النهضة والنداء: من التراشق إلى التوافق إلى التطابق

<img src=http://www.babnet.net/images/1b/lesdeuxcheikh2.jpg width=100 align=left border=0>


وســام الأطرش (*)

كم هو ممتع وجميل أن تُشاهد أناسا يتحركون بشعاراتهم ولكن نحو تحقيق أهدافك ومضامينك السياسية ! هذه على ما يبدو هي العقلية التي صارت تحرك أرباب النظام الرأسمالي العالمي في تعاملهم مع الشعوب، فنجدهم يسخرون علم الحشود لإتقان فنون ركوب الموجة، والإبداع في تطويع الشعارات والمطالب السياسية لخدمة أهداف رأس المال.





التدرج، وما أدراك ما التدرج، شعار يعني في أصله المرحلية التي يقتضيها حمل الفكر ونشره بين الناس، ولكنه حين أسيء استغلاله صار تدحرجا مريرا يلتقي في العديد من الأحيان مع أهداف النظام العالمي في صياغته للخارطة الجيوسياسية الجديدة، خاصة في مرحلة ما بعد الثورات.

مسار التدرج السياسي في تونس الثورة، اتفق على رسمه الشيخان راشد الغنوشي والباجي ڨايد السبسي، فكان الوقوف على طرفي نقيض منطلقا لممارسة سياسية الإستقطاب الثنائي بين تيارين متنافرين متخاصمين اصطف وراء كل منهما جمع من النّاس كما أرادت ماكينة الإعلام الساحر التي أبقت اليسار في وضعية التسلل إلى يوم الناس هذا.

هذه المرحلة، يمكن أن نعتبرها مرحلة لتراشق التهم حيث غلب عليها خطاب التهديد والوعيد وتعريف النفس بمضاددة الآخر، ولذلك قيل فيها أن نداء تونس هو إعادة رسكلة لتجمع بن علي وهو بذلك أخطر من التشدد السلفي . رواه الشيخ الغنوشي على أمواج إذاعة شمس أف أم. في المقابل، اعتبر القيادي في نداء تونس محسن مرزوق على قناة حنبعل أن دم فريقه أحمر ودم الإسلاميين أسود. وهكذا راح كل فريق يزعم تمثيلية الثورة وأنه يعمل على تحصينها من الآخر، إلى أن وُضع قانون تحصين الثورة على طاولة النقاش وكان شرارة لانطلاق مسلسل الإغتيالات ومدعاة للمرور إلى مرحلة التوافق.

مسك العصا من الوسط، والتنازل عن سياسة الإستقطاب بين الخصوم لصالح التقارب السياسي بين الأصدقاء الجدد حقنا للدماء ووقفا لنزيف الإغتيالات والأعمال الإرهابية المنظمة، جعل من قطبي الصراع مثالا للتوافق والتشارك والتعايش، ونزل بالشيخان للإلتقاء في منتصف الطريق كما أرادت قوى تصنيع وتصدير الإرهاب الدولي، فكان لقاء باريس التاريخي بين الباجي والغنوشي بإشراف بريطاني سابقا لمائدة السفير الأمريكي.

وهكذا، لم يعد نداء تونس هو التجمع لأن التجمع ينتمي لنظام الحزب الواحد بينما النداء حزب ينتمي للنظام الجديد الذي أرسته الثورة بدستورها الجديد. وابن علي ليس هو الباجي قائد السبسي . رواه الشيخ الغنوشي في فيفري 2015. بل صار تحصين الثورة المضادة مطلبا توافقيا تحت عنوان المصالحة الوطنية وصار رعاة الحوار الوطني المزعوم نموذجا لإحلال السلام في العالم تتسابق قوى الإستعمار على تكريمهم ومنحهم الجوائز، علّ بقية الشعوب تعدل عن ثوراتها فتتصالح مع جلاديها من أجل عيون نوبل ، بل من أجل بقاء الأسد في سوريا كما دعا إلى ذلك الغنوشي في آخر شطحات الحكمة والتكتيك.

