---

---

وحْشِيّ هو اسم منسوب إلى وَحْش جريمة وحشيّة، مُجْرم، حمارٌ وحشيّ، - حيوان وحشيّ، برّيّ، غير مروَّض، عَمَلٌ وَحْشيّ أي متَّسم بالقساوة، كلامٌ وَحْشيّ، ألفاظ غير مألوفة، عَمَلٌ وَحْشِيٌّ أي عَمَلٌ يَتَّسِمُ بِأَعْمَالِ الوُحُوشِ، أَعْمَالٌ وَحْشِيَّةٌ، جَرِيمَةٌ وَحْشِيَّةٌ، رَجُلٌ وَحْشِيٌّ، مُتَوَحِّشٌ، فَظٌّ، شَرِسٌ..وحشي هو الإضراب الذي نفذه الفهري لسويعات..

لأنّ سامي الفهري يعتبر من أصهار الرئيس المخلوع، ولأنّه من شركاء بالحسن الطرابلسي ولأنّه ينتمي إلى قطاع الإعلام الذي يعتبر رأس حربة الثورة المضادّة ولأنّه ينتمي إلى طبقة متزلّفة، ولأنّه أول من نقل الإثارة والغريزة من الأفلام التونسيّة إلى المسلسلات ولأنّه قدّم نفسه كربّان إعلامي للطاغية ليلة الرابع عشر، ولأنّه انخرط دون تردّد وبحزم في صفوف الثورة المضادّة... لأنّه كل هذا وأكثرمن هذا ولأنّ ثورة الكرامة جاءت لتطوي صفحة كلّ الذين تمعّشوا من نظام 7 نوفمبر وتسدّ أمامهم الطريق وتفتح صفحة ضحايا العصابة الحاكمة وتفسح أمامهم الطريق، كان الاعتقاد السائد ان يكرم الأحرار ويعاقب الازلام لكن الاعتقاد السائد تحوّل إلى اعتقاد ساذج !

دخل سامي الفهري في إضراب الجوع الذي أطلق عليه وحشي وتخلى الإعلام وكثير من النخب عن ورقة التوت وانخرطوا بكل جوارحهم في الدفاع عن الطفل المدلّل للدكتاتوريّة والطفل المدلّل لما بعد الدكتاتوريّة، دلّلــه عبد الوهاب عبد الله ثم ها هو يدلّل من لدن غلمانه وجواريه، لم تعد تثيرنا جحافل الثورة المضادّة التي أصبحت ظاهرة بارزة في البلاد ، إنّما المثير للاستغراب هو هذا النقل الحرفي لإضراب الفهري وإصرار قوى الردّة على ربطه بكلمة وحشي ، حتى أنّ بعض قوى الثورة سقطت في ما سمّاه المفكّر مالك بن نبي قابلية الاستعمار وأصبحت كلمة وحشي متزامنة مع كلمة إضراب تسوّق لها دون شعور، قوى ثوريّة لديها قابليّة الاستغفال والاستعمال لانها قامت بالتسويق الحرفي لشعار الفهري هذا الذي يجرّ قضايا فساد من الوزن الثقيل وعلّق إضرابه أربعة أيام في انتظار التفاوض مع الحكومة والجهات المعنيّة، كيف يحدث هذا إذا كانت أهمّ الشخصيّات العالميّة تأتي إلى بلادنا للتفاوض مع طرف في الحكومة وليس مع الحكومة و الجهات المعنيّة ، ولن نستغرب إذا قيل ان الفهري يطالب بمفاوظات مع رباعي، الحكومة والتاسيسي والرئاسة والقوات المسلحة.

بينما البحيري يسهّل مهمّة الشابي والدهماني لزيارة الفهري، وبينما هذا الأخير يمهل الحكومة والجهات المعنيّة أربعة أيام للتفاوض ثم يعلّق إضرابه الوحشي، فإنّه وفي تونس بلد العجائب كان شباب في عمر الزهور يكرهون بن علي ويكرههم حديثي عهد بسجونه يخوضون إضراب جوع موحش لا مؤنس فيه، لم يسمع بهم الإعلام ولم يسهّل البحيري مهمّة بعض الأدعياء لزيارتهم ولم يسمع بهم رئيس الجمهوريّة التونسيّة السّيد محمد المنصف المرزوقي.

