عندما تتغلب الإيديولوجيا على الابستمولوجيا : وثائق بنما نموذجا

بقلم الأستاذ بولبابه سالم
لن أتحدث عن تسونامي وثائق بنما من ناحية حجمها و طرق مافيات تبييض الاموال في البحث عن الملاذات الضريبية الآمنة ، و لكني سأتناول طريقة تعامل السلطة ووسائل اعلامنا مع الشخصيات التونسية التي تم الكشف عن شبهة تورطها في هذه الفضيحة ،، من المفروض ان الجميع يدعي محاربة الفساد و يطالب الدولة بتفعيل القانون وهو ما نلاحظه في كل المناسبات السياسية او الانتخابية ،، لكن لما تتم الاشارة الى تورط أسماء بارزة نجد دفاعا مستميتا يصل حد التطرف من مريديهم من اجل التبييض و رفع التهمة عنهم عوض الروح النقدية ، كما تتعامل وسائل الاعلام بمكيالين فإذا كان المتهم قريبا من خطها التحريري تفتح له منابرها للدفاع عن نفسه ، اما إذا كان غير ذلك فتقطع البرامج و تستدعي كل معارضيه للنيل منه و سلخه كما تفتح الباب للخبراء المشعوذين للتفنن في مقاييس الشفافية و نظافة اليد و المطالبة بتطبيق القانون بصرامة .

للأسف الشديد ، فإن احزابنا شبيهة بالقبائل و بعيدة عن السلوك الديمقراطي المؤسساتي فنجد انهيار قيم المبادئ و تفشي سلوك القطيع . لقد تابعنا في اليومين الماضيين مسخرة في صفحات التواصل الاجتماعي ابطالها كتائب فيسبوكية مجندة لممارسة التشويه او الدفاع ، اما الدولة فهي غائبة و لم تتحرك الا بعد امضاء نواب الشعب على عريضة لانشاء لجنة تحقيق برلمانية . ليس لدينا انجيلا ميركل التي اتخذت حكومتها اجراءات صارمة لانه لا توجد ارادة سياسية لمكافحة الفساد منذ الثورة و ليس الآن و لا أستثني أحدا .
بدأت بعض الحكومات على مستوى العالم التحقيق في مخالفات مالية حول التهرب الضريبي، نشرها الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين ضمن ما عرف باسم وثائق بنما ، بينما نفى البعض ما جاء في هذه الوثائق.
لقد أعلنت أستراليا والنمسا والبرازيل وفرنسا والسويد أنها بدأت التحقيق في مزاعم تستند إلى أكثر من 11.5 مليون وثيقة من مؤسسة موساك فونسيكا . و توعدت انجيلا ميركل بتطبيق القانون على المورطين.
وطلبت الحكومة البريطانية نسخة من البيانات المسربة التي قد تسبب حرجا لرئيس الوزراء البريطاني ديفد كاميرون بعد ورود اسم والده الراحل إيان كاميرون في الوثائق.
واتصلت هيئة الرقابة المالية في السويد بالسلطات في لوكسمبورغ لطلب معلومات ذات صلة بمزاعم أفادت بأن مجموعة نورديا البنكية ساعدت بعض العملاء على فتح حسابات في ملاذات ضريبية في الخارج.
وفي أوكرانيا دعا مشرعون البرلمان إلى التحقيق في الادعاءات بأن الرئيس بوروشينكو استخدم شركة خارج البلاد للتهرب من الضرائب.
أما في آيسلندا فقد دعا أعضاء المعارضة السياسية رئيس الوزراء ديفد غنلاوغسن إلى الاستقالة في أعقاب نشر الوثائق التي تؤكد احتفاظه هو وزوجته بأموال سرية في أحد الملاذات الضريبية بجزر البحر الكاريبي و تظاهر الآلاف امام قصر الحكومة مما دفع به الى الانصياع الى الضغوط فاستقال .
بيننا و بينهم سنوات ضوئية لذلك تقدموا ، اما نحن فسنتابع التسويات و الصفقات تحت الطاولة لاغلاق الملفات . الفساد و الارهاب توأمان ، و لا يمكن القضاء على الارهاب دون القضاء على الفساد .
كاتب و محلل سياسي
Comments
6 de 6 commentaires pour l'article 123048