الأكثر من ذلك، أن المال السياسي القذر والنهم المتوحش على السلطة قد أسقط عن نخلة النداء ثمارا متعفنة أشغلت الحزب بنفسه ورجحت الكفة لصالح الدساترة المتقاربين مع النهضة، حتى غدا بعضهم يتحدث عن اختراق نهضاوي للنداء، متناسين أن المال هو الذي يصنع المواقف في أحزاب الانتهازية والإرتزاق السياسي. وإلا فما بالنا نجد لزهر العكرمي يرشح راشد الغنوشي لنيل جائزة شخصية هذا العام التي دعت إليها منظمة دعم مجموعة الأزمات الدولية؟

المطروح اليوم، لم يعد مجرد توافق أو تشارك في الحكم أو تدريب لشباب النهضة على مسؤوليات شباب التجمع المنحل، بل مواصلة في مسار التدحرج الذي سينتهي على الأرجح بالإنصهار الحتمي في بوتقة الدساترة، وهو ما تعززه مؤشرات قوية على أرض الواقع أولها تصريح راشد الغنوشي أواخر سنة 2013 الذي أكّد فيه أن الدساترة رقم مهم في المشهد السياسي وليس آخرها فيلم اغتيال رضا شرف الدين.

منذ أشهر قليلة، كتب القيادي غير البارز في حركة النهضة لطفي زيتون في صحيفة الشروق ما نصه: لم تضع الفرصة بعد لو ينهض رجال المدرستين مدرسة التأسيس الأول والتأسيس الثاني .. الدستوريون الوطنيون والإسلاميون الوطنيون للملمة شتات الجماعة الوطنية وتأسيس الكتلة التاريخية الكفيلة بترجمة الالتقاء التاريخي بين الشيخين .. رافعين شعار المصالحة الوطنية الشاملة .

ولذلك، ليس غريبا أن يعاد اليوم البحث عن جدّ تاريخي (توافقي هو الآخر) للإسلاميين والبورقيبيين من قبل الدساترة الجدد، سعيا لصقل أتباع الشيخين (الباجي والغنوشي) بالهوية الوطنية الدستورية. وفي هذا الإطار يمكننا أن نقرأ تصريح القيادي في حزب النداء خالد شوكات أن حركة نداء تونس لها ثلاثة آباء كبار هم الجد عبد العزيز الثعالبي الذي أسس الحزب والحبيب بورقيبة الذي شارك في الحركة الوطنية وفي استقلال البلاد وبناء البلاد والباجي قائد السبسي الذي أدار البلاد في مرحلة الانتقال الديمقراطي وذلك في سياق تعليقه على ما تم نقله عن الأمين العام للحزب محسن مرزوق في أحد المواقع الألكترونية من أن عبد العزيز الثعالبي ليس جد الندائيين وأن هناك مجموعة من الأشخاص وراء زرع الفتنة داخل صفوف الحزب.

وفي حين يتدرج النداء نحو النهضة ويخطب ودها باعتبار الشيخ عبد العزيز الثعالبي جدا للندائيين معدا نفسه لمرحلة ما بعد الباجي ڨايد السبسي، نجده يطالبها (على لسان فوزي اللومي) بمزيد من التدحرج والتماهي في الخطاب والممارسة مع الأحزاب الحداثية، مثمنا تحوّلها من حزب عقائدي إلى حزب براغماتي وملوّحا بتغيير منتظر في المؤتمر القادم لحركة النهضة.

وهكذا يمر الذوبان الإيديولوجي بأحزاب التنافق من مرحلة التراشق إلى مرحلة التوافق فالتطابق، لتبقى إمكانية انصهار النهضة (بعد تجريدها من ثوبها الإسلامي) والنداء (بعد إبعاد الإستئصاليين) في حزب دستوري جديد ينهي استعمال اسطوانة الإرهاب المشروخة أمرا واردا، خاصة إذا بارك هذا التحول الديمقراطي الجديد رعاة الحمار الوطني ومرتزقة السياسة من الأحزاب التي تدور في فلك السلطة باسم المعارضة، والأهم أن تشرف على تحقيق الإستقرار السياسي والإقتصادي للبلاد مؤسسات النهب الدولي وأرباب النظام العالمي ممن يباركون صعود آل إدريس وجنيح والقروي ومرجان وكل ما اتفق عليه الشيخان من إبعاد للشرع عن السلطان. والغبي بعدها من ينسب هذا المشهد السياسي المزيف إلى الإسلام وأحكامه فضلا عن شعاراته.

