المهرجانات في تونس بين ضغط الحاجة وقلة الموارد
منية كواش
1229 هو عدد المهرجانات التي تنتظم في تونس بكل أصنافها على طوال السنة وتحصل على دعم من المال العام، حسب آخر تصريحات وزيرة الثقافة يوم الجمعة 21 نوفمبر 2025، في الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب لتقديم ميزانية الوزارة لسنة 2026. وتفوق كلفة تنظيم هذه المهرجانات، 20 مليون دينار ساهمت فيها الوزارة بأكثر من 10 ملايين دينار.
1229 هو عدد المهرجانات التي تنتظم في تونس بكل أصنافها على طوال السنة وتحصل على دعم من المال العام، حسب آخر تصريحات وزيرة الثقافة يوم الجمعة 21 نوفمبر 2025، في الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب لتقديم ميزانية الوزارة لسنة 2026. وتفوق كلفة تنظيم هذه المهرجانات، 20 مليون دينار ساهمت فيها الوزارة بأكثر من 10 ملايين دينار.
وفعلا ترسخت عادة المهرجانات في تونس، ورغم من قلة الموارد المالية حافظت على استمراريتها وديمومتها، ضاربة موعدا سنويا مع جمهورها، مستقطبة جماهيرا عريضة تزداد وتتنوع من سنة إلى أخرى. فالمهرجانات كما يحتاجها المواطن، يحتاجها أيضا المبدع والفنان، ويطمح للمشاركة فيها ليعرّف بنفسه على الساحة ويروّج لإنتاجه. ألا أن هذه المهرجانات سواء كانت وطنية أو جهوية تواجه في كل دورة من دوراتها، تحديات وصعوبات جمة ويجد منظمو المهرجانات أنفسهم أمام مواقف صعبة، يعجزون عن حلها لقلة الإمكانيات وضعف الميزانيات المخصصة فتراهم يصارعون من أجل البقاء، باحثين عن طرق تمويل لتغطية المصاريف.
شح مالي متعدد الأبعاد
مع انتهاء كل مهرجان دولي أو جهوي تتوالى التعليقات والانتقادات من الأوساط الفنية والإبداعية والتنظيمية وتجد صداها في الإعلام، منددين بعدم حصولهم على دعم مالي كاف من وزارة الشؤون الثقافية، التي تشكو هي بدورها من ضعف الميزانية المالية المخصصة لها، وتمّ منذ أيام نشر خبر مسرّ للجميع يتمثّل في الترفيع بنسبة 8 % من ميزانية وزارة الثقافة لسنة 2026 (في حدود 460,969 مليون دينار،).وهكذا أصبح عنصر الدّعم مشكلا قائما يراوح مكانه منذ سنوات عديدة، وموضوع جدل ونقاشات واحتجاجات ومزايدات، فهذا يرى نفسه أهلا أكثر من زميله للفوز بالدعم وآخر يطالب بتوزيع عادل وثالث يحتج على إقصائه وحرمانه من الدعم، مطالبا بـالشفافية وباعتماد الرّقمنة والمقاييس الموضوعية.
كما يثير الدعم المالي العام للمهرجانات أيضا لغطا وانتقادات وردود أفعال من عامة الناس، إذ يرى فيه البعض إهدارا للمال العام معللا احتياج القطاعات الحياتية الأخرى لهذا المال نظرا للوضع المالي الصعب التي تمر به البلاد.
أسالت معضلة الدعم أيضا الكثير من الحبر وتحدثت وسائل الإعلام عن شح الموارد المالية وانعكاساته على تنظيم ومجريات المهرجانات وما انجرّ عنه من نقائص ملموسة لوجستية واتصالية وتقنية وإنسانية. ويعد هذا الجدل والنقد ظاهرة صحية وضرورية إذ يسمح بالمراجعة وينبه إلى تفادي الأخطاء السابقة وإلى تجاوزها وعدم السقوط فيها من جديد في الدورات اللاحقة، فالنقد لم يكن نقدا عاما وفي المطلق، بل تطرّق إلى منجزات فأقر بجهود مبذولة طوال السنة إذ خططت ونظّمت وتابعت على مستويات وطنية وجهوية ومحلية.
وأدخلت وزارة الثقافة أصلاحا جوهريا تأمل من ورائه تحقيق الشفافية والنجاعة في كل أشكال توزيع الدّعم، وذلك بإطلاق المنصة الرقمية للتصرف في الدعم بالقطاع الثقافي، منذ أكتوبر الماضي وستسمح برقمنة آليات الدعم الثقافي، التي كانت تُدار سابقًا بطرق كلاسيكية تعتمد على الملفات الورقية. وستسمح بمعالجة الملفات إلكترونيًا منذ إيداعها إلى غاية البتّ فيها، ما يساهم في تسريع الإجراءات وتحسين جودة الخدمة. وتندرج المنصّة ضمن مراجعة شاملة للنصوص القانونية المنظمة لعمليات الإسناد، بما يضمن مزيدًا من الشفافية والنجاعة في إدارة الموارد. وتعمل الوزارة على مراجعة "النصوص القديمة" التي تعود إلى الستينات والسبعينات بهدف تحديث الإطار التشريعي ليتماشى مع التوجهات الجديدة في مجال الدعم الثقافي. المنصّة ستساهم في تحسين توزيع الموارد على مختلف القطاعات الفنية والمهرجانات والمؤسسات الثقافية الجهوية.
