التكالب إمبراطوري.. والأنياب طائفية

<img src=http://www.babnet.net/images/1b/mintakaaaaaa.jpg width=100 align=left border=0>


بقلم أبو محمد سفيان

طوال تاريخنا، كنّا متابعين لصراع ظننّا أنه غريب عنا وغير قابل للغرس في تربتنا. صراع لمسنا تفاصيله في كتب التاريخ، وظننا أنه لا يخرج عن هذا الإطار. غير أن التطوّر التكنولوجي الذي حوّلنا لسكّان قرية واحدة، وشبكات التواصل التي تطوي المسافات طياً، جعلتنا في تماسٍ مع بؤر التوتّر، لنصبح إحدى النّقاط التي تصطكّ فيها الأحجار العقائدية فتوقد ناراً.

وجودنا في هذا التماس يدفعنا إلى تفكيك الظاهرة، ومن أجل ذلك نحتاج إلى أداتين:



* أولها أن نقفز من سلّة الدّين إلى سلّة السياسة وننزع اللّحاف المذهبي الذي يلف جوهر الصراع، والذي سنبين أنه إمبراطوري بامتياز.
* ثانيها أن نحاول الانتقال من جزئية التناول (التونسي) إلى شمولية الرؤية (الإقليمية).

التجارة بالأديان، تجارة رائجة في المجتمعات التي ينتشر فيها الجهل هكذا اختزل ابن رشد كل المعضلة، وكشف لنا إحدى أهمّ الآليات التي استعملها كل الغزاة لإخضاعنا لأهوائهم الإمبراطورية. حتى فرنسا العلمانية عندما اقتحمت أبواب أسوارنا، راهنت وشجعت إسلام الدراويش ، وكل من يريد وضع موطئ قدم فوق هذه الأرض يصطنع لنفسه جبة زخارفها عقائدية كي ينفذ إلى وجدان الناس. لذلك تُخفي الأقنعة المذهبية بلا ريب، شيعية كانت أو وهابية، وجها إمبراطوري تحركه قوى إقليمية فوق أرضنا. فإيران ليست سوى سليلة الإمبراطورية الفارسيّة القديمة، وتركيا ليست سوى سليلة الإمبراطورية العثمانية، أما السعودية فليست سوى ذيل للإمبراطورية الأمريكية ووهم رعاية الإسلام (الخلافة). هكذا نفهم أن السياق كلّه سياسي وحُشِرت في معادلته عنوة بهارات القداسة للتّعمية.
لنفهم هذه العقلية الإمبراطورية التوسعيّة، وجب علينا أن نرتفع عموديّا في الفضاء الإستراتيجي لنخرج من ضيق الخانة المحليّة إلى رحابة رقعة الشطرنج الدولية:
في سورية مثلا، والتي تحترق تحت نيران التناحر المعلن بين العلويّين والسّنة، هو في الأصل صراع إقليمي بين إيران من جهة وتركيا والسعودية من جهة أخرى، وهو نفس الصراع القديم المتجدّد على الطرق التجارية، و بالأخصّ على خريطة مسالك الغاز الجديدة في المنطقة.
كذلك الحرب الدائرة بين آل سعود والحوثيين في اليمن، تختصره العين الإمبراطورية في مضيق باب المندب الذي يصل البحر الأحمر بخليج عدن والمحيط الهندي، و السيطرة عليه تعني التّحكّم في جزء كبير من مبادلات التجارة البحرية في العالم.
دون أن ننسى المكان التاريخي للصراع، بلاد الرافدين، بمقدراته التي جعلته دائما على صفيح نار الحروب القديمة (ومحركها الطاقة) و الحروب القادمة (ومحورها الماء)، حتّى ذلك التنكيل الذي يتعرّض له السنّة الآن في العراق و يسوّق لنا في الوجبات السريعة الإعلامية على أن مردّه طائفي هو في الواقع صراع على السلطة والحكم، وهنا لا يجب أيضا أن نغفل البحث عن رمزيّتها التاريخية المفقودة المتجسدة في عاصمة الإمبراطورية الفارسية القديمة، المدائن.
لبنان رغم أنّها أرض ضيّقة، لكنها تكتسي أهميّة كبرى، فهي النافذة التّي تطلّ على مأساة المسلمين فلسطين، لذلك تحرص الإمبراطوريات على موقع قدم هناك لتستثمر في القضيّة وتبني على أنقاضها البعد الحضاري الذي تحتاجه كلّ قوّة توسّعية.
من هذه الزاوية طُرِقت أبوابُنا، بعدما ضاقت مساحات الصراع التقليدية، بدأت هذه الإمبراطوريّات بالبحث على حقول أخرى تزرع فيها بذور التمدّد، والتي وجدت أفقاً اليوم في شمال أفريقيا مع الفراغات الجيوستراتيجية التي أحدثتها الثورات.

