الديكتاتور الثائر

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/simonbolivaaar.jpg width=100 align=left border=0>


بقلم مهدي الزغديدي
#‏كيفما_اليوم



في مثل هذا اليوم 24 جويلية 1783 ولد العسكري والسياسي والثائر والديكتاتور الملقّب ب"المحرّر" سيمون بوليفار.



يعتبر سيمون بوليفار أحد أبرز الشخصيّات التي ساهمت في تحرير الكثير من دول أمريكا اللاتينيّة من حكم الاستعمار الاسباني. لقّب بالمحرّر، وحكمها بديكتاتوريّة استبداديّة ورغم ذلك يعتبر بطل أمريكا اللاتينيّة الأوّل وأحد أهمّ الشخصيّات العالميّة في القرن 19.
ولد بوليفار في مثل هذا اليوم 24 جويلية 1783 كراكاس عاصمة فنزويلا من عائلة أرستقراطيّة. كانت المملكة الاسبانيّة محتلّة أغلب أراضي أمريكا اللاتينيّة وذلك منذ اكتشافها على يد كريستوف كولمب سنة 1494. أحكمت اسبانيا سيطرتها على الشعوب ممّا خلق شعورا بالظلم وتوقا إلى التحرّر من غطرسة الإسبان بدأ ينمو شيئا فشيئا وعي بضرورة المقاومة. وكان سيمون بوليفار، ورغم انتمائه للطبقة الأرستوقراطيّة المقرّبة من الحكّام الإسبان، قد تأثر بالثورة الفرنسيّة وبمبادئ فلاسفة الأنوار خصوصا جون جاك روسو. فقد سافر في شبابه إلى فرنسا والتقى بالألماني ألكسندر فون هيويلت، الذي رسّخ له فكرة امكانيّة التحرّر من اسبانيا.

انخرط سنة 1807 في المقاومة المسلّحة الفينيزويليّة ضد الأسبان، إلى أن أطاح القائد فرانشيسكو ميراندا بالحاكم الاسباني وأقام حكما عسكريّا عام 1811، وتمّت ترقية بوليفار. الّا أن إسبانيا جمعت قوّاتها وهاجمت فنزويلا ممّا دفع ميراندا للتوقيع على هدنة سنة 1812، واضطر بوليفار للجوء إلى قرطاجنّة في غرناطة الجديدة (كولومبيا اليوم). وقام من هناك بقيادة حملة ثوريّة لتحرير فنزويلا التي اعتبرها مستعبدة من طرف الاسبان. فتجاوب معه العديد من أفراد الشعب، وانخرطوا في معارك مع الاسبان إلى أن دخل بوليفار كراكاس سنة 1813 منتصرا في ثوب منقذ البلاد، فصار منذ ذلك اليوم يلقّب بالمحرّر.

أسس بوليفار حكما عسكريّا ديكتاتوريّا، أعدم فيه كلّ من يعارضه وفرض أحكامه بقوّة البندقيّة، ممّا أدى إلى انقسام الشعب من حوله واندلاع حرب أهليّة، استطاعت إسبانيا استغلالها لإعادة احتلال فنزويلا التي غادرها بوليفار وعاد إلى قرطاجنّة لمواصلة ثورته. فانظمّ إليها الشعب الكولومبي، واستطاع بوليفار سنة 1819 الإطاحة بالقوّات الاسبانيّة، وأعلن نفسه رئيسا على كولومبيا الكبرى التي تضمّ غرناطة الجديدة وفنزويلا وكيوتو (الإكوادور) اللتان مازالتا تحت حكم الإسبان وقتها. استطاع سنة 1821 تحرير فنزويلا ثمّ الاكوادور في السنة الموالية، ليصبح فعليّا رئيسا كولومبيا الكبرى التي كان أعلن عنها، وأقام نظاما ديكتاتوريّا عسكريّا. ثمّ قرّر تحرير البيرو التي تمكّن من تحرير جنوبها في ديسمبر 1824، أما الجزء الشمالي فتمّ تحريره من طرف مساعده في السنة الموالية وسمّيت بوليفيا (المعروفة اليوم) تيمّنا بالقائد بوليفار. أصبح ينظر إلى سيمون بوليفار كقائد ثوري منتصر وقاهر الاسبان، فتوسّعت طموحاته، وأقام حلفا بين كولومبيا الكبرى والبيرو ودول أمريكا الوسطى والمكسيك ممّا عزّز من مكانته وسلطته.
لكن طبيعة حكمه الديكتاتوري المستبدّ جعلت العديد من شعوب المنطقة يشعرون أنهم تخلّصوا من استعمار أجنبي إلى استعمار محلّي عسكري. وكنهاية أغلب الأنظمة الديكتاتوريّة بدأ المواطنون يتململون من حكم بوليفار والأوضاع تنذر بالانفجار، إلى أن انفصلت فنزويلا عن كولومبيا الكبرى، فبدأت بقيّة الشعوب وتطالب بدورها بالانفصال. أصيب بوليفار بالإحباط بعد أن كان يظنّ أن حكمه الديكتاتوري الاستبدادي كان في صالح البلاد والعباد لفرض النظام والحفاظ على قوّة اتحاد كولومبيا الكبرى، رغم تشبّعه بمبادئ الثورة الفرنسيّة وفلاسفة الأنوار. تصاعدت أعمال الشغب وكثرت المؤامرات والدسائس من حوله، ووصلت الى محاولة اغتياله، فأصيب بوليفار باليأس والإحباط إلى أن تخلّى في 4 ماي 1830 عن منصبه، وقرّر الرحيل منعزلا بعد أن رأى احتجاج الشعوب التي حرّرها وحملته سابقا على الأعناق عليه. ومن المفارقات أنه لم يجد من يلجأ إليه الّا أحد الإسبان المعجبين به، فبقي في بيته في مزرعة في سانتا مارتا في كولومبيا إلى أن توفي في 17 ديسمبر 1830.

يعتبر اليوم سيمون بوليفار من أشهر رجالات أمريكا الجنوبيّة إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق، وتتفق أغلب التيّارات السياسيّة من اليمين الى اليسار على تقديس سخصيّته إلى حدّ التأليه والعبادة. فتماثيله موجودة في أغلب المدن الأمريكيّة اللاتينيّة الكبرى، وسمّيت بوليفيا على اسمه كما تسمّى فنزويلا رسميّا بفنزويلا البوليفاريّة. الّا أن بعض المؤرخين يرونه، وان كان بدأ حياته ثائرا محررا، فإن نهايته كانت ديكتاتورا سيئ السمعة، المؤرخ البيروفي هيوغو بيريا بلاسنتسيب الذي يرى أن بوليفار مزّق البيرو وكان عنصريّا ضدّ السكّان الأصليّين باعادته نظام العبوديّة وفرضه ضرائب مشطّة وقمعه كلّ من رأى فيه شبهة المعارضة. وبين هذا الرأي وذاك، يبقى سيمون بوليفار حاملا بامتياز لقب " الثائر المحرّر الديكتاتور".


Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 145637


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female