(*) عضو المكتب السياسي لحزب التحرير تونس




Comments


13 de 13 commentaires pour l'article 114106

Wissem_latrach  (Tunisia)  |Jeudi 29 Octobre 2015 à 09:20           
@Essia جل من لا يسهو. شكرا على التصحيح :)

Essia  (Tunisia)  |Mercredi 28 Octobre 2015 à 09:12           
خطا نحوي في المقالة : 'ونزل بالشيخان للالتقاء في منتصف الطريق'
الصواب : 'ونزل بالشيخين ...'

TheMirror  (Tunisia)  |Mardi 27 Octobre 2015 à 10:52           
تونس ضاعت بين النهضة و النداء

Mandhouj  (France)  |Mardi 27 Octobre 2015 à 09:35           
@ Nibras (Germany)

و أنا بالمناسبة أترحم على الوالد ، و أجدد له عهد البر بالوالدين .
و من بر بهما أن نحسن إلى اصدقائهم بعد وفاتهم .

شكرا للوالد على الحظور في قاعة الانتخابات ،
ابنك البار

Mandhouj  (France)  |Mardi 27 Octobre 2015 à 09:30           
Http://collectif69palestine.free.fr/spip.php?article935

Nibras  (Germany)  |Mardi 27 Octobre 2015 à 09:19           
بمناسبة مرور سنة على فوز الانتخابات التشريعية اهداء صغير لكل من انتخب العصابة و خاصة جماعة الفوت اوتيل هيا ارقصوا و غنوا و اقسموا القاطو بيناتكم

Abouiyed  (Tunisia)  |Mardi 27 Octobre 2015 à 08:57           
حزب التحرير صناعة المخابرات البريطانية شعاره خلافة اريد بها باطل الشيخ النبهاني براء منهم وعطا أبو الرشتة اميرهم لم يطلق حتى حجر على العدو الصهيوني فتابعهم يا اما سفيه مختل يااما عميل مندس فتوبوا الى الله قبل ان ياتي يوم لا ينفع الندم يا اهل الشقاق والنفاق

MSHben1  (Tunisia)  |Mardi 27 Octobre 2015 à 07:26           

اولا الغنوشي حكيم العرب كلهم و هو دمدوم الدمادم و عملاق العقل و الفكر و الاسلام الحقاني . القرضاوي شيخ البلاطاط و شيخ الحروب المذهبية هو قزم امام الغنوشي . اما شيوخ الارهاب و مشايخ ضعف التعليم فهم مخربون و قتلة ذباحون و مرتزقة لدى مخابراتات آل سعود و تركيا و من ورائهما الصهاينة و الامريكان . الحقيقة في عرب تونس سواء كانوا اسلاميين معتدلين او ندائيين انهم عباد الله اجمعين و ان سياسة هؤلاء و هؤلاء و انجازاتهم تبقى ضعيفة و كيف كيف هنا و هناك و لا
فائدة من الكذب و من النفاق . فالعقلية العربية التونسية سواء نهضوية او ندائية او يسارية تبقى ضعيفة الآداء و فيها الكذب و التزلف و فيها المجاملات و المحاباة . خبير الاستراتيجيين ينصح الغنوشي بعدم السقوط في جيب اردقان و آل سعود فأنهما جيوب العمالة الصهيوامريكية و الارهاب و المذهبية و العرقية .

انا mshben1.

