الحزب المنشق عن النّهضة..

نصرالدّين السويلمي
يكذب من يقول أنّ كلّ ما قيل في الغنّوشي هو من صنف الإشاعات، ويكذب من يقول بأنّ كلّ ما قيل في الغنّوشي هي حقائق محضة، للرجل ما له وما عليه، ولن يتسنّى الحكم بتجرّد إلّا إذا تجرّد الجميع في طرح المآخذ، وقام نقاد الرجل بتصفية الكذب والتلفيق والتشويه الذي طاله ومن ثمّ الانخراط في نقد مفيد بعيدا عن الأدلجة والحسابات الضيّقة والحقد على حزب يحتكر الفوز ليس لأنّه الأقوى بل لأنّه الأعرق والأكثر تماسكا من غيره.
من غير ذلك سيبقى تشويه الرجل حالة حشو ومخدّرات وقتيّة كثيفة الجرعات ينتهي مفعولها بارتخاء قبضة محافل التشويه في الدّاخل والخارج، ولا يمكن توفير وجبات نقد قابلة للعمار ما دام أرباب الثورة المضادّة وأعداء الأمّة وأباطرة التطبيع وسدنة صفقة القرن وخصوم الهويّة من محمّد بن زايد إلى محمّد بن سلمان إلى السيسي، ما داموا يضعون الغنّوشي على رأس المطلوبين لديهم ويسخّرون منابرهم للنيل ومنه حتى أكثر من حزبه المستهدف بقوّة من الثورة المضادّة في نسختها الدّاخليّة والإقليميّة.
ذاك عن خصوم الغنّوشي في الخارج وفي الدّاخل التونسي، أمّا خصومه في الدّاخل النّهضاوي فقد فشلوا فشلا ذريعا في إدارة معاركهم معه، ليس لأنّه الملاك وهم الشياطين، وليس لأنّه المناضل وهم الدخلاء بل فيهم من تعرّض إلى محن أكثر ممّا تعرّض لها الغنّوشي قبل خروجه من تونس أواخر ثمانينات القرن الماضي. إنّما مشكلتهم في منهجيّة الصراع المشوّشة وقلّة صبرهم وانفعالهم ومن ثمّ اجتياحهم للخطوط الحمراء داخل الحركة، ولعلّ أكثر ما يثير الدّاخل النّهضاوي التجاء الخصوم إلى الإعلام الذي يحارب حركتهم منذ أكثر من عقد ويعادي في مجمله هويّة البلاد التي تعتبر مرجعيّة الحركة وتربتها ومنشأها، ولا شكّ سيغضبون حين يتابعون من ينشر غسيلهم على منشر خصومهم، وحتى عند الالتجاء إلى الإعلام المعادي، لا يكتفي هؤلاء بثلب ونقد أو جلد الغنّوشي، لكنّهم سرعان ما ينحدرون إلى جلد القواعد ومن ثمّ الحركة ككلّ، فيما تجاوز بعضهم مثل عماد الحمامي إلى إعلان انتهاء الإسلام السياسي ولعلّ مصطلح المرجعيّة الإسلاميّة أقرب، فيما لا أحد خرج في البلاد ليعلن انتهاء المرجعيّة اليساريّة أو القوميّة، أي نعم طالبوا بمراجعات والكلّ يفعل ذلك، لكن لم يطالبوا بالنّهايات كما الحمامي.
إذًا ليس لخصوم الغنّوشي داخل النّهضة رؤية واضحة في إدارة معاركهم معه، ليس لهم الصبر وليس لهم ذلك الولاء القوي للجسم ليردعهم عن الانتقال من الصراع مع رئيس الحركة إلى الصراع مع الحركة، ولعلّ أضعف الحلقات هي التي يعتمدها البعض لتقوية أرصدتهم، بينما يقوّضون بها أرصدتهم، وذلك حين يشرعون فوق منابر الإعلام المعادي في ثلب حركتهم وتوجّهاتها وإنجازاتها وطرحها وفكرها، لصالح فكرتهم وطرحهم وتوجّهاتهم.. هذا السلوك يترك صورة رديئة لدى قواعد النّهضة، فالقيادي الحقيقي الوفي هو الذي يحاول تقديم حزبه في هندام مميّز وليس الذي يسعى إلى هندمة نفسه على حساب حزبه، ثمّ إنّ القيادي في الحركة المستهدفة، يتحوّل إلى مجرم حين يمارس التفحيج في محاولة لكسب ودّ خصوم حركته وتقديم إشارات بأنّه المختلف والأعقل والأفضل، وأنّه الزبدة في محيط من الزبد.
