babnet
*.*.*