تونس.. من الجلاء إلى الإجلاء

<img src=http://www.babnet.net/images/3b/68ef62c1b32da1.15357259_lmqknjfioegph.jpg width=100 align=left border=0>


بقلم ريم بالخذيري

في مثل هذا اليوم من سنة 1963، صدح في سماء تونس (بنزرت) صوت الحرية، وانسحب آخر جندي فرنسي من أرض الوطن، لتُطوى صفحة مريرة من تاريخ الاحتلال وتُفتح صفحة السيادة الوطنية.

كان ذلك اليوم تتويجًا لنضال طويل خاضه التونسيون بدمائهم وصبرهم ووحدتهم، فصار عيد الجلاء رمزًا للكرامة والعزة والتحرر.




لكن، وبعد أكثر من ستة عقود على تلك اللحظة المفصلية، يفرض علينا التاريخ أن نعيد قراءة المعنى العميق للجلاء. فليس الجلاء فقط خروجًا للمستعمر من الأرض، بل هو خروج كل مظاهر الاستعمار من داخلنا: من عقولنا وسلوكنا ومؤسساتنا وممارساتنا اليومية.

لقد تحررت الأرض، نعم، لكن هل تحرر الفكر؟ هل تحرر الاقتصاد؟ هل تحررت الإدارة من الفساد والبيروقراطية؟
إننا اليوم بحاجة إلى جيل جديد من الجلاء، إجلاء يطال الجهل الذي ما زال يقيّد العقول، والفقر الذي يسلب الكرامة، والفساد الذي ينخر جسد الدولة، والكسل الذي يطفئ روح المبادرة، والتشاحن والتباغض اللذين يمزقان النسيج الوطني.

عيد الجلاء ليس فقط ذكرى للماضي، بل مرآة للمستقبل. مناسبة نتوقف عندها لا لنكتفي بالاحتفال، بل لنحاسب أنفسنا:
هل نحن أوفياء لرسالة الأجداد الذين حققوا لنا الاستقلال؟
هل نحمل اليوم مشروع إجلاء جديد، يحرر التونسي من قيود التخلف والتبعية واللامسؤولية؟

إن التحول من رمزية الجلاء إلى ثقافة الإجلاء يقتضي أن يصبح الوعي الوطني مشروعًا متجددًا، لا مناسبة عابرة.
ثقافة الإجلاء هي أن نُجلِي الأنانية والرجعية وأن نُجلِي الفوضى عن مؤسساتنا، وأن نُجلِي اليأس من قلوب شبابنا.
هي ثقافة عمل ونزاهة وإخلاص.

هي وعي بأن الوطن لا يتحرر مرّة واحدة، بل كل يوم، في المدرسة، في المصنع، في الإدارة، في الإعلام، وفي كل موقع من مواقع الحياة.

فلنحوّل الذكرى الثانية والستين لعيد الجلاء إلى لحظة وعي جماعي بأن المعركة لم تنتهِ بعد، وأن الاستعمار بأشكاله الجديدة لا يزال يتربص بنا في صورة جهلٍ أو فسادٍ أو تبعيةٍ فكريةٍ واقتصادية.
ولنجعل من ثقافة الإجلاء شعارًا وفعلاً، حتى نُنجز الجلاء الأكبر:
جلاء كل ما يعوقنا عن بناء تونس التي حلم بها الشهداء...
تونس العادلة، المتصالحة، المنتجة، والمستنيرة.



   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 316672


babnet
*.*.*
All Radio in One