لم تعد العقول سهلة للامتطاء، أصبحت السّاحة مفتوحة مكشوفة وتجربة الأحزاب ماثلة أمام الجميع، وأسباب بقاء هذا الحزب أو ذلك على قيد المشهد مرهونة بشكل كبير بوحدة الكيان ولحمته وقدرته على إدارة خلافاته داخل المؤسّسات.
كان الحمامي انتقد حزبه وقال بأنّ ما وقع له شخصيّا يمكّن التونسيّين من أخذ فكرة على ما يحدث داخل حركة النّهضة! وكان ساند قيس سعيّد في الخطوات التي قام بها وحمّل المسؤوليّة للغنّوشي في كلّ ما وقع، وأكّد أنّه لا رجوع لـ 24 جويلية وأنّ ما قام به رئيس الجمهوريّة يندرج في إطار الدستور. كما أكّد الحمامي على راديو آي أف أم ما سبق وصرّح به القيادي محمّد بن سالم عن التفكير في الانشقاق عن النّهضة وبعث حزب جديد.
أيْ نعم توجد بعض القياديات غير منسجمة تماما مع الغنّوشي لكنّها لا تفكر خارج النّهضة وتاريخها وإرثها، وعلى رأس هؤلاء علي العريض، الذي يدرك الجميع انه على خلاف في الكثير من النقاط مع الغنوشي، لكن عمق ارتباطه بالحركة ورمزيته واخلاقه منعته من تسوّر المنصات الاعلامية المعادية ورجم النهضة وزعيمها من عليها، غير أن بعض القيادات ومن خلال مصادمة حزبها والتنصّل من خياراته ومحطّاته ومحاولة الطعن فيه، يبدو أنّها حسمت أمرها لصالح الانشقاق وبعث كيان جديد، وإلّا فرضا أنّها ظلت مع النّهضة ووصلت إلى رئاستها، كيف ستدير حركة مؤسّسها وصاحب الفسيلة الأولى فيها تمّ تقديمه ككارثة وخطر على النّهضة والدولة والبلاد!!! ثمّ كيف ستطلب احترام القواعد حين تصل إلى رئاسة الحركة وهي التي عملت على شيطنة رئيسها ومؤسّسها وتحالفت في ثلبه مع خصوم الحركة وخصوم الاسلاميين وخصوم الثورة والتجربة!!! كلّ هذا يؤكّد أنّ ثلّة من قيادات النّهضة حسمت أمرها وشرعت في تحضير شرائح من قواعد النّهضة إلى النزوح!
والسؤال! كيف يمكنهم اقناع كتلة نحاسيّة شبّت وشابت في النهضة وارتبطت بها حدّ العظم، بالنزوح عنها لصالح فكرة جديدة سفّهت القديمة وقدّمت مؤسّسها وصاحب لبنتها بشكل بشع يشبه ذلك الذي قدّمته به مكينة محمّد بن زايد، والأكيد أن مكينة محمّد بن زايد، لم تلاحق الغنّوشي لأنّه فشل وفرّط وجانب وخلّط وجلط.. وإلّا ما كانت لاحقت بشراسة الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان الذي احتلت بلاده أخيرا ثاني أكبر معدّل نمو في العالم!
إذا هو العداء على شرط المرجعيّة والهويّة، جعل خليطا يتكالب على النّهضة تماما كما تكالب على العدالة والتنمية التركي، تماما كما استهدف مرسي والإخوان وليبيا وإصلاح اليمن وقطر والكويت.. تحت هذا التأثير يعمل البعض على التخلّص من الجسم الإسلامي المثقل بالملاحقات، مع الطمع في قواعده أو بعض قواعده!!! ذاك هو "التطهّر" الملعون.
Comments
2 de 2 commentaires pour l'article 231752