شهرين وأحمد البختي يصارع الموت في إضرابه الموحش، لم يسمع أحد أنات صوته لأنّ لا كاكتوس له ولا طرابلسيّة له ولا إعلام له ولا ولاة أمر يسمعون به، كانت جنايته أنّه لم ينمُ في حجر ليلى وإنّما نمى وترعرع في مساجد الله،، مات البختي، ومازلنا نترقب البحيري الذي سيفتح تحقيقا لمعرفة ملابسات الوفاة.

قبل البختي توفي القلي ابن الـ 23 ربيعا ، الذي لم يتفطّنوا إلى إضرابه الموحش طيلة 57 يوما بلياليها ، بينما تفطّنوا إلى سامي الفهري في الدقيقة لا بل في الثانية التي أنهى فيها الحرف الأخير من قراره حين قال وحشي ومع خروج حرف وحشـــ اييييي تناقلت وكالات الأنباء الخبر الصاعقة الفهري أضرب أيّها الناس .

قرر إعلام زين العابدين بن علي أن يموت القلي فمااااااااااااات رحمه الله ،
وقرر أن يموت البختي فماااااااااااات رحمه الله ...
وقرر أن يعيش الفهري فعاااااااااااش عقبال مليار سنة .

ليس العمل الإعلامي إلا صناعة ضخمة لها متطلّباتها وموادها وآلياتها وهو مع ذلك لا يَنشأ بقرار إنّما يُنشّأ تدريجيّا ليصبح سلوكا لا تتحكّم فيه الرغبة بقدر ما تتحكّم فيه التجربة والزمن، ولا جدال في أنّ الثورة إذا بلغت الزبى يمكن لها أن تعصف بالطواغيت لأنّهم في الأخير مهما حصّنوا أنفسهم سيظلّون أجساما متشكّلة بارزة يمكن استهدافها عن طريق مراكمة القوة الدافعة أو بفعل المباغتة، وإن كانت الثورة وفي حالة ما ارتقت بسقف طموحها يمكنها جني الأجسام والتقاطها إلا أنّه يصعب عليها استهداف الحالات استهدافا مباشرا مستعجلا، لأنّ الأجسام بارزة والحالات سائبة عائمة ، عمليّة التقاطها بالغة التعقيد، عندما تستهدف الثورة رأس الوثن ستكون بحاجة إلى كميّات كبيرة من الغضب والاندفاع والتشنّج، لكن عندما تكون بصدّد ملاحقة حالة زئبقيّة مدمّرة مثل الإعلام التونسي عليها أن تقوم بإزالة التشنّج والغضب والاستنجاد بالحكمة والعزيمة والنفس الطويل لأنّنا عندئذ لن نكون أمام عضو يُبتر يحتاج إلى مشرط قوي ويد ثابتة واثقة، بل نحن أمام عمليّة كيميائيّة معقّدة لملاحقة خلايا سرطانيّة متمكّنة لا تنفع معها عضلات الثورة الآليّة ، إنّما تحتاج إلى مساحة إضافيّة تمدّد فيها الثورة لنفسها، تتسلّح بالصبر والدقة، تغير من آليّات عملها، تعتمد على التفاصيل ولا تملّ من الملاحقات ثم لا تستعجل النتائج، فهذه الجزيئات المسرطنة وإن أحسنت التمركّز الغريزي بحكم التجربة فإنّها لا تملك ذلك النفس الطويل لأنّها جزيئات لقيطة تغذّت على الانتهازيّة والتزلّف وليست بتلك الجزيئات الصلبة التي تحمل في رحمها شروط البقاء.

من يتمعّن المشهد ويشرف عليه من فوق سيقترب كثيرا من المشكلة ويحصرها في عنصرين اثنين، سيكتشف أننا في حضرة شعب واقع بين فريقين، هذه لاشرعيّة لديها سوء نيّة وتلك شرعيّة لديها سؤء تدبير، ذاك فريق يقرض الثورة يخدشها، يذهب بهائها وبريقها وهذا فريق يصمت حين يجب أن يتكلم ويتكلم حين يجب أن يصمت، لا يكتفي بالتباطؤ إنّما يعطي إشارات لأعداء الثورة مفادها أنّني لن أتحرك إلا إذا همزتموني ، حتى إذا هُمز وتحرّك وأنجز، لاحت الثورة المضادّة حكيمة فاعلة ولاحت الشرعيّة عيّية معطّلة.