من يدين العنف الثوري على رموز الدولة في سيدي بوزيد؟
بقلم الأستاذ بولبابة سالم
لقد كان المشهد صادما في الذكرى الثانية لانطلاق الثورة يوم 17 ديسمبر في سيدي بوزيد , من اعتدى على رئيس الجمهورية و رئيس المجلس الوطني التأسيسي فقد اعتدى على رموز الدولة التونسية و ليس على شخصي المنصف المرزوقي و مصطفى بن جعفر .
لقد كان المشهد صادما في الذكرى الثانية لانطلاق الثورة يوم 17 ديسمبر في سيدي بوزيد , من اعتدى على رئيس الجمهورية و رئيس المجلس الوطني التأسيسي فقد اعتدى على رموز الدولة التونسية و ليس على شخصي المنصف المرزوقي و مصطفى بن جعفر .
الساذجون وحدهم من يحاولون إيهام الناس بأن دوافع تلك الفوضى المقرفة تعود لاحتجاجات اجتماعية عادية فقد سبق تلك الحادثة التهديد بيوم أسود من أنصار الجبهة الشعبية الشيوعية , الشعارات و الوجوه المعروفة التي احتلّت الأماكن الأمامية و أرادت تجييش الناس ضدّ رئيس الدولة و رئيس المجلس الوطني التأسيسي تدرك جيدا أنها استنفرت قواعدها لضرب رموز الدولة و إهانتهم . إنّه الحقد المرضي و الأعمى ضدّ من انتخبهم الشعب , هؤلاء الثورجيون الذين يستغلون حالة الفقر التي تعيشها مناطق عديدة و تتاجر بقضاياها تحاول جاهدة إجهاض المشروع الديمقراطي في تونس لأنّهم يدركون جيّدا ألا أمل لهم في الصندوق الإنتخابي فقد لفظهم الشعب و سيعيد لفظهم من جديد و بأكثر حدّة في أول موعد انتخابي قادم فهم مجرّد ظاهرة صوتية لا أثر لها في الواقع الإجتماعي و قد ضخّم حجمهم إعلام احترف النصب السياسي و الدجل السياسي, هذا الإعلام التعيس يحرّك هذه القوى وفق مخطط جهنّمي و ليس حبّا في مشروعهم المفلس الذي تخلّت عنه دول أوروبا الشرقية و روسيا , إن الممسكين بجهاز الإعلام اليوم هم مجموعة من المتنفّذين من النظام البائد الذي خسروا مواقعهم بعد الثورة و يقودون الثورة المضادة عبر قوى اليسار المتطرّف لأنّ الوجوه التجمّعية قد احترقت و لا تملك قبولا من المتابعين . هذا اليسار الإنتهازي المتطرّف المتمرّس على الجدال الإيديولوجي خاصة مع وجود خصمه التاريخي في السلطة وجد في الأمر فرصة لتصفية الحسابات السياسية وهو يدرك عن وعي أو عن غير وعي أنّه حطب المعركة بين حركة النهضة و نداء تونس في الإنتخابات القادمة .
لطالما تهاطلت بيانات التنديد و الشجب بالعنف بسرعة قصوى عندما يكون المتّهم سلفيا حيث تتسابق الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان و بقية المنظمات و الجمعيات و الأحزاب الوطنية في إعلان تضامنها مع المعتدى عليه . أما عندما يكون العنف يساريا فالجميع يلتزم الصمت المطبق ولا تصدر سوى بعض البيانات الخجولة لرفع العتب بل البعض يتهامسون فرحا لما يحصل وهو ما نلاحظه فيما حصل في سيدي بوزيد . لقد سقطت ورقة التوت عن هؤلاء بعدما داسوا على المبادئ و الأخلاق السياسية و أصبحوا طرفا في الصراع السياسي و خيّبوا ظنّ الشعب التونسي. إن الركوب على المطالب الإجتماعية و المتاجرة بآلام الناس كما حصل في سليانة سابقا و عرقلة كل الجهود لإنعاش المناطق المحرومة عبر تشجيع التوترات الإجتماعية نكاية في الحكومة و ضربا لخصم سياسي في محاولة لإنهاكه و هرسلته دون اعتبار للآثار الكارثية لذلك السلوك على البلاد و العباد

للأسف الشديد مازال أيتام لينين يحنون إلى العنف الثوري و يكفرون بالديمقراطية التي لا يرفعونها إلا كشعار للتمويه و التلبيس على الناس . لقد مني هؤلاء بهزيمة مذلّة في انتخابات 23 أكتوبر 2011 و الأحزاب الديمقراطية التي تخسر الإنتخابات تجدد هياكلها و قياداتها لكن هؤلاء تسمّروا في مواقعهم بل أقصوا كل من يطالب بالإصلاح. إنهم لا يؤمنون بالدولة و إحدى أهدافهم هو إسقاط الدولة التي يعتبرها الرفاق كما جاء في أدبياتهم الماركسية صنيعة برجوازية لحماية الطبقة الثرية فلابد من هدمها لإعادة صياغتها لتخدم الطبقات المسحوقة , وهم لا يضعون اعتبارا لهيبة الدولة بل يريدون إضعافها بشتى الوسائل عبر إهانة رموزها وهو ما شاهده المتابعون في سيدي بوزيد عبر رمي رئيس الدولة و رئيس المجلس الوطني التأسيسي بالحجارة و إجبارهم على مغادرة المنصة في مشهد مؤلم , فكيف يأمن المواطن إذا شعر رموز الدولة بالخوف على أمنهم الشخصي ؟و ما الذي ينتظره أهالي سيدي بوزيد بعد تلك المشاهد التي تابعها العالم؟ و من سيفكر في الإستثمار وهو يرى تلك الهمجية و الفوضى ؟ و هل سيحقق لهم الرفاق أهداف الثورة التي لم تحققها الثورة البلشفية رغم الثروات الطبيعية الطائلة لروسيا و بقية الجمهوريات السوفياتية السابقة ؟ و إلى متى ستبقى تونس متحفا للنظريات المقبورة ؟ متى سيمتلك اليسار المناضل الشجاعة الكافية بعيدا عن الشعبوية في مراجعة الأطروحات الماركسية كما فعلت الأحزاب الشيوعية الأوروبية ؟
و للإشارة فإن العنف عند الرفاق ثلاثة أنواع : عنف قمعي تمارسه الدولة و عنف رجعي ظلامي تمارسه التيارات الإسلامية و العنف الثوري الذي يمارسه اليساريون وهو عنف مشروع . أما نحن فندين العنف مهما كان مصدره و تبقى الدولة هي الوحيدة التي تحتكر العنف و تمارسه بالقانون. و حفظ الله تونس .
كاتب و محلل سياسي
Comments
11 de 11 commentaires pour l'article 58153