عندما اهتزت منطقة الخليج العربي إثر رجّات 2011 تحرّكت الأرض الجامدة والسميكة تحت العروش. هنا أحس السعوديون بأن الطقس الجغراسياسي قد تغير من حولهم ما ألزمهم على تحريك أشرعة التحالفات نحو رياح جديدة، خصوصا بعد استيقاظها المتأخر من وهم الحماية الأميركية الذي انقشع ضبابه في مسقط، أين اتفق الإيرانيون والأمريكان وراء ظهر آل سعود. في الحقيقة لقد جرى تنويم السعودية وأخواتها الخليجيات طوال عقود من خلال لعبة الدفاع عنهم من خطر العمامة السوداء، لعبة كان جوهرها تكديس السلاح الأميركي في مخازن الجيوش العربية بينما كان العم سام يفاوض هذه العمامة ويعيد تلميع نجوم العلم الأميركي والتي غرسها الشاه في سماء إيران سابقا،
كلّ ما سبق يفسر التصرفات التصعيدية التي نجدها في السياسات السعودية اليوم، والتحالفات الانفعالية التي تحاول تأسيسها، حيث تجنّد كل ثقلها من أجل تأسيس حلف يدّعِي مقاومة الإرهاب، (وانخرطت فيه تونس طمعاً في عطايا الملك سلمان) غير أنّ عقارب هذا التصدّي متّجهة للتوسّع السّاساني. إضافة إلى حلفٍ طازج مع باكستان و الذي ينصّ على حماية الأراضي السعودية من أي تهديد (وكأن جينات العرب اعتادت أن تحتمي بقوة خارجية).
هي ردّة فعل أمام الشعور بانكشاف العورة العسكرية بعد تخلص الأمريكان من ذيلهم الخليجي، تخلصت السعودية هي أيضا من كلّ خلافاتها الخليجية الضيّقة، وتركت عداءها الأول مع الربيع العربي، ليبدأ التقارب مع تركيا الأردوغانية، والتي تتربص هي الأخرى بالخارطة العربية، إثر استرجاعها لأطماعها الإمبراطورية خاصة بعد طفرتها الاقتصادية واستقرار الحكم فيها.

كل هذه الصراعات أُريد لها التّسلّل إلى الحديقة التونسية المسيّجة بعقلانية شعبها وبداهته السياسية الفطنة، إما بهدف التمدد الإمبراطوري أو لوئدِ تجربتها الديمقراطية الناشئة، و هنا تأتي وجوبية اليقظة عند كل مواطن وضرورة أن يتسلّح بقراءة الإحداثيّات المحيطة به، والأهم أن يستحضر تلك المعادلة التّي تقول كل عدو يستدعي نقيضه أينما حل ، كلّ تسرّب لرياح التوسّع الإيراني في وطننا تحت معلّقات الحرّية هو استدعاء عاجل لداعش والقاعدة خاصّة أنّ السنوات الأخيرة أثبتت أن تربتنا لها قابليّة على تفريخ الإرهاب.