MOUSALIM  (Tunisia)  |Mardi 27 Octobre 2015 à 06:59           
النهضة والنداء يستنسخان المثال الوحيد للخالق لتأسيس الدول عبر التلاقي بين مشروعين متضادين بين البوضة والحيوان المنوي لتأسيس دستور يبعث الحياة بدل الموت لكليهما لو أصرا على عدم التلاقي والتوافق .ودعاة الرأي الواحد يتعمدون تغييب الدولة المدنية للرسول عليه الصلاة والسلام ودستور المدينة الذي أمضى عليه المسلمون وغير المسلمين حتى من المشركين والملحدين وعلى حزب التحرير عدم تضييع عمره في الأوهام ويتجاوز الحلم بالعودة لفترة ثبت فشلها السياسي على مر
التاريخ ويتمسك فقط بدولة الرسول المدنية والتعددية . المتجددة على الدوام عبر الحفاظ على الثوابت الكلية
الإنسانية بعيدا عن الجزئيات التي تؤرخ لمشاكل عصرها لا عصرنا -- تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ--

Kamelwww  (France)  |Mardi 27 Octobre 2015 à 03:11           
من يغير لحيته بلحية أخرى يفقد الإثنين معا... هذا حال الغنوشي الذي تدحرج من رتبة زعيم مهم إلى تابع للسبسي التجمعي... هي السياسة كذلك، كلها قذارة وتقليب للقميص. لا أفهم كيف تنازل الغنوشي عن مبادئ الثورة وأصبح يلهث وراء عجوز تجاوزه الزمن، كل هذا استغفال للمواطن البسيط الذي لا يرى سوى غلاء الأسعار وتدهور الحالة الإجتماعية والفساد الأخلاقي والمالي والرشوة والمحسوبية. .. إلخ.. إلخ...

Hosni  (Canada)  |Lundi 26 Octobre 2015 à 23:26           
Nakba et 3ida Tounis s'entendent à merveille pour se partager la ka3ka tounsiya.
Ces deux courants politiques de droite sont les deux faces d'une même pièce de monnaie.

Mandhouj  (France)  |Lundi 26 Octobre 2015 à 22:14           
لا أرى أي اشكال في تحالف النهضة و النداء أو حتى في الانصاهر التام ،

قد يحدث لهم ما هو حادث لاحزاب الجبهة ، فتكون هناك جبهة لبيرالية، وجبهة يسارية ، و غدا تنشأ جبهة قومية ... ليس هناك مشكل .

لكن أين أهداف الثورة من كل هذا التقارب ، التوافق التطابق ... بين الاحزاب و الكتل السياسية ؟
أين دعم الحريات و حقوق الانسان ؟
أين القطع مع سياسات التهميش الجهوي و للاحياء الشعبية و القرى الفقيرة ؟
ما موقع و مستقبل الديمقراطية من كل هذا ؟
أين المشروع الاقتصادي و للمالية العامة الذي يقطع بتدرج مع منوال المديونية ؟
أين المنوال التنموي الجديد ، الذي يوظف الطاقات الوطنية (ذكاء و مادة و دفع رجال الأعمال الشباب إلى الاستثمار الداخلي ).
أين قانون اللامركزية ، والانتخابات البلدية والاقليمية ؟ وكيف سيعد الاخراج ، هل سيكون هناك موقع لائق للمواطن أم سيقع تهميشه كما في عدة ديمقراطيات غربية ، الفرنسية على سبيل المثال ؟
أين إستكمال المسار الإنتقالي (عدالة انتقالية ، مصالحة عامة ، محكمة دستورية ، وما تبقى من مؤسسات دستورية لم تحدث بعد ؟
أين محاربة الفساد ، الرشوة ، الارهاب ، التهرب الجبائي ، التهريب ، الاقتصاد الموازي جملة ؟
أين موقع الحوار الوطني و إرادة التوافق من أجل الاصلاحات الهيكلية الكبرى ؟
أين موقع الشفافية ؟

Langdevip  (France)  |Lundi 26 Octobre 2015 à 21:28           


النهضة والنداء متحالفين على أمن البلاد

و حزب التخريب متخالف مع الجميع


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female