المهرجانات وسياسة القرب
تقام المهرجانات بالأساس للترويج ولتوزيع المنتج الثقافي ولتسهيل نفاذ عادل ومتكافئ للثقافة بتقريبها من المواطن وتشجيعه على الإقبال على العروض الثقافية، إذ نلاحظ بالعين المجردة الجماهير الغفيرة التي تستقطبها بعض المهرجانات، بينما تقتصر الفضاءات الثقافية في سائر الأيام على روّاد قلّة من النخبة ومن أهل الفن، وتشكو المسارح وقاعات السينما من تقلّص الجمهور.لذلك تعدّ المهرجانات فرصة ومساحة مفضّلة للعديد من الفنانين بمختلف تخصصاتهم لعرض منتجاتهم وللتعريف بأعمالهم، وهي أيضا، وبصفة أخص محلّيا وجهويا، وسيلة تنشيط ثقافي يلجأ إليها المسؤولون ويجدون فيها فرصا لخلق ديناميكية تتجاوز الفعل الثقافي وتسمح بمكاسب سياسية واقتصادية على المستوى المتوسط والبعيد.
معادلة صعبة بين مهرجانات تتكاثف وموارد مالية تتقلص
تجد "المؤسسة الوطنية لتنمية المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية" نفسها أمام معادلة صّعبة بين الطموح الشرعي لتنظيم المهرجانات وتصاعد عددها وما تتطلبه من ميزانيات وأموال، وبين وجوب ترشيد الموارد المالية المحدودة وحسن استعمالها والحرص على عدالة توزيعها ضمانا لمبدأ تكافؤ الفرص وحفظا للمال العام.وكسبت المؤسسة خبرة بحكم الممارسة الطويلة لمهامها، وتشكّل مع الوقت فريقا من المهنيين الأكفاء سواء على مستوى الإدارة أو الشؤون المالية أو البرمجة والترويج للمنتج الثقافي وعلى مستوى التقييم، وأصبحت قادرة على مرافقة حركات تنظيم المهرجانات، ساعية لتحقيق توازن إيجابي بين المشاركة المحلية والجهوية للفاعلين الثقافيين، وهو شرط نجاح كل مهرجان، والتدخّل المركزي للمؤسسة الوطنية لتنمية المهرجانات، بما يوفّره من دعم مالي وخبرة تصرّف.
فهل يحق القول أن المهرجانات تدفع ثمن نجاحها بعد أن انتشرت ولم تعد حكرا على جهة دون أخرى، مما وضع الجميع أمام ضغط قلّة الموارد والمطالبة بتمويل من السلط المركزية، فأغلب المهرجانات تنطلق وفي جرابها تمويل ذاتي ضعيف أو منعدم، رأسمالها حماسها وحبها لجهاتها، في حين يتطلب المهرجان مهما كان حجمه صغيرا أم كبيرا تكاليف ومتطلّبات مالية.
الشراكة مع القطاع الخاص باتت ضرورية
وفي جلسة استماع للجنة السياحة والثقافة والخدمات والصناعات التقليدية بمجلس النواب، يوم الأربعاء 14 ماي 2025 التزمت المؤسسة الوطنية لتنمية المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية بالتنسيق مع مكتب الشؤون الجهوية بوزارة الإشراف والمندوبيات الجهوية للشؤون الثقافية بتوحيد الجهود لتطوير أساليب تدخّل الدولة في مجال تنظيم المهرجانات عن طريق حثّ الفاعلين على البحث عن تمويلات ذاتيّة في إطار الشراكة مع القطاع الخاص أو عبر عقود استشهار، وذلك بهدف تحقيق الاستقلال المالي تدريجيا.وفي ورشة عمل لتطوير منظومة المهرجانات وإعادة تصنيفها وفق معايير الجودة، تم النظر في إمكانية وضع معايير أكثر دقّة لتصنيف المهرجانات إلى دولية ووطنية وجهوية، باعتماد رؤية ثقافية متكاملة تقوم على برمجة فنية نوعية.
كما تناولت الورشة أهمية صيانة المسارح الأثرية وتثمينها باعتبارها فضاءات رئيسية لاحتضان التظاهرات الثقافية الصيفية، إلى جانب التأكيد على الحوكمة من خلال اعتماد كراسات شروط دقيقة وترشيد الدعم العمومي وإطلاق حملات ترويجية ومنح "Label Qualité" للمهرجانات المتميزة.
البحث عن مصادر تمويل تكمّل الدعم العمومي
وجاء في بلاغ نشرته المؤسسة الوطنية لتنمية المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية في أكتوبر 2025 أنه على طالبي الدعم اقتراح برامج جديدة ومبتكرة تراعي خصوصية الجهات وتُعبّر عن ثراء المشهد الثقافي الوطني، بما يساهم في إشعاع الثقافة التونسية إقليميا ودوليا.كما ذكّرت المؤسسة أن مساهمتها في التمويل تندرج ضمن سياسة دعم تشاركي وفي حدود الإمكانيات المتوفّرة، داعية إلى تنويع مصادر التمويل عبر شراكات مع القطاعين العام والخاص والمنظمات الدولية.
واقترحت وزارة الشؤون الثقافية تخصيص فقرة ضمن البرامج المرشحة للدعم، لمعالجة السلوكيات المحفوفة بالمخاطر والتصدي لـالخطاب المتطرف والعنف والهجرة غير النظامية والإدمان والانقطاع المدرسي وحوادث الطرقات وحماية البيئة وتثمين التراث، مما يعزز الدور التربوي والمجتمعي للمهرجانات إلى جانب دورها الترفيهي.











Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 319061