لا تجعلوا أرضنا حلبة للتناحر الإمبراطوري.. بجرّافات الطّائفيّة





Comments


7 de 7 commentaires pour l'article 118818

Adam1900  (Poland)  |Mardi 19 Janvier 2016 à 11:43           


بعض المعلقين یقولون إیران دولة طائفية عنصریة .. کلامکم کذب و نفاق أنا مسلم عربی وأعیش فی أروبا لي العديد من الأزدقاء .. يوجد بیننا تبادل إحترام و محبة ، ناس منطقین محترمين ما عندهم تعصب الجاهلیة .. یتحاورون باحترام و أدب أدعوا النبارة أن يتعرفوا علي ثقافة إيران قبل الحديث ..
الحكومات العربية أضاعت كل هذه السنين في الرعونة السياسية و الكذب ، يقول الإمام الشافعي رحمه الله : وأبيت سهران الدجى وتبيتها نوماً / وتبغي بعد ذاك لحاقي ؟ ..
يا سادة .. الإحتفالات عمت ايران ، والكآبة سادت العديد من الدول العربية .. وكبر القلق في الدولة العبرية ، التي تكرر تهديداتها بعدم السماح لإيران بامتلاك أسلحة نووية ..
رفع العقوبات يعني عودة النفط والغاز والفسدق والسجاد الايراني المشهور عالميا الى الأسواق وكل الصادرات .. تدفق الأموال المجمدة ( مقدارها مئة مليار ) على الخزانة الايرانية فورا ، والغاء كل القيود على القطاع البنكي والتأمينات ، فورا ارتفعت الأسهم الايرانية في البورصة بشكل كبير، ومعها قيمة العملة الوطنية .. نعم الكآبة تسود دول الخليج العربي وانعكست سلبا علي البورصات وحركة بيع الاسهم فيها بشكل جنوني ، الأمر الذي أدى الى إنخفاضها بأكثر من خمسة في
المئة دفعة واحدة ، حيث انخفضت الأسهم السعودية الى أدنى معدلاتهامنذ خمسة أعوام ، ( 5520 نقطة ) ..
الأسهم الخليجية خسرت 130 مليار دولار منذ بداية العام ، من مجموع قيمتها السوقية المقدرة بحوالي 800 مليار دولار، وذلك يعود الى الحرب بالوكالة والإنخفاض الكبير الذي يسود أسعار النفط الى أقل من ثلاثين دولارا للبرميل ، وانعكاساته على مختلف القطاعات الأخرى ..
رفع العقوبات عن ايران يعني عودتها بقوة الى العالم وخروجها من العزلة و تمويل حلفائها ..
ستتدفق الشركات الغربية الى ايران بحثا عن الفرص والعقود والصفقات .. العودة الايرانية تعني المزيد من إنخفاض أسعار النفط الى العشرين دولارا ، الأمر الذي سيشكل كارثة لبعض الدول العربية التي تواجه عجوزات ضخمة في ميزانياتها ، وتآكل أرصدتها الخارجية بسبب حقدها و جهلها والوقوف بعضها على حافة الافلاس ..

Humanoid  (Japan)  |Mardi 19 Janvier 2016 à 07:30           
@MSHben1
ما كل هذا الغرام الذي أنت واقع فيه مع إيران ؟
أبعين الحبيب ترى كما يقولون ؟ عيناك رأتا كل عيوب السعودية والوهابية ومذهبيّتهم، ولم تريا بشائع النظام الإيراني وقذاراته ؟
صحيح أن السعودية تلعب دورًا رائدا في نشر المذهبية والطائفية، ولكن حبيبتك إيران تفعل ما هو أسوأ، وأنت ترى إذ وقع العراق بين يديها ما تفعله بأهل السنّة ؟
صديق لي عراقي يحدّثني عن جو الود والتعايش السلمي الذي كان عليه السنة والشيعة في العراق، بل إنّهم يتزوّجون من بعضهم ولا يعادون بعضهم البتّة.. واليوم ما يفعله الشيعة بأمر من أصحاب العمائم السوداء من شيوخ إيران يفوق ما لخيالك تخيّله.
إن إيران والسعودية وجهان لعملة واحدة هي المذهبية، وليس من حق أي منهما فرض أي نمط على أي دولة أخرى.. إن كانتا تكرهان بعضهما البعض فهذا شأنهما، أما أن تجعلا من بلدان آمنة وادعة ساحة لمعاركهما، فهذا سيجعل الكل يذوق وبالا، ولن يربح منه أحد.
ملاحظة أخيرة بالنسبة لثورتك الإيرانية، إسأل كل الإيرانيين إن شئت، وسيخبرونك أنهم ناقمون عليها، وليسوا سعيدين بها ولا بالوضع الذي هم فيه، وكلّهم تقريبا يكره الخميني ومن ورائه خامنئي (باستثناء القلة المطبّلة طبعًا) ولا يريدون سوى العيش كباقي الشعوب.
بالنسبة لآل سعود فأنا أتوقّع لهم السقوط (ولا أتمنّاه حقيقة، لأني لا أريد لبلاد الحرمين أن تعيش الفوضى) ولو حصل ذلك فذلك الجزاء من جنس عملهم القذر.
تحياتي أخي الذي أختلف معه، ولكن أكن له كل الود

Ahmed01  (France)  |Lundi 18 Janvier 2016 à 21:45           
مقال موضوعي وجاد في تحليل العلاقات الجيو سياسية في منطقتنا العربية ، بعيدا عن الايديولوجيا والعواطف التي عودنا عليها ـ مع الأسف ـ الكثير من كتاب "المقالات" في هذا الموقع . نرجو المزيد من هذا النوع من الكتابات العلمية

Aziz75  (France)  |Lundi 18 Janvier 2016 à 16:08 | Par           
المنطقة العربية مكان لثالث حرب عالمية ابشع من الاولى و الثانية، نظرا لمالكه المنطقة الاستراتيجية. و ما لها من خيرات في اراضيها لا يقدر العرب على استخراج رغم كل الامكانيات. اطماع الدول الكبرى و سياساتها الجهنمية تفرض و جهودها رغم ما تعرفه مسبقا انها غير مرغوب بها من طرف الشعوب. الامان تخاذل السياسيين العرب، و انبطاحهم كليا او جزئياً امام اسياده و انتمائهم في كل الشهوات، و عدم شعبيتها و فقدانهم لكل شرعية اخلاقية او قانونية جعل منهم الغرب ادات لقمع الشعوب. مما سهل على الغرب التمركز بقوة في مناطقنا، و تسليط علينا عدو يستبيح كل المحرمات لتنكيل و العبث بمقوماتنا. ثم زينها بصراع الحضارات، و كانه شيئ اراد به الاسلام،و الحقيقة انه آت من عند انفسهم، ليزدادوا به ضغوطات على دولنا و انهاك لقواها. اليوم، و قد بدا جليا منذ مدة طويلة. ان الهدف الاسمى، هو تقطيع و تمزيق الامة حتى يسهل ابتلاعها. زد على ذلك الصراعات الداخلية نظرا لضعف فادح ثقافيا و فكريا و مكوناتها السسيولوجية و العرقية زادت الطين بلة، و سهل اختراقها و تسييرهاعن بعد. بما ان في العالم العربي، لايقبل اختيار بطريقة شفافة و دستورية لكل من يتقمص او يتحمل مسؤولية قيادة البلاد، فليس بغريب عنه ان يدافع عن مموليه الاجانب دون احترام لمواطنيها، و يضمن، بقائه.

MSHben1  (Tunisia)  |Lundi 18 Janvier 2016 à 15:34           
تحليل واقعي و لكن الحق حق و الظلم ظلم فالسبب الحقيقي في هذا الواقع المذهبي هو عذاء الوهابيين آل سعود للثورة الايرانية الاسلامية منذ ظهورها . لقد ارادوا حصارها و محاصرة ايران ثم افتعلوا ظدها حرب صدام ثم لما هزمتهم صاروا خائفين على كراسيهم فتكلموا عن الهلال الشيعي و اصبحوا يسوقونه في الاعلام . و لما اشتد عود القاعدة و اخواتها استعملوهم بالمال الفاسد و المخابراتات العالمية تركية و سعودية و قطرية و امريكية و صهيونية . و احدة تعطي المال و السلاح و
الاخرى تمرر المقاتلين و الاخرى تداوي الجرحى في الجولان في مصحاتها و الاخرى تسقط لهم السلاح و الدواء و الغذاء المعلب الامريكي عبر الجو و كانت خلية الشر هذه تعمل ليل نهار . و لكن ينقلب السحر على الساحر و تتدخل روسيا و تنحسر تركيا و يدحر داعش في العراق و في سوريا و يدخل اليمنيين في حدود السعودية و يهبط البترول و تخرج ايران من العقوبات و يبقى العرب في التسلل و الحظيظ . لو كانوا مسلمين حقا و لو استعملوا العقول لاختاروا الاخوة الاستراتيجية الاسلامية و
لغوا مذاهب التفرقة و الدمار . لكن جهل الجاهلين الاقصائيين الاباديين سيبيدهم هم الاولين حتى لو قاتلوا جنبا الى جنب مع الصهاينة المحتلين و هذا لعمري قاب قوسين و قريب .


انا mshben1. جندي بسيط في قوة عزم الامور الحقانية و مستقرأ محنك للاستراتيجيا السياسية .

FALLAGUAS  (Tunisia)  |Lundi 18 Janvier 2016 à 13:36           
أنت شحيح في الكتابة أبو محمد لكنّك مبدع، تناول ممتاز للقضية من زاوية تبتعد عن ذلك التناول الفلكلوري من تكفير و إيهام بأن المشكل ديني، أرضنا مستباحة من الكلّ ، و الدولة لا تحرذك ساكنا. الغريب أيضا أنها مستباحة منذ زمن بعيد من الغرب( صهاينة و فرنسيين و أمريكان)و الكل يعلم بهذه الإستباحة لكن لقدمها تكيّفنا معنا و ما عادت تثير فينا المخاوف التي تثيرها فينا تحرّكات عربية أو فارسية. ربّي يحمينا من كل دسائس العالم

Antar Ben Salah  (France)  |Lundi 18 Janvier 2016 à 12:46           
ألوم على العربان الذين اصبحوا عملاء لدولة المجوس الصفوي و إتحدوا معهم لقتل و تهجير أبناء جلدتهم .
ألوم السعودية و الإمارات لإنشغالهم بلإنقلاب الدموي بمصر و ترك سوريا و العراق في مخالب العدو الإيراني المتصهين .
ألوم الشباب الذي إنخرط في عصابات الإجرام مثل داعش و القاعدة و غيرهم .
ألوم الإعلام الذي يساند الديكتاتورية .
ألوم النخبة التي أصبحت نكبة .
ألوم الحكومات العربية التي أصبحت لشعوبها عدائية إستعمارية .


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female